لاشك أن استفتاء الشعب البريطانى صباح الخميس 23 يونيو 2016م، على الانفصال عن الاتحاد الأوروبى أو الاستمرار فى عضويته، الذى جاءت نتيجته بموافقة الشعب على الانفصال عن هذا الاتحاد بنسبة 52% مقابل 48% للاستمرار فى عضويته، سيكون له تداعيات كبيرة داخل بريطانيا ذاتها، وعلى الاتحاد الأوروبى، وعلى النظام الدولى، بل وعلى الاقتصاد الأوروبى والعالمى. ويمكن رصد ما يلى: 1 تصدع داخل المملكة المتحدة البريطانية، حيث يوافق نحو 52% فى استفتاء فورى على انفصال اسكتلندا، وهى إحدى مكونات المملكة، عن بريطانيا، وربما تأتى باقى المكونات لتتفكك بريطانيا العظمى، مثلما حدث للاتحاد السوفيتى بنهاية عام 1991، حيث تفكك إلى (15) جمهورية بعد أن سمح جورباتشوف رئيس الاتحاد السوفيتى آنذاك بانفصال دول البلطيق الثلاث (استونيا ليتوانيا لاتفيا)، فكانت البداية لتفككه تماما، إلى أن استعادت روسيا وريثته مكانتها مرة أخرى فى النظام الدولى حاليا، بعد (20) سنة من التفكك، والانفصال عن الاتحاد السوفيتى ومن ثم فإن انفصال كل من اسكتلندا وايرلندا الشمالية، الرافضتين للانفصال عن الاتحاد الأوروبى، والذين صوتوا بكثافة ضد الانفصال، بات مرجحا بدرجة كبيرة. 2 إعادة هيكلة الاتحاد الأوروبى ذاته، حيث إن نجاح المرشح المستقل (جودنى يوهانسن) وفوزه بالرئاسة فى إسلندا بعد ثلاثة أيام من انفصال بريطانيا عن الاتحاد الأوروبى، وهو المعروف بموقفه الرافض لانضمام بلاده إلى هذا الاتحاد، يشير إلى احتمالات كبيرة بانسحاب ايسلندا من عضوية الاتحاد فى القريب العاجل، فى حين لو انفصلت كل من اسكتلندا وايرلندا الشمالية عن بريطانيا وقررتا الانضمام إلى الاتحاد الأوروبى، ربما أدى ذلك إلى إعادة هيكلة للاتحاد، حيث خرجت بريطانيا منه، وقريبا تخرج ايسلندا، لتنضم كل من اسكتلندا وايرلندا الشمالية باحتمال كبير، وهذا أمر قائم وقابل للتنفيذ ربما بنهاية هذا العام. 3 فرح فى روسيا إلى حد الشماتة، وحذر وترقب ومخاوف لدى الإدارة الأمريكية، حيث لوحظ من خلال التصريحات الروسية الرسمية، سعادة روسيا بخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبى التى تمثل الجناح المتشدد تجاه روسيا باعتبارها عين الولاياتالمتحدة داخل الاتحاد والمناهضة لروسيا على طول الخط تنفيذا للتوجيهات الأمريكية.. وفى المقابل لوحظ شعور أمريكى لدى ادارة أوباما بخيبة الأمل وانتكاسة شديدة، خاصة أن أوباما وعد البريطانيين، بحزمة من الدعومات الاقتصادية، مقابل التصويت للاستمرار فى الاتحاد. ومن شدة اهتمام الإدارة الأمريكية وصول وزير الخارجية الأمريكى (جون كيرى) إلى لندن، لمحاولة إنقاذ ما يمكن انقاذه ورأب الصدع مع الاتحاد الأوروبى، وبذل الجهد فى سبيل الانفصال غير الضار ببريطانيا التى تعد أكبر حليف أمريكى فى أوروبا والعالم، وتقليل نسبة الخسائر المحتملة على أمريكا فى هذه الفترة الحساسة، حيث تجرى الانتخابات وآمال الإدارة الأمريكية لأوباما هى فى استمرار حكم الديمقراطيين فى الرئاسة الأمريكية. 4 تأثرات وتأثيرات فى الاقتصاد العالمى، حيث إن تراجع الجنيه الاسترلينى له تداعيات كبرى على كل المتعاملين مع بريطانيا، حتى أوروبا نفسها، حتى على الاقتصاد البريطانى. وقد تظهر التأثيرات سريعة وقد تطول لبعض الوقت، لكن المؤكد من واقع تقارير خبراء الاقتصاد أن تأثيرا كبيرا سيطول الاقتصاد العالمى بعد الخروج البريطانى من الاتحاد الأوروبى، ولعل تصدع البورصة المصرية وتعرضها لخسائر وصلت إلى نحو 17 مليار جنيه (2 مليار دولار تقريبا) خير مثال، حيث وصلت البورصة إلى حد الانهيار وتم وقف التعامل ظهر يوم الأحد 26/6/2016 وأرجع بعض الخبراء ذلك إلى ضخامة حجم الاستثمارات البريطانية فى مصر التى تصل إلى نحو 70% من اجمالى الاستثمارات. 5 إعادة بناء أو هيكلة النظام الدولى بعد الانسحاب البريطانى من الاتحاد الأوروبى. حيث إن النظام الدولى يمر بمرحلة تحول كبيرة بعد اندلاع الثورات العربية، أدى به الأمر إلى الانتقال من الأحادية (الهيمنة الأمريكية والانفراد بالنظام الدولى)، إلى الثنائية القطبية (بعد عودة الدور الروسى العالمى وممارسة روسيا مسئولياتها) وقد ظهر ذلك فى سوريا، وفى أوكرانيا، وقضايا عديدة أخرى ومن ثم فإن الخروج البريطانى من الاتحاد الأوروبى قد يزيد من حالة الاستقطاب، حيث تصبح بريطانيا حليفا رسميا للولايات المتحدة ومعها كندا كقطب دولى بزعامة الولاياتالمتحدة، وفى المقابل روسيا والصين كقطب دولى شرقى منافس إلا أن الصراع سيظل قائما بين القطبين على أوروبا، التى من المحتمل أن تتجه شرقا، فتزيد من حدة الاستقطاب والصراع الدولى والمنافسة العالمية، ودعم القطب الشرقى، وربما تكون قطبا جديدا فى الساحة الدولية ليصبح النظام الدولى متعدد الأقطاب وهو أمر غير محتمل قريبا حسب تقديرى وفى المعنى الاخير أن زلزال الخروج البريطانى من الاتحاد الأوروبى ستكون له توابعه وسنظل نرصدها. لمزيد من مقالات د. جمال زهران