على عكس الشائع، فان فترة الاجازة مع ترحال أو بدونه هى مرحلة الملاحظة الهادئة ولكن المنتظمة التى تغذى الفكر الهادئ، وفى الواقع فانه عشية الاجازة الصيفية فى معظم أوروبا تمتلىء المكتبات بالكتب التى تعمل دار النشر على اصدارها فى هذا الوقت لاصطياد القارئ الذى عادة ما يضع القراءة كجزء أساسى من أجازته انه فعلا تجسيم لعالم المعرفة فى أقوى صوره يمثل انتشار القراءات هذه، يصبح الالتقاء بالأصدقاء وسيلة لتبادل المعرفة أكثر وأكثر، سواء اتفقت الآراء أم اختلفت. بسبب مذبحة نيس التى أسالت دماء بشعة لأكثر من 88 فردا على كورنيش مدينة المتوسط الساحرة هذه، كان أصدقائى الفرنسيون بين الأجانب الأكثر اتصالا وتواصلا، محاولين باخلاص تفهم ما يمر به العالم العربى والاسلامى حاليا.. ولكن معظمهم كان يقترب من موضوع الاختلافات الثقافية بلباقة.. جذب انتباهنا مثلا هذه الصورة المعبرة فى الأوليمبياد فى البرازيل هذا العام، وخاصة فى لعبة الفولى بيتش بول. وكما يوضح الاسم فانها تختلف عن لعبة الفولى العادية لأن المشاركين يلعبون على البلاج وبالمايوه، وخاصة البكينى بالنسبة للفتيات، بل ان الممارسة أن يكون البكينى فعلا بكينى من النوع الصغير جدا الذى يكشف أكثر كثيرا مما يغطى، بحيث أن بعض الفتيات حتى غير المسلمات يشعرن أحيانا بالحرج من حجم هذا البكينى. ولكن الصورة التى رآها الكثيرون هى احدى مباريات الفولى بيتش بول هذه والتى تواجه فيها احدى فتيات البكينى شابة مسلمة محجبة. تواصل النقاش عما اذا كان هناك تفرقة وتقاعس فى تطبيق القواعد بواسطة منظمة الأوليمبياد فى البرازيل. انقسمنا فى الرأى ولم يكن الخلاف بين فرنسيين وغير فرنسيين، بل داخل المجموعة الفرنسية نفسها، وكان رأى المعترضين على السماح للمحجبات أن القواعد يجب أن تطبق على الجميع، بمعنى أنه يجب أن يسمح فى هذه الحالة للغربيات باختيار المايوه الذى يروق لهن، حتى ولم يكن البكينى. وهو رأى له وجاهته.. كان رأيى أن السماح بارتداء الحجاب على هذا المستوى الدولى عمل ايجابى، لأنه يعكس التعددية فى العالم والذى يجب أن ينعكس أيضا فى مثل هذه المسابقات الدولية. تحفظى الوحيد هو عما اذا كان الحجاب مع السروال الطويل قد يعوق الحركة أو يزيد من حرارة الجو. وبالتالى يضر بفرص فريق المحجبات بالفوز، وهو تحفظ ظرفى مرتبط بحرارة الجو ويترك القرار فى أيدى الفريق. النقاش اختلف كثيرا فيما يتعلق بالبكينى فى مواجهة البوركينى على شواطئ فرنسا أى داخل دولة معينة لها قوانينها وممارساتها، وليس على المستوى الدولى، حيث التعددية ولكل الحق فى أن يرتدى الزى الوطنى الذى يناسبه، فى البداية اعترضت غالبيتنا الساحقة على سلوك بعض رجال الشرطة على أحد شواطئ مدينة نيس الذى أجبر إحدى السيدات المسلمات على التخلص من البوركينى، ولما أوضحت أن الشرطى فى هذه الحالة كان يطلب من مواطنة فرنسية مثلا أن تتخلص كاملا من لباس البحر وتصبح عارية كما ولدتها أمها، أو هكذا تشعر تقريبا صاحبة البوركينى التى يطالبها الشرطى بالتخلص منه، كان هناك تردد بالرغم من ادانة سلوك الشرطى الفرنسى بواسطة الجميع تقريبا، أوضح أحدهم أن الشرطى كان يقوم بتطبيق القانون فى ظرف خاص جدا، أى قانون من أكثر من 30 من محليات فرنسا وبعد مذبحة نيس الوحشية، أى أن سلوك الشرطى هذا لايعكس بالمرة ممارسة غالبية الفرنسيين بالرغم من أن هذه الغالبية قد تعترض على لبس البوركينى عى الشواطئ الفرنسية. ولما أوضحت أن بعض الغربيات يرتدين أحيانا ما يشبه البوركينى لأسباب صحية (مشاكل مع تعرض الجلد للشمس)، كان الرد أن رداءهن فى هذه الحالة يختلف بعض الشئ عن البوركينى والحجاب. وبالتالى ينتفى عنه الحاجز الدينى أو العقائدى، أى أنه لايعكس رفض هؤلاء للاندماج فى المجتمع وثقافته الأساسية، بل التعبير عن ثقافة أخرى يراها كثير من الفرنسيين أنها حاليا تريد الاضرار بهم. هذا هو فى الواقع الاستقطاب الثقافى الذى يعانيه العديد من المسلمات اللاتى استوطن فرنسا أو إحدى الدول الأوروبية. الى أية درجة تستطيع المسلمة المتحفظة فى لباسها التقليدى أن تعلن هويتها وتحافظ عليها، وخاصة فى ظروف اجتماعية تتسم بالتخوف منهم وما قد يعكسونه، ان لم يكن الاعتراض الصريح الذى قد يصل إلى حد العداء. قد يفسر بعضنا مثل هذا الاعتراض المتزايد فى المجتمعات الأوروبية بأنه عنصرية. وجزء كبير منه لاشك يعكس توجهات عنصرية كما هو الحال فى حزب الجبهة الوطنية الفرنسى، أو مقولات دونالد ترامب أو غيره من أحزاب اليمين، ولكن هذا تبسيط للأمور حاليا، بعد مذبحة نيس وعدد من الهجمات العشوائية والفردية فى عدد من الدول الأوروبية والتى قام بها بعض الأفراد ذات الأسماء الاسلامية، وان لم يكونوا ذوى توجهات اسلامية بالمرة. وانحسار بعض التأييد للمهاجرين واللاجئين داخل العديد من المجتمعات الأوروبية، ما هو الا انعكاس للتغيير فى المزاج الأوروبى العام. هذه مشكلة يجب أن نواجهها بكل صراحة. جاء رد مجلس الدولة الفرنسى على حظر البوركينى ليعترض بقوة على قرار أكثر من30 من بلديات فرنسا وليدين أى تدخل فى اللباس والحرية الشخصية، هو ادانة لسلوك الشرطى الوحشى ولكن هل ستنهى هذه الادانة القانونية الاستقطاب الاجتماعى المتزايد واشكالية المسلمات فى المجتمع الغربى؟ لمزيد من مقالات د.بهجت قرني