تحت هذا العنوان أثارت بعض المقالات المهمة، واقع التنافس »المحموم« بين المؤسسات والجمعيات الخيرية، لاستقطاب تبرعات المواطنين، فى شهر رمضان الكريم هذا العام، وفى الاعوام السابقة . فى الحقيقة فإن مناقشات كثيرة، بين أطراف متعددة ومختلفة، وبشكل غير رسمى فى جلسات الأصدقاء والأقارب، كانت تتحدث عن الاقتحام غير المبرر على الفضائيات للإعلان عن أنشطتها الخدمية للفقراء والمحتاجين، لتوفير خدمات صحية لهم، او رعاية اجتماعية، او توفير فرص لحياة كريمة لهم، من خلال تملك رءوس ماشية مثلاً. على أى الأحوال لا مانع من توظيف الإعلام، لاستقطاب متبرعين، فى شهر كريم تتصاعد فيه رغبة المواطنين فى مساعدة الفقراء والمعوزين، بالزكاة والصدقات، لكن اللافت للانتباه هو الإلحاح الشديد، من جانب البعض، لطلب التبرعات، مع محاولة إثارة الشفقة والمشاعر بكل الطرق، بما فيها الاطفال المرضى والنساء الفقيرات، وعلى وجه العموم الصور الحية للفئات المستهدفة، وهو أمر غير محمود يجرح مشاعر الطرفين، أى الأطراف التى تتلقى المساعدات الصحية والاجتماعية، والأسرة التى تتابع المشاهد على الشاشة. فى هذا السياق نثير عدة قضايا على درجة عالية من الأهمية، ولعل القضية الأولى هى إذا سلمنا بأننا فى موسم التبرعات، هل يختلط الإعلان الخيري، إذا جاز هذا التعبير مع الإعلام إلى هذا الحد؟ وهل الإعلان هذا هو مصدر التمويل الرئيسي لأنشطة المؤسسات والجمعيات الخيرية؟ إذا كانت الإجابة نعم، فإن هذا الأمر يثير التعجب بخصوص الحالة المجتمعية ككل. هذه ظاهرة لا نشهد لها مثيلا- بهذا الحجم وهذه الكثافة وفى شهر محدد- إذا قارنا مصر بدول عربية مجاورة تتشابه فى سياقها الاجتماعى والاقتصادى من ذلك (لبنان، الاردن، تونس، المغرب، الجزائر..) وايضاً لا يوجد لها مثيل فى دول الخليج العربي، والتى تتصاعد فيها التبرعات لمؤسسات وجمعيات خيرية، تتعدى الحدود الجغرافية للوطن. يقودنا ذلك إلى القضية الثانية، وهى تكرار هذه الإعلانات على مدار اليوم، ومايعنيه ذلك من ارتفاع عدد الدقائق الإعلانية وبالتالى التكلفة المالية. هنا يصبح من حق المجتمع أن يتساءل عن إنفاق المؤسسات والجمعيات الخيرية على هذه الاعلانات المتكررة، والالحاح المتكرر، والملايين التى تنفق من جانب أصحاب هذه الاعلانات الخيرية. الم يكن من الأولى والأهم توجيه هذه الأموال للفئات المستفيدة ذاتها؟ وما هى ميزانية هذه الجمعيات والمؤسسات الخيرية التى تتيح الإنفاق على إعلانات تستقطب المتبرعين؟ من حق المواطن الذى تبرع بالفعل أن يتساءل: ما هو حجم الميزانية؟ وهل التبرعات التى قام بها طوعاً من قبل، هى التى تسدد منها تكلفة الإعلانات عن المؤسسات والجمعيات الخيرية؟ إن القضية الثالثة الرئيسية تتعلق بحق المساءلة، اى حقوق المواطن والرأى العام بمعرفة حجم التبرعات التى تم تدبيرها من جانب المؤسسات والجمعيات الخيرية، وكذلك حقوق المجتمع فى معرفة كيف تم إنفاق التبرعات هذه؟ هنا مهم الإشارة إلى أن الغالبية العظمى إن لمً يكن الجميع لا تقدم كشف حساب للمواطنين المتبرعين، المساندين- وبطواعية- لدعم الفئات الفقيرة المحرومة المستفيدة من الخدمات. لم تهتم اى مؤسسة او جمعية خيرية، لأن تعلن للرأى العام أنها تمكنت من استقطاب تبرعات بلغ حجمها «كذا»، وأنها سوف تنفقها على »كذا« بل ولم تهتم اصلاً بمخاطبة الرأى العام وشكره وتقديره ومساندة هذه الفئات الفقيرة، وثقتة فى المؤسسات او الجمعيات الخيرية ومن ثم تتحقق درجة عالية من المصداقية لها. اللافت للاهتمام أن الباحث المعنى بالبحث العلمى فى مجال العمل الخيري، لا يجد أى توثيق لتطور ميزانيات المؤسسات والجمعيات الخيرية، بل إن قاعدة بيانات وزارة التضامن الاجتماعى (عام 2016) لا يتوافر لديها »كشف حساب« عن مصادر التمويل والإنفاق فى كل عام (نحو 30 بالمئة فقط من إجمالى 46 ألف جمعية ومؤسسة أهلية فى مصر توفر بيانات عن حجم الميزانية ككل. نلاحظ فى هذا السياق أن القانون يفرض على هذه الجمعيات والمؤسسات الأهلية، تقديم تقرير سنوى عن مصادر تمويلها وبنود الإنفاق، إلا أن احترام هذا القانون غير قائم، واحترام الرأى العام- الذى أقتحمت الإعلانات حياتة- غير قائم، وكذلك احترم المتبرعين هو أمر شبه غائب. إذا قارنا هذا الوضع بدول أخرى، مثل لبنان والأردن والمملكة المغربية، سوف ندرك خصوصية الحالة المصرية التى تغيب فيها قواعد العمل الخيري. وإذا قارنا أيضاً الحالة المصرية هذه، بالولايات المتحدةالأمريكية ودول الاتحاد الأوروبي، سوف ندرك الفجوة الهائلة بيننا وبينهم فى الدول المتقدمة جميعها- وفقاً لإحصاءات رسمية المواطن المتبرع هو البطل، فالغالبية العظمى من التبرعات فى كشف الحساب, وببساطة شديدة الباحث فى مجال العمل الخيري يجد بيانات موثقة تقول لنا، وبكل شفافية ووضوح تفاصيل كشف حسابها فى كل عام. والأكثر من ذلك هو إقرار حق المجتمع فى المعرفة، بل وإمكانية دخول أى فرد للمؤسسات الخيرية وطلب بيانات مالية مدققة، وإذا امتنعت المؤسسة يتم الإبلاغ عنها. لمزيد من مقالات د. امانى قنديل