بدأ فى المانيا سباق التحليلات بين المراقبين والمعلقين والخبراء السياسيين والعسكريين من اجل التوصل لتفسير او تحليل منطقى لما شهدته تركيا من محاولة انقلاب عسكرى فاشلة، وبسبب علامات الاستفهام الكثيرة المحيطة بهذه المحاولة لم يتم هنا حتى الآن ترجيح سيناريو على آخر. فالبعض يتحدث عن انقلاب فاشل لم يتم الإعداد له بشكل كاف ولم يحظ بدعم لا من الشارع ولا من المعارضة السياسية ولا من كافة قطاعات الجيش نفسه، فى حين لا يستبعد أخرون ان تكون هذه المحاولة من تدبير اردوغان نفسه او انصاره، وفى الحالتين يجمع الكل هنا على ان المستفيد الأول هو الرئيس التركى الذى سيوسع من صلاحياته مستغلا لحظة الدعم الشعبى غير المسبوقة التى ولدتها هذه المحاولة الفاشلة. ويعد المفتش العام السابق للجيش الألمانى هارالد كويات من ابرز الخبراء العسكريين الألمان ولفت الأنظار هنا بعد ان وصف محاولة الانقلاب العسكرى فى تركيا بأنها «غريبة» مؤكدا فى الوقت نفسه انها ستؤدى الى تقوية مركز اردوغان وتثبيت دعائم حكمه وعبر عن مخاوفه من ان يؤثر ذلك سلبيا على التعامل مع المانيا والغرب عموما سواء فى جهود محاربة الإرهاب او الهجرة غير الشرعية. وابدى كويات فى تصريحات لصحيفة «فرانكفورتر روندشاو» دهشته من هذه المحاولة الانقلابية التى تختلف فى سيرها عن الإنقلابات العسكرية الثلاثة السابقة الناجحة. ورغم الأسئلة المحيطة بها يستبعد الخبير الألمانى ان يكون هذا الانقلاب زائفا لان هذه الأمور تصعب السيطرة عليها ولكنه مندهش من عزل آلاف القضاة والمدعين الذين لا علاقة لهم بالأمر وبهذه السرعة! كما أن وصف اردوغان نفسه للمحاولة بأنها هدية من الله هو امر يستحق الانتقاد لأن كل شئ اصبح مستباحا اليوم باسم الدين. كويات قال ايضا أن الصورة لم تتضح بشكل كامل بعد ولكن الأمر المؤكد هو أن الحكومة التركية ستخرج من هذه المحاولة قوية وأن نظام اردغان سيستغل اوراقه بقوة. الفائز هذه المرة ايضا هو اردوغان! هكذا استهل لوتس كينكل فى مجلة شتيرن تعليق المجلة على احداث تركيا. وكتب أن الرئيس التركى سيوسع سلطاته وأن هذا الإنقلاب هدية سياسية للرئيس الذى انفتحت امامه كل الأبواب للتصدى لكل معارضيه والإطاحة بهم سواء شاركوا فى المحاولة الإنقلابية ام لا، فهو سيستغل الفرصة ليتحول من رئيس إلى حاكم مطلق على حساب ما تبقى من الديمقراطية التركية. الكاتب يتساءل ايضا: كيف فشل الانقلاب بهذه السرعة؟ من الواضح ان المشاركين فيه اخطأوا كل التقديرات ولم يكن لديهم اى دعم او مساندة سياسية او برلمانية بل ان غالبية الشعب التركى كان ضدهم فهو يحمل ذكرى مريرة للانقلابات العسكرية السابقة، لذلك فإن من يريد أن يستولى على السلطة فى هذه الظروف ليس امامه سوى استخدام القوة المفرطة، غير انه من الواضح انه حتى داخل الجيش لم يحظ هؤلاء الانقلابيون بأغلبية تدعمهم كما أن الشرطة وقفت ضدهم بعد أن حولها أردوغان اثناء حكمه إلى قوة مسلحة تدين لحزب العدالة والتنمية بالولاء. ويخلص التعليق إلى أن اردوغان لم يضيع وقتا وسارع بتسويق انتصاره على أنه انتصار للديمقراطية. كما أن كونه رئيسا منتخبا يعنى بالفعل ان تقليص سلطاته لن يكون ممكنا إلا عبر صناديق الاقتراع وأدوات السياسة وليس الجيش. والسؤال الآن هو هل سيسمح لمعارضيه السياسيين من العلمانيين والأكراد ومؤيدى اوروبا بأى مساحة للمناورة والتحرك سياسيا مستقبلا؟ الإجابة ستكون لا فالانقلاب أضر بهذه القوى جميعها! أما صحيفة دى فيلت واسعة الانتشار فطرحت العديد من علامات الإستفهام المحيطة بهذه المحاولة، منها التوقيت الغريب فى الساعة التاسعة والنصف اى فى اوج البث التليفزيونى وليس فجرا كما حدث فى السابق، والغريب ان الشعب التركى علم بأمر الانقلاب من رئيس الوزراء التركى فى اتصال هاتفى بمحطة تركية وليس من الوحدات العسكرية المنفذة للانقلاب التى اذاعت بعدها بفترة بيانا تيلفزيونيا. مما يطرح سؤالا مهما حول عدم القبض فورا على قيادات الجيش العليا التى لم تشارك فى التخطيط للإنقلاب وغيرهم من كبار المسئولين كما يحدث عادة فى هذه الإنقلابات، ولكن تركها تتحرك وترد هكذا امر غريب! كما انه من الغريب ايضا فى تحرك كهذا تشارك فيه القوات الجوية أن يسمح للرئيس المنقلب عليه بالطيران من جنوب غرب تركيا لإسطنبول بحرية تامة ثم يقصف قصره بعد مغادرته بساعات! الصحيفة الألمانية تقول فى النهاية انه سواء كانت هذه محاولة قام بها أغبياء او حتى كانت أنقلابا حقيقيا ولكن تسربت خططه قبلها لاردوغان فتمكن من الاستعداد لها أو حتى إذا ما كان هو نفسه مدبر هذه المحاولة ، فإنه خرج فائزا منها ولم يهدر وقتا لتثبيت اركان حكمه وسيتمكن من توسيع صلاحياته كرئيس وربما بدأ الانقلاب الحقيقى على الديموقراطية الآن.