رئيس جامعة مطروح يتابع الاستعدادات النهائية لامتحانات الفصل الدراسي الثاني    رئيس اتحاد القبائل العربية يكشف أول سكان مدينة السيسي في سيناء    10 آلاف دارس.. الأزهر: فتح باب التقديم لقبول دفعة جديدة برواق القرآن    المجلس القومي للطفولة والأمومة يطلق "برلمان الطفل المصري"    وبالفيدو والصور ..وزير العمل يطلق 8 وحدات تدريب مهني متنقلة في مدن وقرى "حياة كريمة" ب 8 محافظات    الموارد المائية تؤكد ضرورة التزام الفلاحين بزارعة الأرز في المناطق المقررة فقط    لمن واجهوا عوائق في التحويلات.. الهجرة تعلن ضوابط الاستفادة من دفع الوديعة للمسجلين في مبادرة السيارات    «التنمية الحضرية»: تطوير رأس البر يتوافق مع التصميم العمراني للمدينة    دعم توطين التكنولوجيا العصرية وتمويل المبتكرين.. 7 مهام ل "صندوق مصر الرقمية"    فيديو.. شرطي أمريكي يبصق على علم فلسطين خلال قمع حراك طلابي    زيلينسكي: روسيا استخدمت أكثر من 300 صاروخ و300 طائرة دون طيار وأكثر من 3200 قنبلة في هجمات أبريل    شيخ الأزهر ينعى الشيخ طحنون بن محمد آل نهيان    مصدر رفيع المستوى: تقدم إيجابي في مفاوضات الهدنة وسط اتصالات مصرية مكثفة    «انتقد جماهير القلعة الحمراء».. نجم تونس السابق: صن دوانز أقوى من الأهلي    كولر يعالج أخطاء الأهلي قبل مواجهة الجونة في الدوري    شوبير يكشف مفاجأة عاجلة حول مستجدات الخلاف بين كلوب ومحمد صلاح    بعد صفعة جولر.. ريال مدريد يخطف صفقة ذهبية جديدة من برشلونة    فريق من النيابة العامة يستمع لأقوال الطالبة ضحية زميلها داخل كلية طب الزقازيق    كشف ملابسات فيديو التعدي على سيدة وزوجها بالقليوبية    حار نهارًا.. «الأرصاد» تكشف حالة الطقس اليوم الخميس 2-5-2024 ودرجات الحرارة المتوقعة    ضبط المتهم بإدارة ورشة لتصنيع وتعديل الأسلحة النارية بالبحيرة    تحرير 30 محضرًا تموينيًا في الأقصر    الأمن تكثف جهوده لكشف غموض مق.تل صغيرة بط.عنات نافذة في أسيوط    مصادر بالتعليم: أرقام جلوس طلاب الثانوية العامة خلال أيام    مهرجان الجونة السينمائي يفتح باب التسجيل للدورة السابعة من منصة الجونة السينمائية    مسلسل البيت بيتي 2 الحلقة 3.. أحداث مرعب ونهاية صادمة (تفاصيل)    كلية الإعلام تكرم الفائزين في استطلاع رأي الجمهور حول دراما رمضان 2024    رئيس جامعة حلوان يكرم الطالب عبد الله أشرف    هل تلوين البيض في شم النسيم حرام.. «الإفتاء» تُجيب    وزيرة التضامن الاجتماعي تكرم دينا فؤاد عن مسلسل "حق عرب"    وائل نور.. زواجه من فنانة وأبرز أعماله وهذا سبب تراجعه    محافظ الجيزة يستجيب لحالة مريضة تحتاج لإجراء عملية جراحية    الرعاية الصحية والجمعية المصرية لأمراض القلب تطلقان حملة توعوية تحت شعار «اكتشف غير المكتشف» للتوعية بضعف عضلة القلب    120 مشاركًا بالبرنامج التوعوي حول «السكتة الدماغية» بكلية طب قناة السويس    هيئة الجودة: إصدار 40 مواصفة قياسية في إعادة استخدام وإدارة المياه    وزير المالية: الخزانة تدعم مرتبات العاملين بالصناديق والحسابات الخاصة بنحو 3 مليارات جنيه    التنظيم والإدارة يتيح الاستعلام عن نتيجة الامتحان الإلكتروني في مسابقة معلم مساعد فصل للمتقدمين من 12 محافظة    منها إجازة عيد العمال وشم النسيم.. 11 يوما عطلة رسمية في شهر مايو 2024    مدرب النمسا يرفض تدريب بايرن ميونخ    بنزيما يتلقى العلاج إلى ريال مدريد    محامي بلحاج: انتهاء أزمة مستحقات الزمالك واللاعب.. والمجلس السابق السبب    رئيس الوزراء: الحكومة المصرية مهتمة بتوسيع نطاق استثمارات كوريا الجنوبية    حادث غرق في إسرائيل.. إنقاذ 6 طلاب ابتلعتهم أمواج البحر الميت واستمرار البحث عن مفقودين    لمواليد 2 مايو.. ماذا تقول لك نصيحة خبيرة الأبراج في 2024؟    المفوضية الأوروبية تقدم حزمة مساعدات للبنان بقيمة مليار يورو حتى عام 2027    كوارث في عمليات الانقاذ.. قفزة في عدد ضحايا انهيار جزء من طريق سريع في الصين    وزير الخارجية السعودي يدعو لوقف القتال في السودان وتغليب مصلحة الشعب    سؤال برلماني للحكومة بشأن الآثار الجانبية ل "لقاح كورونا"    أبرزها تناول الفاكهة والخضراوات، نصائح مهمة للحفاظ على الصحة العامة للجسم (فيديو)    تشغيل 27 بئرا برفح والشيخ زويد.. تقرير حول مشاركة القوات المسلحة بتنمية سيناء    هئية الاستثمار والخارجية البريطاني توقعان مذكرة تفاهم لتعزيز العلاقات الاستثمارية والتجارية    دعاء النبي بعد التشهد وقبل التسليم من الصلاة .. واظب عليه    التضامن: انخفاض مشاهد التدخين في دراما رمضان إلى 2.4 %    صباحك أوروبي.. حقيقة عودة كلوب لدورتموند.. بقاء تين هاج.. ودور إبراهيموفيتش    هل يستجيب الله دعاء العاصي؟ أمين الإفتاء يجيب    عميد أصول الدين: المؤمن لا يكون عاطلا عن العمل    حكم دفع الزكاة لشراء أدوية للمرضى الفقراء    مظهر شاهين: تقبيل حسام موافي يد "أبوالعنين" لا يتعارض مع الشرع    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ضوابط شرعية لمبادرات العفو في دول الربيع العربي التصالح ورد الأموال .. جائزان بشروط‏ !‏

تعالت الأصوات واختلفت الآراء حول سبل استرداد الأموال المنهوبة‏,‏ وفي ظل التصريحات المتتالية والمتوالية التي أفرزت آمالا وهمية لدي الرأي العام مفادها اليقين غير الموثق باسترداد كامل حقوق وأموال مصر المنهوبة . وفي غيبة المعلومات المؤكدة حول تقديراتها وطبيعتها, جاءت مبادرة رموز الأنظمة البائدة في مصر وليبيا وتونس من وراء القضبان, بالإقرار والتسليم الطوعي بالأموال المهربة التي تحصلوا عليها بطرق غير مشروعة مقابل التصالح معهم ووقف تنفيذ الأحكام النهائية أو تخفيفها حال صدورها بالإدانة مقابل إعادة تلك الأموال إلي خزانة دولهم التي تئن من أوجاع الفقر.
وتباينت الآراء بين مطالب بالعفو تغليبا للمصلحة العامة, ومناشد باسترجاع الأموال بدلا من نزعات التشفي التي ليس من ورائها طائل, ورافض يطالب باستخدام أساليب التعذيب التي تعرفها أجهزة الأمن لاستعادة هذه الأموال, وثالث يري في نصوص القانون المصري ما يؤكد قانونية التصالح!!
ودخل علماء الدين علي خط المبادرة, فقيه يؤيد المصالحة درءا للمفسدة وإنقاذا للبلاد والعباد ودعما للاقتصاد الذي يئن, وعالم دين يطالب بالقصاص, وآخر يري أن العفو الذي ورد في نصوص ثابتة بالقرآن والسنة هو من شيم الكرام, هنا نستمع الي شهادات كبار علماء الأزهر وعدد من أعضاء مجمع البحوث الإسلامية حول جدوي المصالحة, ومدي مشروعيتها, وسبل تطبيقها, ثم نتساءل هل يجوز شرعا لأهالي الشهداء قبول الدية؟ وهل تجيز الشريعة الإسلامية العفو في الجرائم السياسية؟!
العفو لاسترداد الأموال
الدكتور جعفر عبد السلام, أمين عام رابطة الجامعات الإسلامية, وعميد كلية الشريعة والقانون بجامعة الأزهر الأسبق, كان أول من أطلق مبادرة العفو عن السجناء السياسيين في دول الربيع العربي, ونظم مؤتمرا بليبيا خلال منتصف الشهر الحالي بمشاركة علماء الشريعة من مختلف الجامعات الإسلامية, وفي ظل مطالبات رموز النظام السابق في مصر وليبيا بتسليم الأموال مقابل العفو شهدت فعاليات المؤتمر الدولي الذي نظمته رابطة الجامعات الإسلامية بطرابلس تحت عنوان المصالحة الوطنية أهميتها ضوابطها آلياتها معوقاتها حوارا جادا بين علماء الشريعة وممثلين عن كل الفصائل في ليبيا, سعيا نحو تقديم الحلول والرؤي حول موضوع المصالحة من خلال أربعة محاور, هي المصالحة في التراث العربي والإسلامي, والشريعة الإسلامية, وحقوق الإنسان, وإصدار قانون العفو وأثره في تحقيق المصالحة.
وجاءت توصيات المؤتمر الذي شارك في أعماله علماء الشريعة وفقهاء القانون من الجامعات الليبية والمصرية والسعودية والمغربية والتونسية لتبشر بصياغة وثيقة للمصالحة تتماشي مع ما ورد في القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة, وإصدار قانون عفو لتحقيق المصالحة الوطنية في ضوء الشريعة الإسلامية, وصرف تعويضات للمتضررين لتهيئة الأجواء العامة للمصالحة, وإعادة تنظيم مؤسسات الدولة وتعديل بعض القوانين لإلغاء الحصانات التي تضر بمستقبل المصالحة والتكييف القانوني لها.
وعن تلك المبادرة يقول الدكتور جعفر عبد السلام: خطت الدول الأخري خطوات سريعة في تحسين أحوالها وعقاب المفسدين ففي ليبيا كان مؤتمر المصالحة الوطنية وتم إقرار وثيقة توضح كيفية التصالح والتسامح الذي يعد من أهم المبادئ الإسلامية التي أقرها الإسلام, مطالبا بوضعها نصب أعيننا لكي يطبقها المجتمع بمعناها الواسع, موضحا أن المبادئ العلمية والدينية للمصالحة قابلة للتطبيق علي ليبيا ومصر وغيرها من المجتمعات العربية والإسلامية التي يمكن الاستفادة منها مع الأخذ في الاعتبار اختلاف طبيعة كل مجتمع عن الآخر ويمكن اعتبارها دليلا استرشاديا لأي مجتمع عربي أو مسلم.
والأهم في كل الأحوال كما يوضح الدكتور جعفر عبد السلام هو وجود المناخ الملائم للتصالح مع الأخذ بالمبادئ الإسلامية وطبيعة كل مجتمع وعاداته والتي توجب أن يتم التصالح بين أبناء الوطن الواحد, مشيرا إلي انه لا يمكن بناء دولة بدون شعب قوي متماسك ومتصالح ومتحد تسود ثقافة السلام والتسامح مع عدم نسيان الحساب واجتثاث أسس العداء فيها لإغلاق الملف وعدم انتهاز البعض أي فرصة لتأجيج المشاعر وإعادة حالة الاحتقان مرة أخري.
وأوصي مؤتمر المصالحة الليبية في ختام أعماله بدراسة إمكانية إصدار قانون للعفو العام عن المتسببين في أحداث الفساد التي شهدها نظام الحكم البائد في كل من مصر وليبيا مقابل استرداد أموال الدولة والشعب للاستفادة منها في مشروعات تنموية لبناء الدولة الجديدة علي أسس من العدالة الاجتماعية والديمقراطية والحرية, وتشكيل لجان لتقصي الحقائق في عهد نظام مبارك والقذافي لتحديد قيمة التعويض المادي والمعنوي للمتضررين من تلك الأحداث.
مع مراعاة أن تتم المصالحة الوطنية, وفق أحكام الشريعة الإسلامية والمصلحة العامة للبلاد لدورها في تخفيف العبء عن القضاء ووضع حد لخصومات كثيرة يصعب نظرها أمام القضاء لظروف اجتماعية أو سياسية أو دينية أو خلقية, بالإضافة إلي أنها تسهم في تحقيق السلم الاجتماعي بين أبناء الوطن الواحد.
ويري جعفر عبد السلام أن هذا التصالح لن يكون بأي حال من الأحوال علي حساب حدود الله, فالعفو في القصاص يكون لولي الدم دون غيره, وإذا كان أولياء المقتول لهم الولاية يعفون, لقول الله تعالي: ذلك ومن عاقب بمثل ما عوقب به ثم بغي عليه لينصرنه الله إن الله لعفو غفور, وفيما عدا ذلك من جرائم, يري وجوب التصالح فيها إنهاء لأي نزاعات أو خلافات بين أفراد المجتمع, وماعدا ذلك من جرائم, لولي الأمر أن يعفو إذا ما رأي أنه من المناسب للصالح العام أن تؤخذ الأموال من هؤلاء الناس وتوضع في خزانة الدولة أو تخصص لجبر الأضرار التي وقعت علي آحاد الناس وظلموا في الأحداث الأخيرة أو قبل الثورة. ولا يري الدكتور جعفر عبد السلام مانعا شرعيا من العفو في جرائم الحق العام كنهب أموال الدولة, مقابل استرداد هذه الأموال, ويقول: لولي الأمر حق العفو في القانون الجنائي ويحق أيضا لرئيس الجمهورية أن يعفو عمن سجنوا بأحكام قضائية إذا كانت المصلحة تقتضي أخذ الأموال وردها إلي الخزانة العامة للدولة التي تعاني الإفلاس, شريطة ضمان ألا يظهر لص آخر يسرق هذه الأموال.
العفو جائز بشروط
أما الدكتور مبروك عطية, الأستاذ بجامعة الأزهر, فيؤكد أن العفو فضيلة إسلامية وردت بالقرآن والسنة, وفق ضوابط وشروط عديدة, ويقول ثبت في البخاري أن الربيع بنت النضر عمة أنس بن مالك كسرت سنة جارتها فأبي أهلها إلا القصاص ورفضوا أن يأخذوا الدية الصغيرة ورفضوا كذلك العفو فلما هم النبي صلي الله عليه وسلم بالقصاص قال أخوها والذي بعثك بالحق لا تقطع ثنيتها فقال له: شرع الله فقال أهل المقطوعة عفونا يا رسول الله فقال الحديث المشهور: أشعث أغبر لو أقسم علي الله لأبره وفرح النبي بعفوهم والله تعالي يقول خذ العفو وأمر بالعرف وقد قدم العفو علي غيره في عموم القرآن الكريم, وفي آية المعاقبة بالمثل في خواتيم سورة النحل قال تعالي:( وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به ولئن صبرتم لهو خير للصابرين) وقوله أيضا( واصبر وما صبرك إلا بالله ولا تحزن عليهم ولا تك في ضيق مما يمكرون) فالله خير العباد هنا بين المعاقبة بالمثل وبين الصبر واختار الصبر, والعفو من شيم المسلمين وأخلاقهم وفي درء السيئة بالحسنة قدمت سورة فصلت نموذجا يحتذي وفقا لقوله تعالي:( ولا تستوي الحسنة ولا السيئة ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم وما يلقاها إلا الذين صبروا وما يلقاها إلا ذو حظ عظيم) فليس سهلا علي الانسان العفو إلا إذا كان صدره يتسع, مشيرا إلي أنه الحل العبقري الذي يتطلع إليه المسلم الصابر إلي الله. كما طالب برد الأموال المنهوبة سواء عوقب من اغتصبها أو لم يعاقب فقطع يد السارق لا يعني أن الأموال ضاعت مشيرا إلي حادث وقع في عهد النبي صلي الله عليه وسلم حيث أن صفوان بن أمية أسلم وكان علي باب مكة نائما وأخبره الناس أن لا إسلام له لأنه لم يهاجر فقال النبي: لا هجرة بعد الفتح وجاء لص وأخذ الثوب من تحت رأسه وهو نائم فانتبه وأمسك به وأخذه إلي النبي فأمر بقطع يده, فقال صفوان: هو له إنه بعشرة دراهم. فقال النبي: كان هذا قبل أن تأتي به إلي ومن ثم أجمع الفقهاء أنه لا شفاعة في الحدود قبل أن يرفع الأمر إلي القضاء ولا تنازل عن الأموال.
عقاب الظالم
ودعا الدكتور محمد المختار المهدي, عضو مجمع البحوث الإسلامية ورئيس الجمعية الشرعية إلي تحقيق العدل في المجتمع أولا كما أوضح القرآن الكريم ذلك في سورة الكهف حين قدم لنا نموذج الحاكم الصالح في ذي القرنين وقال له المولي عز وجل:( قلنا يا ذا القرنين إما أن تعذب وإما أن تتخذ فيهم حسنا) وهو تصريح من رب العزة لكي يفعل ما شاء ومع ذلك عاد الكتاب الكريم ليؤكد أن( أما من ظلم فسوف نعذبه ثم يرد إلي ربه فيعذبه عذابا نكرا وأما من آمن وعمل صالحا فله جزاء الحسني وسنقول له من أمرنا يسرا) فمنهج العدل في المجتمع الظالم لابد أن يضمن محاكمة الظالم وعقابه وأما عقاب الله له فمتروك للخالق حيث يثاب المحسن وييسر الله له أموره.
وقال: إن تحقيق العدل لا يمكن أن يأتي إلا بمعاقبة الظالم وهذا ما يقصده القرآن الكريم في تعبيره( وأقسطوا إن الله يحب المقسطين) والقسط هنا يعني إزالة الظلم كما قال تعالي( وأما القاسطون فكانوا لجهنم حطبا).
وتؤيد سورة الحديد المعني بأن الرسل ما جاءوا إلا لتحقيق هذا القسط أو العدل كما جاء في قوله( لقد أرسلنا رسلنا بالبينات وأنزلنا معهم الكتاب والميزان ليقوم الناس بالقسط) وسميت السورة بالحديد للتأكيد علي معني العدل وأهمية تحقيقه, ورفض أن تقوم الدولة أو مجلس الشعب وغيره بندب أشخاص عن أولياء الدم في مسألة العفو عن رموز النظام السابق مشير إلي أن ذلك حق أصيل لأولياء الدم شخصيا. وطالب بتجميع أولياء الدم ويؤخذ رأيهم في هذا الأمر لمعرفة مدي قبولهم أم لا ويتم ذلك عبر توكيلات رسمية حتي لا تكون هناك شكوك مشيرا إلي أن رد المال لابد منه حيث تم أخذه دون وجه حق وأما عقوبته فتتوقف علي حسن توبته فإذا لمس القضاء أنه استقام وبدأ في طريق الخير كان له حق الإعفاء من العقوبة ولذلك تتفاوت العقوبة التعزيرية من شخص لآخر ولذلك يقول الفقهاء قد تكون العقوبة لشخص يؤثر فيه العقاب أكثر من تأثير العقوبة عليه وتتدرج إلي ما قبل الإعدام.
نوع الجريمة وضررها
العفو في جرائم اختلاس الأموال, يفرق الدكتور محمد رأفت عثمان, عضو مجمع البحوث الإسلامية وأستاذ الفقه بجامعة الأزهر, بينه وبين جرائم قتل المتظاهرين وافساد الحياة السياسية, ويري أن القياس علي آيات القرآن الكريم التي وردت في شأن العفو لا يمكن القول بصحته, ويضيف: يمكن الحديث هنا عن قضايا سياسية وممارسات لمسئول أضرت بالدولة, وهذه للقضاء سلطة تقديرية ينظر فيها ليقرر ما إذا كانت تلك الأضرار الواقعة شديدة أم عادية وإذا كانت من النوع الأول فلابد أن يعاقب المسئول, مشيرا إلي أنه لا توجد عقوبة محددة لجرائم لا تدخل في مجال القصاص أو الحدود وإنما هي عقوبات يطلق عليها في العرف الإسلامي عقوبة التعزير وهي غير مقدرة في الشريعة الإسلامية وإنما متروكة للقاضي والمجتمع أن يقرران فيها العقوبة بما يتلاءم مع طبيعة الجرم, وإذا كانت الجريمة أحدثت ضررا كبيرا يمس أكبر عدد من الأفراد ليس من حق القاضي أن يعفو نظرا للأثر الكبير الذي ينتج عن هذا الفعل علي عكس الضرر البسيط الذي قد يلحق بمصالح الدولة ويمكن العفو فيه إذا رأي القاضي أن في العفو مصلحة.
أما العقوبات المفترض توقيعها علي من استولوا علي أراض ملك للدولة أو أموال عامة فلابد أن يتضمن الحكم ناحيتين أولها استرداد الدولة لما اغتصبه المسئول وثانيهما توقيع عقوبة تعزيرية بجانب مصادرة هذه الأملاك التي استولي عليها وعلي هذا فقد تختلف عقوبات المسئولين في النظام السابق تبعا لما ارتكبه كل منهم والضرر اللاحق جراء ذلك وفي كل الأحوال يجب رد حقوق الدولة.
وإذا كان منسوبا للمسئول جريمة قتل كما هو متحقق في حالات وزير الداخلية الأسبق ومدراء الأمن السابقين فلا عفو إلا لأولياء الدم ولا يجوز للدولة أن تتدخل في إسقاط عقوبة القصاص لأن الشرع أعطي هذا الحق لولي دم المجني عليه فقط وهم عصبته أي الأب والأخ والجد, ولذلك فلا يجوز للدولة أن تعفو عن الجاني المتورط في جريمة قتل, والقصاص عقوبة واضحة ووحيدة لكل الجرائم إذا كان المسئول متورطا في جرائم قتل وسرقة أموال ويسمي الفقهاء هذه الحالة بتداخل العقوبات بتعدد الجرائم واختلاف الضرر.
هل يمكن القياس علي حالات العفو التي حدثت في العهد النبوي من الرسول تجاه أهل مكة عند فتحها بالعفو عن أصحاب الجرائم الآن؟ السؤال علي وجاهته يستنكره الدكتور رأفت عثمان ويقول: لا يمكن الربط بين الحالتين لأن عفو الرسول عمن أساءوا إليه في فتح مكة واليهود كان بالقطع مؤديا إلي أن يحسن المعفو عنهم سلوكهم لكننا في العصر الحالي لا نضمن أن يكن المعفو عنهم مقدرين لقيمة الإجراء الذي تم اتخاذه حيالهم ولن يتوبوا عما فعلوا بل من المتصور أنهم سيعودون أكثر توغلا وفحشا مما سبق لذا فالحالة مختلفة تماما.
حق الله والمجتمع
وقال الدكتور محمد الشحات الجندي, الأمين العام السابق للمجلس الأعلي للشئون الإسلامية: أن هناك فرقا بين الحق العام والخاص وموقف الشريعة تجاه كل منهما, وأشار إلي أن الحق العام يرتبط بالله والمجتمع و أما الخاص فهو يتعلق بشخص أو بأمور تخص فئة محدودة ويمكن التنازل عنه أو يعفو وأثره يتعلق بالشخص وفقا لقوله تعالي: يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلا أن تكون تجارة عن تراض. وشدد علي ضرورة أن يعلم رموز النظام السابق أن ما عرضوه من التنازل حول ما حصلوا عليه من أموال بطرق غير شرعية أمر غير مقبول لأنه لا تثبت لهم ملكية خاصة لأنه مال المجتمع كله بالإضافة إلي حقوق الله وترقي لأن تكون حدا من حدود الله لا يجوز استحلاله أو الادعاء بحيازته لمدة معينة تكسبهم صفة الملكية حيث أنه أخذ بطرق غير مشروعة. ودعا إلي اجراء استفتاء حول رأي الناس فيما يعرضه رموز النظام السابق لكي نعرف الأغلبية الموافقة وإما أن يقول الناس رضينا وكل فئة توكل ممثلين لهم يؤكدوا العفو وإذا صح ذلك فالعفو جائز, وإذا حدث ذلك فالعفو جائز وأما غير ذلك فالتنازل لا يفترض والصمت لا يعتبر موافقة علي العفو لأن هذه الأموال أخذت بطرق احتيالية وفي ذلك إقرار بالاستيلاء علي المال العام.
حقوق الشهداء
بينما يفرق الدكتور عبد الفتاح إدريس, أستاذ الفقه المقارن بجامعة الأزهر, بين مبادرات رد الأموال وحقوق شهداء ثورات الربيع العربي قائلا: أنه إذا ثبت بالبينة أن أحدا تعمد قتل الثوار بالميادين وغيرها فإن الواجب شرعا هو القصاص من القاتل لأحد هؤلاء المقتولين ويجب للباقين الديات في ماله ويجب لباقي أولياء القتلي ديات, وإذا عفي بعض أولياء الدم عن القصاص فإن هذا الحق يثبت لغيره وليس هناك ما يسمي بالدية في جرائم القتل العمد ومن أفتي بذلك فهو لم يقرأ النصوص الشرعية وما جاء في القرآن والسنة, مشيرا إلي أنه في حالة العفو عن القصاص يتم التصالح بين القاتل وأولياء الدم علي عوض ولا يكون هذا العوض مربوطا بالدية, وأوضح أنه لم يرد في آراء فقهاء الدين الإسلامي ما يسقط القصاص بعفو بعض الأولياء لأن كل شخص من أهالي الشهداء يثبت له الحق بالقصاص كاملا غير منقوص وذلك لأن القتيل متعدد والقاتل واحد.
و أشار إلي أن الحالة التي يجدي فيها عفو بعض أو أحد أولياء الدم أثره في سقوط القصاص في حق الجاني إذا كان المقتول واحدا وعفي بعض أولياء الدم وطلب البعض الآخر القصاص ففي هذه الحالة يغلب جانب العفو ولكن في حالة شهداء الثورة والمتورطين في قتلهم فهم كثر وبالتالي فإن هذا الحق قائم وإن لم يطلب القصاص إلا واحد فقط من أهالي القتلي الذين جاوزوا الألف. وأكد أن القصاص أساس العقوبات الإسلامية فقال الله تعالي ولكم في القصاص حياة أي التساوي بين الإثم المرتكب والعقوبة الرادعة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.