في ظل ما تتداوله وسائل الإعلام حول التمييز في المعاملة بين السجناء من رموز النظام السابق, طالب علماء الدين بتطبيق مبادئ القانون والتشريعات وما ورد بالشريعة الإسلامية من نصوص حفظت للسجين حقوقه كإنسان لا يمكن المساس بها. ومنها الحقوق الثقافية والصحية والاجتماعية والنفسية والاقتصادية, والمساواة في المعاملة, والطعام والأماكن المخصصة للنوم, دون تفرقة بين سجين وآخر. وأوضح الدكتور عبدالفتاح إدريس أستاذ الفقه المقارن بجامعة الأزهر- أنه من المعروف فقها وقانونا أن العقوبة مهما كانت, جعلت ردعا للجاني وزجرا لغيره عن ارتكابها, وهذا هو ما توخاه الشارع في فلسفة العقاب في الإسلام, والعقوبة المقيدة للحرية, اوضح فيها أنها يقصد بها ردع الجاني مهما كان جرمه ومستواه الاجتماعي أو الأدبي أو العلمي, أو غيرها, فإن العقوبة لا تختلف من إنسان إلي آخر, لأن الناس جميعا متساوون أمام شرع الله سبحانه وتعالي, لا فرق في هذا بين سيد ومسود, ولا فرق بين فقير وغني, ولا بين رفيع ووضيع, ولأجل هذا فإن هذه التفرقة في العقوبات كانت من سنن من أهلكهم الله سبحانه وتعالي من الأمم السابقة, ولهذا فإن رسول الله صلي الله عليه وسلم ذكر هذا في كثير من الأحاديث ومنها قوله عليه الصلاة والسلام إنما أهلك الذين من قبلكم أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه, وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد, وقد ذكر أن هذا هو الذي أهلك من اتبع هذا النهج في معاقبة مرتكبي الجرائم, ولهذا فلا يستبعد أن يهلك الله سبحانه وتعالي هذه الأمة التي بات يدلل فيها الغني وذو الحظوة والمركز والمستوي الاجتماعي في الوقت الذي يسام فيه الضعيف سوء العذاب, وليس هذا بمستبعد أن يكون هذا سنة الله في خلقه, أن يهلك الأمة التي يميز فيها بين الناس حسب طبقاتهم ومراكزهم وغناهم ومستواهم ونحو ذلك من فوارق بات يفرق بين الناس بسببها, وقد قال الله سبحانه وتعالي في سورة الأنفال( واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة واعلموا أن الله شديد العقاب) والتفرقة بين مسجون وآخر علي هذا النحو الطبقي ظلم بمن يتبع معه هذه التفرقة, بحيث يكون أقل من غيره في المعاملة, وهذا يدلل علي أن مغبة هذه التفرقة لن تصيب الذين ظلموا فقط, وإنما ستعم سائر أفراد المجتمع الذين لم يقفوا للحيلولة دون هذه التفرقة. ومن جانبه أكد الدكتور رأفت عثمان- أستاذ الفقه المقارن بكلية الشريعة والقانون جامعة الأزهر وعضو مجمع البحوث الإسلامية أن الإسلام دين العدالة وهو في نفس الوقت دين الرحمة والإحسان, فإذا حكم القاضي علي إنسان بالحبس أو بالسجن فهذه عقوبة تعزيرية, ومعني أنها عقوبة تعزيرية, أنها متروكة للمجتمع والحاكم يقرران فيها مع يتلاءم مع الجريمة التي ارتكبها من وقعت عليه العقوبة, والقاعدة المستقرة في الشريعة الإسلامية بل وكل الشرائع الإلهيه بل وحتي في النظم الوضعية التي تحترم القضاء, لابد أن يكون الجميع متساوين أمام القانون, فإذا طبقت عقوبة السجن أوالحبس علي أي إنسان فليس له معاملة خاصة تخصه دون من توقع عليهم هذه العقوبة, لأن الجميع سواء أمام القانون في الإسلام, وليس أدل علي ذلك من أمر الله عز وجل في معاملة الناس بالعدل حتي لو كانوا أعداء لنا, فقد قال الله عز وجل في سورة المائدة( ولا يجرمنكم شنئان قوم علي ألا تعدلوا), والعدل يقتضي المساواة التامة في العقوبة, كما يقتضي المساواة في الحقوق المبنية علي سبب واحد, ومن هنا فإن كل القواعد التي تطبق في سجون مصر لا بد أن تطبق علي جميع المسجونين سواء بسواء. أما الدكتور محمد الدسوقي أستاذ الشريعة الإسلامية بكلية دار العلوم جامعة القاهرة- فيقول إنه لا ينبغي أطلاقا أن يكون هناك تفريق في السجن بين سجين وآخر, فكلهم سواء في تطبيق قوانين السجن عليهم, ولو كان أحدهم رئيس جمهورية والأخر مجرد عامل في مصلحة عادية فهم سواء في تطبيق القانون, ولا يجوز التمييز في كل شيء, وبخاصة في الطعام الشراب والعلاج وأسرة النوم, فديننا يقوم علي المساواة الكاملة بين الناس في الحقوق والواجبات, حتي لا تكون فتنة, ويكون الدين كله لله. ويضيف أنه إذا كانوا يقولون أن السجن تأديب وإصلاح, فإن هذا السجن لن يؤدي هذه المهمة إلا إذا عومل السجين كإنسان أخطاء وأخذ بسبب خطئه حكما جعله يقضي فترة من حياته بين القضبان, ولهذا يجب أن يعامل معاملة إنسانية, واقصد بالمعاملة الانسانية ألا توجه إليه كلمات تسئ له وتذكره بجريمته, بأن يقول الحراس له يا مجرم, ومن جانب آخر ينبغي إذا كان الحكم عليه بالإشغال الشاقة ألا يكلف فوق طاقته, وإذا أصابه في فترة السجن مرض ما فعلي السجن أن يعالجه فورا, وأن يمنع عنه العمل حتي يعود إلي كامل صحته, ومن الأمور الضرورية للسجناء أن تلقي عليهم محاضرات تبصرهم بحقائق دينهم, وأنهم إذا خرجوا من السجن فلا يجب أن يرجعوا إليه مرة أخري, وهذه المحاضرات ليس بلازم أن تكون فقط من علماء الدين, وإنما تشمل أيضا علماء الجريمة والنفس والاجتماع حتي يفهم المذنب الدوافع التي حملته علي الجريمة فلا يعود إليها, ولعل السجن أيضا يقدم للسجناء ولو مرة في كل شهر سهرة ترفيهية يقوم فيها السجناء انفسهم بالغناء وتقديم الفقرات المسلية لأن هذا يخفف من شعورهم بالغربة والبعد عن الأهل, وبالتالي سيخرجون وهم أكثر صحة من الناحية النفسية والعقلية, وبذلك تكون فترة السجن فترة اصلاح وليس عقوبة وهذا هو الأهم, ولذلك أوصي أن يكون المشرفون علي السجون يختارون من بين الذين يفقهون رسالة السجن وحقوق السجناء حتي لا يخطئون في معاملة السجناء.