تتبدد أجواء الوفاق الروسي الأمريكي، لتشتعل جبهات القتال في سوريا، وتتوتر الأجواء في العراق، فقد دخلت طلائع قوات المارينز الأمريكية المناطق الواقعة تحت سيطرة الأكراد في الشمال السوري، وهو تطور خطير يعكس انقلابا في الموقف الأمريكي الذي التزم طوال الصراع برفض أي تورط بري، والاكتفاء بالتدخل الجوي، في الوقت الذي انهالت فيه صواريخ «الجماعات المسلحة المعتدلة» علي مدينة حلب، لتخلف أكثر من100 قتيل و600 جريح في أقل من أسبوع، بل استخدمت غاز السارين السام، باعتراف المراقبين الأمريكيين والروس. جاءت هذه التطورات علي ميادين القتال لتطوي أي أمل لمجرد الالتفات إلي المبادرة الروسية، التي أعلنها سيرجي لافروف وزير الخارجية الروسي بتشكيل جبهة عسكرية موحدة ضد الإرهاب تحت علم الأممالمتحدة، وهو ما ترفضه أمريكا منذ البداية، لأن من شأنه الانحراف عن تنفيذ أهداف أمريكا وحلفائها، ويبدد جهود 5 سنوات، جري فيها توظيف الجماعات المسلحة لتحقيق أهداف سياسية، ومحاولة تغيير الخريطة القديمة للمنطقة. لماذا ابتعدت واشنطن عن موسكو، وقطعت شهر العسل بين أوباما وبوتين؟ وهل تغير التكتيك الأمريكي بعد زيارة أوباما الأخيرة إلي دول الخليج؟ ليس من السهل أن تتخلي الولاياتالمتحدة عن الساحتين السورية والعراقية دون أن تحقق أكبر قدر من المكاسب، حتي لو اضطرت إلي تغيير في الأساليب والتحالفات، فبعد خروج تركيا من ساحة التأثير القوي في سوريا، توجهت إلي الأكراد خصوم حليفها التركي أردوغان، فالأكراد موجودون علي الساحة، ولديهم أعداد لا بأس بها من المسلحين، ومستعدون لفعل أي شيء يقرب حلم الدولة الكردية، ولهذا يمكن التلاعب بطموحاتهم، وتوظيفها لخدمة المخطط الأمريكي، ولهذا حطت طلائع المارينز قرب مدينة الحسكة، وشرعت في توسيع التجنيد، الذي لم يشمل أكرادا فحسب، وسعت نطاق التجنيد بين العشائر العربية، ولم تلتفت إلي هدف الأكراد بالتوجه إلي مناطق التجمع الكردية في الشمال الغربي لسوريا، لتوحدها جغرافيا وسياسيا، بل رأت التوجه إلي الشرق، وتأمل في أن يكون لها السبق في تحرير مدينة «الرقة» عاصمة داعش قبل وصول القوات السورية إليها، ولهذا خرقت الجماعات المسلحة الهدنة في حلب، ليوقف الجيش السوري زحفه السريع شرقا، ويلتفت إلي لجبهة المتفجرة في حلب، وترفض أمريكا كشف الغطاء عن جماعتي أحرار الشام وجيش الاسلام، ورفضت الطلب الروسي بإدراجهما في قوائم الجماعات الإرهابية، وهو ما أثار حفيظة روسيا، التي بدأت تشعر بأن الأمريكان يخادعون. جاء الرد الروسي سريعا بإعلان الخارجية الروسية بأن نشر قوات خاصة أمريكية من دون تنسيق مع الحكومة السورية يعد انتهاكا للسيادة السورية، وهو إشارة واضحة للجيش السوري وحلفائه بأن تتعامل مع القوات الأمريكية بوصفها قوات احتلال، وهو متوافق مع التصريحات الإيرانية والسورية التي أكدت أنها ستتعامل مع أي قوات برية تدخل سوريا دون موافقة حكومتها علي أنها عدوانية.كما جاء تزويد أمريكالتركيا لمنصات صاروخية متحركة ليزيد القلق من النوايا الأمريكية، ويمنح تركيا إمكانية الضرب لمدي يصل إلي 90 كيلو مترا في العمليات العسكرية شمال سوريا، بما ينعش آمال تركيا بالتدخل البري، وفرض ما تسميه منطقة آمنة، يجري استقدام اللاجئين إليها تحت الحماية التركية.التغير في السلوك الأمريكي جاء عقب زيارة أوباما لدول مجلس التعاون الخليجي، والتي استهدفت تخفيف حدة التوتر بين الجانبين، خاصة بعد أن لوحت السعودية بسحب أموالها وأصولها من الولاياتالمتحدة، بينما حركت أمريكا ملف تورط السعودية في أحداث 11 سبتمبر، بما يمكن الضحايا من رفع دعاوي تعويض، حتي لو لم يثبت تورط كبار المسئولين السعوديين، لكنهاتتيح تجميد الأصول والأموال السعودية، حتي البت في قضايا التعويضات، وهي أكبر أزمة تنشب بين الولاياتالمتحدة والسعودية، ونتائجها قد تكون سيئة علي الطرفين، والتي جاءت بعد اتهامات متبادلة تخص سياسة البلدين في المنطقة، عندما وصف أوباما الحكومات الصديقة في الخليج بالمتهورة، والمسئولة عن تنامي الإرهاب، بينما رأت دول الخليج أن أمريكا متراخية في مواجهة روسيا وإيران، وأن دول المنطقة ستدفع ثمن هذا التراخي الأمريكي، لكن يبدو أن الدور الإسرائيلي في الضغط علي أمريكا لتعديل مسار معالجتها للصراع في المنطقة كان له تأثير ملحوظ، لكن هذا التعديل له ثمنه ومخاطره، وبات من الممكن أن يزداد التورط الأمريكي البري، عندما يعجز شركاؤها الأكراد عن تغيير موازين القوي، أو لا يتحمسون للسير في الخطوط التي تنفرد أمريكا برسمها لمستقبلهم، وهنا قد يكون الصدام قائما بين القوات الأمريكية والجيش السوري وحلفائه الإيرانيين والروس ومقاتلي حزب الله. هذه الأحداث المتلاحقة في سوريا تتداخل مع ما يحدث علي الساحة العراقية، والصدام بين البشمركة الكردية وقوات الحشد الشعبي العراقي، والتي قد تهدف إلي عرقلة مشاركة الحشد الشعبي في معركة الموصل، وهو المطلب الأمريكي، الذي يريد قصر المهمة علي القوات العراقية والبشمركة الكردية بدعم جوي أمريكي، وربما تدخل تركي، لتعيد فتح كل الجبهات من جديد، وتمنح داعش والنصرة وباقي الجماعات الإرهابية فرصة لالتقاط الأنفاس، وفسحة أخري للقتل. لمزيد من مقالات مصطفى السعيد