أصدر المجلس الأعلى للشئون الإسلامية بيانه الختامى لمؤتمره السادس والعشرين تحت عنوان: «دور المؤسسات الدينية فى مواجهة التحديات: الواقع والمأمول نقد ذاتى ورؤية موضوعية» الذى عُقد تحت رعاية رئيس الجمهورية بمدينة أسوان, وأجمع المشاركون من الوزراء والعلماء والمفتين والمفكرين والمثقفين على تبنى وثيقة مصر لنبذ التطرف والتمييز العنصري, والتى تنص على: «رفض كل ألوان التطرف والإرهاب, ورفض جميع أنواع التمييز العنصري, سواء أكان على أساس الدين أم العرق أم اللون أم الجنس, وإعلاء قيمة الإنسان كإنسان, والتأكيد على أهمية الاحترام المتبادل والتعايش السلمى على أرضية إنسانية خالصة». كما تضمن البيان توصيات مهمة جديرة بالتأمل والنظر والعمل على تفعيلها على أرض الواقع من خلال آليات محددة وورش عمل متتابعة, وهو ما سنسعى بكل قوة لإنزاله على أرض الواقع بإذن الله تعالى, ومن أهم هذه التوصيات: 1- تأكيد أن الاستخدام السياسى للدين أحد أهم عوامل التشدد والتطرف الفكري، والانحراف بالدين عن مساره الصحيح. 2- قصر القبول فى الكليات الشرعية على الطلاب المتميزين والمؤهلين تربويًّا، وفكريًّا، ونفسيًّا لتلقى العلوم الشرعية، على أن يكونوا من المتفوقين فى الثانوية الأزهرية، وأن تعقد لهم اختبارات قبول توازى اختبار طلاب الكليات العسكرية والشرطية، وأن يكون التركيز على الكيف لا الكم. 3- ضرورة اختيار العلماء سواء فى البرامج الإعلامية أم المنتديات الفكرية والثقافية، أم فى مجال اختيار القيادات الجامعية وقبل الجامعية، من ذوى الكفاءة العلمية المتميزة والمهارات الدعوية القادرة على المواجهة والمناظرة، والحوار بالعلم والعقل والحكمة والموعظة الحسنة. 4- المبادرة إلى وضع سياسة فاعلة للتدابير الواقية من مخاطر هذا الفكر تقوم على مرتكزات محددة يأتى فى مقدمتها: (أ) تنشئة الطفولة على أصول التربية الدينية والأخلاقية والإنسانية الصحيحة، والتفكير العلمى الحر المنضبط، من خلال سياسة علمية ترسمها المؤسسات الدينية والتربوية فى العالمين العربى والإسلامي، وتتبناها كل من جامعة الدول العربية ومنظمة التعاون الإسلامي. (ب) أن تقوم المؤسسات الدعوية والتعليمية والتربوية والثقافية معًا بوضع سياسة تستهدف إعادة منظومة القيم التربوية الصحيحة التى تستعيد فى الشباب القدرات الغائبة، والمواهب المغمورة، والقدرة على الإبداع، وقوة الشخصية، حتى لا يقعوا صيدًا سهلًا فى شباك الجماعات المتطرفة، على أن يكون ذلك من خلال العمل بروح الفريق الواحد وتنسيق الجهود بين هذه المؤسسات. (ج) تعزيز روح الحوار الحضارى مع العالم كله، وتشجيع ثقافة التعدد بما يحقق التعايش السلمى المشترك بين البشر مع احترام خصوصيات الأمم والشعوب. (د) تأكيد أن ظاهرة الإسلام فوبيا واضطهاد بعض الجماعات اليمينية المتطرفة للمسلمين أو محاولات النيل منهم أو الاعتداء على دور عبادتهم كل ذلك يدعم الفكر المتطرف، مما يتطلب تأكيد على ربط الإرهاب بالإسلام وتوضيح ذلك للعالم كله بلغاته المختلفة، والعمل على استصدار قرار دولى يجرم الاعتداء الطائفى ضد المسلمين أو الأقليات الإسلامية، كما يجرم التمييز ضدهم على أساس الدين. 5- العناية بمجال الترجمة والنشر فى مجال الدراسات الشرعية باللغات الأجنبية وإعداد الأئمة والخطباء إعدادًا مهاريًّا فى هذا الجانب، إضافة إلى تكوينهم العلمى والثقافى والمعرفي. 6- التحذير من الأفكار المنحرفة والشاذة والهدامة والتطاول على ثوابت الشرع باعتبار أن ذلك يعد الوجه الآخر للتطرف الفكري، بما يتنافى مع الوسطية التى لا يستقيم أمر الأفراد والمجتمعات إلا بها. 7- إعادة دراسة كل ما يتصل بالنصوص المتعلقة بغير المسلمين ، بحيث تُفهم وتقدم فى إطارها الإسلامى الصحيح الذى يبرز الوجه الحضارى السمح لديننا الحنيف دون إفراط أو تفريط، وعلى ضوء فقه الأولويات والمآلات والمقاصد. ولا شك أن القراءة المتأنية لهذه الوثيقة التى صدرت عن المؤتمر لتؤكد على عظمة وسماحة الإسلام, وقدرته على الاستيعاب, وحرصه على ترسيخ مبدأ العيش السلمى المشترك, والتأكيد على ما يتسم به الفكر الإسلامى الوسطى الصحيح من جوانب إنسانية يَنْدُر نظيرها, وبعده التام عن كل ألوان العنصرية والنازية والفاشية والصهيونية المقيتة وكل المذاهب الإرهابية عدوة الإنسان والحيوان والحجر والشجر, بل عدوة نفسها, ذلك أن الإسلام دين الحضارة والرقي, واحترام الإنسان الذى كرمه رب العزة عز وجل بقوله تعالى: «وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِى آَدَمَ» . لمزيد من مقالات د . محمد مختار جمعة