توترات شديدة تشهدها العلاقات الألمانية التركية منذ فترة، كان اخرها رفض برلين الخضوع لابتزاز انقرة فى الخلاف بين البلدين حول السماح لنواب برلمانيين المان بزيارة قاعدة «إنجرليك» الجوية التركية والتى يوجد بها جنود ألمان يشاركون بطائرات إستطلاع فى عمليات التحالف الدولى ضد داعش. ورهنت تركيا السماح لنواب البوندستاج بزيارة الجنود على اراضيها بتراجع البرلمان الالمانى عن قراره التاريخى منذ اسابيع قليلة والذى وصف فيه مذابح الدولة العثمانية ضد الأرمن منذ مائة عام بالإبادة الجماعية. طبعا استهجنت برلين هذا الربط وهدد سياسيون ألمان بارزون بعدم تمديد مهمة الجنود الالمان نهاية العام الحالي. وفى الإسبوع الماضى طالبت لجنة الرقابة على انشطة الإستخبارات فى البرلمان الألمانى بالكشف عن الأنشطة التى تقوم بها اجهزة الاستخبارات التركية داخل ألمانيا وبمراجعة تعاون المانيا الاستخباراتى مع تركيا، ما اثار ضجة كبيرة. وقال اعضاء فى اللجنة ومنهم عضو حزب الخضر الشهير كريستيان شتروبله إن هناك أنشطة سرية لا تصدق للاستخبارات التركى وذكرت صحيفة فيلت الألمانية نسبة لمسؤول أمنى ان الاستخبارات التركية لديها شبكة واسعة مكونة من ستة آلاف مخبر على مستوى ألمانيا إلى جانب عدد كبير من العملاء الأساسيين. ويقول جاسم محمد رئيس المركز الاوروبى لدراسات مكافحة الإرهاب والأستخبارات فى المانيا انه وفقا لتقارير الاستخبارات الالمانية، فإن الأجهزة التركية تتخذ من الاتحاد الإسلامي- التركى للشؤون الدينية فى ألمانيا (ديتيب) وفرع حزب العدالة والتنمية فى ألمانيا وهو (اتحاد الديمقراطيين الأتراك الأوروبيين) واجهات لجزء من أنشطتها الاستخبارية كما تدير تركيا شبكة جاسوسية ضخمة فى ألمانيا تضم آلاف المخبرين الذين قال خبراء إنهم يراقبون أشخاصًا أكثر مما كان جهاز أمن الدولة فى ألمانياالشرقية «شتازي» يراقبهم فى ألمانياالغربية خلال الحرب الباردة. ويضيف جاسم محمد قائلا لقد زاد مشهد العلاقات التركية الالمانية تعقيدا وخاصة على صعيد النشاط الإستخباراتى عقب كشف القناة الأولى للتلفزيون الألمانى عن تقرير سرى للاستخبارات الالمانية فى منتصف شهر اغسطس الحالى يصف تركيا بأنها «أصبحت مركزا للجماعات الإسلامية المتشددة ومنصة عمل مركزية للإسلاميين» وأن أردوغان لديه «تقارب فكري» مع حماس فى غزة وجماعة (الإخوان المسلمين) المحظورة فى مصر وجماعات المعارضة الإسلاموية المسلحة فى سوريا. وقد تسبب التقرير فى ازمة بين وزارة الداخلية التى صدر عنها هذا التقييم الحساس والتى يرأسها وزير الداخلية المسيحى الديموقراطى توماس دى ميزيير من حزب المستشارة ميركل، وبين وزارة الخارجية التى يرأسها الإشتراكى الديموقراطى شتاينماير والتى نأت بنفسها عن التقرير وقالت انها لم تشارك فيه. ويقول جاسم أن مجلة دير شبيجل الالمانية كشفت فى منتصف الشهر الجارى عن ان الاستخبارات التركية طلبت من نظيرتها الألمانية دعم حكومة أنقرة فى مكافحة حركة الداعية التركى المعارض فتح الله جولن، ووفقًا لوثائق سرية اطلعت عليها المجلة، فإن الجانب التركى طالب جهاز الاستخبارات الخارجية الألمانى بالتأثير على صانعى القرار والمشرّعين فى ألمانيا من أجل التصدى لأنصار جولن وتسليمهم. وتعترض برلين بشدة على التراجع الواضح فى الديموقراطية فى تركيا قبل محاولة الإنقلاب الفاشلة ولكن الإنتقادات تنهال على الرئيس التركى بشكل مضاعف الآن بسبب الإجراءات التعسفية والإنتقامية التى طالت عشرات ومئات الآلاف من المواطنين فى كل القطاعات بعد فشل المحاولة الإنقلابية ضده. وكشفت صحف تركية عن أن السلطات الألمانية قامت بتعليق صفقات لمعدات وبرمجيات استخباراتية طلبتها الحكومة . غير ان لألمانيا حسابات ومصالح مع انقرة تجعلها لا تغامر بردود فعل فجائية. ويقول الخبير فى الشؤون الأمنية جاسم محمد : لقد ابرمت المانيا خلال شهر يناير عام 2015 اتفاقية تعاون استخباراتية مع تركيا لوقف تدفق المقاتلين الألمان عبر الأراضى التركية للإنضمام لتنظيم داعش وبالعكس اى منع عودتهم الى اورويا. وتهدف الاتفاقية إلى تحسين التعاون فى مكافحة الإرهاب بين هيئة حماية الدستور وجهاز الاستخبارات الخارجية فى ألمانيا مع الاستخبارات التركية. ودفعت هجمات تنظيم داعش فى اوروبا والمانيا، إلى ايجاد تعاون استخباراتى بين تركياوالمانيا وعدد من الدول الأوروبية التى باتت مضطرة للوثوق فى الاستخبارات التركية والتعاون معها. ويضيف ايضا، أن المانيا ودول اوروبا فى هذه المرحلة بحاجة الى التعاون الاستخباراتى التركي، لمواجهة تدفق اللاجئين والمهاجرين غير الشرعيين عبر اراضيها الى اليونان. وتعتبر المانيا قضية تهريب البشر عبر بحر ايجة ومنافذ اخرى خطر يهدد امنها القومي. ويبقى موضوع تهديدات تنظيم داعش وتسرب خلايا التنظيم الى اوروبا، واحدة من ابرز الاهتمامات التى تعمل عليها الاستخبارات الالمانية بالتعاون مع دول اوروبية ووكالات اوروبية ابرزها» اليوروبول» ووكالة «فرونتيكس». كذلك تخشى برلين من ان تنتقل خلافات حكومة اردوغان مع المعارضة ومنها الاحزاب الكردية الى الداخل الالمانى بسبب حجم الجالية التركية فى المانيا والتى تصل الى ثلاثة ملايين نسمة، بحيث تتحول المدن الألمانية لساحة صراع بين انصار اردوغان ومعارضيه وهو هاجس يسيطر على السياسيين الالمان ودفعهم أخيرا لمطالبة الاتراك بتأكيد ولائهم فقط للدولة الالمانية التى يعتبرون مواطنين فيها يحمل كثيرون منهم جنسياتها. ولكن السؤال الذى يسيطر على المعارضة الالمانية حاليا هو،هل تمارس تركيا ضغوطات على الاستخبارات الالمانية، للحصول على بيانات ومعلومات من برلين حول انشطة المعارضة التركية فى المانيا فى مقابل الإلتزام بتنفيذ الاتفاق الاوروبى التركى الخاص بوقف تدفق اللاجئين على اوروبا؟ إذا حدث ذلك فإنه يمثل انتهاكا للدستور الالمانى وسيكون للكشف عنه تداعيات سياسية خطيرة على الحكومة الالمانية كما يؤكد خبير الإرهاب والأمن.