اندلعت أولي شرارات الصراع حول أراضي داعش، ودارت معركة بين قوات الدفاع الوطني الموالية للنظام السوري وقوات سوريا الديمقراطية الكردية، وشنت الطائرات السورية غارات علي القوات الكردية في الحسكة، بعد أن كانت تحميها في السابق، وتمهد لها الطريق أثناء قتالها مع داعش في كوباني وغيرها، في الوقت الذي تصاعدت فيه الحرب الكلامية بين الحكومة العراقية وحكومة إقليم كردستان العراق، وأعلن مسعود البرزاني أن قواته لن تنسحب من أي أرض حررها الأكراد بالدم من داعش، وأكد اعتزام البشمركة دخول الموصل تحت حماية الطائرات الأمريكية، متجاهلا تحذيرات حيدر العبادي رئيس الوزراء العراقي، الذي طلب من البشمركة عدم تجاوز حدود الإقليم. وأعلنت ألمانيا عن تزويد البشمركة بالسلاح، وقبلها عقد آشتون كارتر وزير الدفاع الأمريكي اتفاقية أمنية مع البشمركة الكردية دون موافقة الحكومة العراقية، تضمنت دفع 450 مليون دولار كرواتب، إلي جانب تقديم كل أشكال الدعم العسكري والسياسي في معاركها ضد داعش.هكذا يراهن التحالف الأمريكي علي أكراد سورياوالعراق في سباق السيطرة علي الأراضي التي ينسحب منها الدواعش، ويفرضون واقعا جديدا علي الأرض، تعززه قوات برية أمريكية وبريطانية. لكن لماذا يراهن التحالف الأمريكي علي الأكراد؟ وما أفق هذا الرهان؟ وهل بمقدوره أن يحقق أهدافه؟ لم تجد الولاياتالمتحدة سوي الأكراد كقوة علي الأرض، بعد أن فشلت في تشكيل جيش خاص بالسنة، وجري تحييد تركيا عقب التدخل الروسي، واشتراط تركيا أن يشارك حلف الناتو في أي عملية برية لقواتها داخل سوريا، وهو ما رفضته أمريكا خشية الاصطدام العنيف مع روسيا، كما فشلت في تسويق فكرة وجود جماعات مسلحة معتدلة، أهمها جبهة النصرة، رغم تغيير اسمها إلي جبهة فتح الشام، وإعلان انفصالها عن تنظيم القاعدة، وهو ما لم يحظ بتأييد دولي، وواجه اعتراضا روسيا شديد اللهجة، وعجزت أمريكا عن تقديم قائمة بالتنظيمات المسلحة المعتدلة، التي تلتزم روسيا بعدم توجيه ضربات جوية لها، بسبب التداخل بين معظم هذه التنظيمات، التي تحمل أفكارا وأهدافا واحدة، وهي إقامة دولة الخلافة الإسلامية وتشكل جبهة عسكرية موحدة. المشكلة التي تواجه أمريكا أن الأكراد ليسوا قوة كبيرة يمكنها الإمساك بمساحة واسعة علي الأرض، وكشفت معركة مدينة منبج السورية ضعف القوات الكردية، التي اعتمدت علي شدة قصف الطيران الأمريكي لمدة تصل إلي 50 يوما علي المدينة، سقط خلالها مئات الضحايا من المدنيين، ولم تخرج قوات داعش من المدينة إلا باتفاق أمريكي مع داعش، وجري نقل مسلحي التنظيم بأمان مع كامل عتادهم إلي مناطق أخري. وإلي جانب الأكراد، تراهن الخطة الأمريكية علي تشكيل مجموعة أخري جري اختيارها من شباب مخيمات النازحين السوريين، سمتها قوات سوريا الجديدة، ودربتها في الأردن، وتعززهابقوات كوماندوز أمريكية وبريطانية، حتي يمكنها أن تسيطر علي معظم المناطق الحدودية بين سورياوالعراق، وفشلت المحاولة الأولي لهذه القوات، في السيطرة علي مدينة البوكمال السورية، المواجهة لمدينة القائم العراقية، ويجري إعادة بنائها، واستغلال انشغال قوات التحالف الروسي بمعركة حلب، والزحف من الحدود الأردنية إلي البوكمال مجددا. الخطة الأمريكية تواجه عدة مخاطر، أهمها احتمال اصطدام البشمركة الكردية مع قوات الحشد الشعبي ذات الأغلبية الشيعية، والتي ينظر قادتها بعيون الريبة إلي دور البشمركة، وتوعدوا بقتالها إذا تجاوزت حدود إقليم كردستان، أما الأهم فهو إثارة مخاوف تركيا من أن يستفيد الأكراد من الدعم العسكري والسياسي ويعلنوا الاستقلال، ولأن تركيا فيها النسبة الأكبر من الأكراد، فإنها ستكون مهددة بالتقسيم، وفي هذه الحالة سترمي تركيا بكامل ثقلها إلي جانب روسيا وإيران والعراقوسوريا، ليحدث انقلاب كبير في التحالفات وموازين القوي، فتركيا لا تحتمل مثل هذه الخطوة، ولا يمكن أن تقايضها بمساعدات مالية أو أي وعود أخري. كما أن توغل قوات سوريا الجديدة حتي الحدود السورية العراقية فربما يعرضها لضربات من جانبي الحدود، خاصة أن الجيش العراقي، ومعه الحشد الشعبي، أصبح علي مرمي حجر من مدينة القائم المقابلة للبوكمال السورية، والمرجح أن تطلب الحكومة السورية من الجيش العراقي والحشد الشعبي دخول البوكمال السورية وتحريرها من الدواعش. إذن ليس من مصلحة أمريكا القضاء السريع علي داعش وباقي الجماعات المسلحة، لأن انهيارها سيؤدي إلي حدوث فراغ كبير علي الأرض، لا يمكن أن يملأه الأكراد، ولا يمكن إرسال المزيد من القوات البرية الأمريكية، حتي لا تتورط مجددا في أوحال منطقة ازدادت زحاما بالأعداء، وهي مقبلة علي فترة الانتخابات، بينما التحالف الروسي السوري الإيراني هو الأقوي علي الأرض، خاصة أن بجانبه وحدات من حزب الله اللبناني ومتطوعين من العراق، وبالتالي ستؤدي هزيمة داعش وباقي الجماعات المسلحة إلي هزيمة واضحة وكبيرة للتحالف الأمريكي. أما في ليبيا فقد دخلت قوات البنيان المرصوص الموالية للحكومة معقل داعش في سرت، بدعم جوي وبري أمريكي، لتعزز أوضاع الحكومة الليبية، التي جري تشكيلها من تحالف واسع يضم سلفيين وإخوانا وليبراليين، برعاية أممية ودعم أمريكي وأوروبي، وسط خلافات ليبية عميقة حول تشكيل الحكومة التي لم تحصل علي موافقة البرلمان، ورفض شعبي واسع للتدخل الأجنبي في الحرب علي داعش. لمزيد من مقالات مصطفى السعيد