مع اقتراب انتهاء ولاية الرئيس الأمريكى باراك أوباما، تردد انه يعتزم تسجيل موقف أمريكى جديد من حل النزاع الفلسطينى والإسرائيلى قبل تركه البيت الأبيض، على غرار ما قام به الرئيس بيل كلينتون فى الأشهر الأخيرة من ولايته، وتراوح شكل هذا الطرح بين ثلاثة صيغ: الأول، إلقاء الرئيس أوباما خطابا يسجل فيه الموقف الأمريكى على أساس Clinton Parameters و إنما بقدر اكبر من التفصيل، كموقف وطنى يعتبر أساس او نقطة انطلاق الرئيس الأمريكى القادم. الثاني، طرح هذا الموقف الجديد على مجلس الأمن الدولى بالأممالمتحدة، لإعطائه المزيد من الشرعية. الثالث، تمشى الولاياتالمتحدة مع مشروع قرار يطرح فى مجلس الأمن الدولى حول أسس حل النزاع الفلسطينى الإسرائيلي، على أن يقدم المشروع من اسبانيا و فرنسا أو أحداهما أو حتى من دول أخرى مثل نيوزيلاند. لم تتبلور هذه الصيغ بعد، خشية استغلالها من قبل المرشح الجمهورى وحزبه ضد مرشحة الحزب الديمقراطي، وفى انتخابات الكونجرس الأمريكي، مما يصعب من مهمة الرئيسة الأمريكية الجديدة إذا انتخبت، وخسر الحزب الديمقراطى الأغلبية فى مجلس النواب والشيوخ بالكونجرس. وظهرت مبادرة فرنسية لعقد مؤتمر دبلوماسى فى باريس، دون مشاركة الأطراف الرئيسية الفلسطينية والإسرائيلية، بالتوازى مع ظهور بوادر عدم ارتياح فرنسى للموقف الأمريكى من سوريا، وساهمت فى التوصل إلى اتفاق النووى بين الدول الخمس الدائمة بمجلس الأمن وألمانيا وإيران. مع هذا يعقد المؤتمر اليوم الجمعة وتتعاون فرنساوالولاياتالمتحدة لضمان عدم خروج هذا الاجتماع عن المألوف، ألا وهو الاحتفاظ للولايات المتحدة بالدور الرئيسى فى إدارة المفاوضات الإسرائيلية الفلسطينية عند استئنافها، أو اتخاذ المؤتمر المزمع انعقاده لصالح الموقف الفلسطينى على حساب إسرائيل، وذلك على الرغم من أن كل هذه التحركات جاءت جزئيا كرد فعل للمواقف المتعنتة لحكومة بنيامين نتانياهو رئيس وزراء إسرائيل، والتى أغضبت وأحرجت حتى أقرب المقربين له دوليا. هناك تقديرات متعددة ومتباينة عن أهداف هذا المؤتمر وخلاصاته المحتملة، فيما بين أنه مجرد محاولة لإظهار الدور الفرنسي، و للاعتبارات السابق ذكرها، خاصة و قد ترك وزير الخارجية الفرنسى السابق منصبه بعد إعلان المبادرة بقليل، وإنما هناك أيضا تصورات أخرى بأن الغرض هو إرساء مبدأ عام إقراره دوليا، وهو مقايضة قبول يهودية الدولة وعدم عودة اللاجئين إلى إسرائيل فحسب بإقامة الدولة الفلسطينية. أما السيناريو الثالث والأفضل فهو أن يثبت المؤتمر مبادئ وأسس الحل، ويحدد فترة زمنية للتفاوض، ثم يدعو الأطراف الإسرائيلية والفلسطينية لعقد مفاوضات تفصيلية حولها، وهو سيناريو إذا تحقق سيسحب لصالح فرنسا طويلا وجديا. فى هذا السياق طرحت مصر دعوتها لمصالحة فلسطينية فلسطينية، بين منظمة فتح أولا، وفيما بينها وبين حماس فى غزة، وهى مصالحة واجبة رغم صعوبتها، طالما قامت على أساس السعى لإقامة دولة فلسطينية فى القريب العاجل. أعلنت مصر كذلك استعدادها للإسهام فى اتصالات فلسطينية إسرائيلية من أجل تحقيق حل الدولتين، وهو طرح حظي- من حيث المبدأ- بتأييد عام، دولى وإقليمي، وإن لوحظ إسراع أطراف كثيرة بالاتصال بالقاهرة لمعرفة خلفية وتفاصيل هذا الطرح، لأخذه فى الحسبان، وتحديد موقف أكثر تفصيلا منه. لا أخفى عدم اطمئنانى من رد الفعل الإسرائيلي، رغم ما اتسم به فى عمومه من ترحيب، فلم تمر أيام وقرر رئيس الوزراء التوافق سياسيا مع اليمين الإسرائيلى بتعيين ليبرمان وزيرا للدفاع، بعد إن كان قد اقترب من الوصول إلى توافق مع هيرتزوج زعيم اليسار الإسرائيلي- الأكثر اعتدالا نسبيا- والأقرب إلى قبول بحل الدولتين، فلسطين وإسرائيل. أعقب ذلك تصريحات من نتانياهو يعرب فيها عن استعداده مناقشة مبادرة السلام العربية مع الطرف الفلسطيني، فى تناقض سياسى واضح ومثير مع تحالفه الجديد. ثم استمعنا من ليبرمان تصريحا بأهمية الاستفادة من الطرح المصري، تصريحا يبدو ايجابيا، وإن كنت اخشى من تجاربى السابقة مع الجانب الإسرائيلى أن يطلق عليه مقولة “حق يراد به باطل”، لأنه ذكرنى برد فعل رئيس وزراء إسرائيل السابق اريل شارون عندما وافق على خريطة الطريق الأمريكية فى ابريل عام 2003، التى طرحها الرئيس بوش الابن، مع تسجيل 14 تحفظا واعتراضا، ثم انسحب من جانب واحد ودون تنسيق من غزة، معلنا أن هدفه بهذه الخطوة ترسيخ التواجد الإسرائيلى فى الضفة الغربية وعلى ضفاف نهر الأردن، وأطلق بعد ذلك العنان الإسرائيلى فى بناء المستوطنات فى الضفة، وحتى أفرغت جهود الولاياتالمتحدة فى مدينة أنابوليس من مضمونها كليا . لكل هذه الأسباب، ورغم تأييدى لإقامة السلام الشامل العربى الإسرائيلي، وإيمانى بحل الدولتين إسرائيل وفلسطين وعاصمتها القدسالشرقية، وترحيبى برغبة مصر فى استئناف دورها الإقليمي، لكن أخشى أن يكون الجانب الإسرائيلى يميل إلى إضاعة الوقت، والضغط السياسي، حتى انتهاء الانتخابات الأمريكية، مستغلا فى ذلك الاضطرابات العربية والمشاكل الأمنية، وسرطان الإرهاب، والقلق الإقليمى العربى من الوضع الإيراني. ولإثبات حسن النية، وبناء الثقة بين الجانبين، وضمان جدية الاتصالات، أو المفاوضات الإسرائيلية الفلسطينية أقترح الخطوات التالية: 1- إعلان إسرائيل وفلسطين المعترف بها كدولة (مراقب) من قبل الأممالمتحدة تأييدهما لإقامة السلام بين الدولتين إسرائيل وفلسطين على أساس حدود 1967. 2- موافقة الطرفين على إقامة المفاوضات على أساس قواعد مؤتمر مدريد للسلام فى 1991 ومبادرة السلام العربية الإسرائيلية. 3 - تحديد فترة زمنية محددة للمفاوضات لا تتجاوز6 أشهر برعاية مصرية. 4- وقف الاستيطان الإسرائيلى مقابل استمرار التعاون الأمنى الفلسطينى الإسرائيلى طوال فترة التفاوض. 5- موافقة الطرفين على تسجيل هذه الأسس فى مجلس الأمن الدولى للتصديق عليها. فى غياب هذه التفاهمات و الضمانات أخشى أن تنتهى كل هذه الثرثرة والحركة حول المسار الفلسطينى الاسرائيلى إلى نفس مصير الجهود السابقة، كأداة إسرائيلية لتفتيت العرب والتطبيع، دون تمكين الشعب الفلسطينى من ممارسة حقه الوطنى المشروع بإقامة دولة فى الضفة الغربيةوغزة وعاصمتها القدسالشرقية وفقا لحدود 1967. لمزيد من مقالات نبيل إسماعيل فهمى