حينما تكون الفطرة هى المحرك الأول للفنان فلا شىء يصبح مستحيلا و تذلل كل المصاعب ، وعندما يكون الشغف هو الأداة فيكون الناتج مبهرا و ساطعا . فكانت فطرة الطفل و شغفه هما الدافع له عندما ذهب و رأى و تعلق فأصر على التعلم و كانت النتيجة فنانا من طراز نادر، الإبداع هو ملاذه و الحجر هو صديقه الوفي الوحيد ...هذه باختصار هى ملامح رحلة النحات العالمي الفنان آدم حنين الذي استقبلنا عند باب منزله بحفاوة بالغة رغم المرض البادى عليه .. ومنذ أن تطأ قدماك باب المنزل الذى يقع فيه متحفه بالحرانية تجد أن كل شىء ينطق بالإبداع ،كل الأعمال الفنية التى على كثرتها في أشد تنسيق، و الخضرة تعطي تضادا مع الحجر الموزع عليها و كأنها تحتضنه شىء يلقي في نفسك السكينة و الهدوء و يفتح آفاقك لتخرج أجمل ما فيك . ..................................................................... كان أول ما جذب انتباهي عن الفنان في بداية مشواره هو أنه على الرغم من صغر سنه عندما ذهب في رحلة مدرسية للمتحف المصري لم يشاهد تماثيل الفراعنة و كأنها مجرد أحجار منقوشة بل شاهدها أعمالا فنية كاملة ،و كأن وعيه الصغير في ذلك الوقت و موهبته كانا أكبر من سنه ، مما دفعه بعدها بأيام من أن يأخذ خلسة قطعة من الطين من حجرة الأشغال بمدرسته و يذهب بها إلي منزله وهو في قمة سعادته و حماسه و يقوم بتشكيلها تمثالا للملك اخناتون ويقوم بتلوينها و اعطائها لوالده لعرضها في محل الفضيات الذي كان يملكه ،وعلي الرغم من أن وعيه الفنى لم يكن قد تكون بعد و لكن فطرته هى التى حركته و موهبته المبكرة هي التى جعلته يبدع . يقول الفنان آدم حنين عن هذه الفترة إنه لم يكن يدرك أنه سيصبح نحاتا ،و لكن ماحدث كان ناتجا عن وعيه العام و اعجابا بالعمل الذي خرج من الطين ويقول : وجدت أن حياتي أجمل مع النحت، وأمتع لحظاتى أثناء حواراتى مع التماثيل ، وحين أتحدث معها وتسمعنى ، تعاملت مع التماثيل كأبطال من لحم ودم، امسك الحجر فأحوله من السكون إلي الحركة ومن العدم إلي الحياة فالعلاقة بين الفنان و الخامة لابد ان تقوم على الالفة والتناغم و المحبة ، وإذا حدث صراع لن ينتج عمل فني مخلد و الفنان مع كل عمل جديد يكتشف نفسه و امكاناته و يكتشف ايضا ما حوله فيكتسب خبرة و معلومات تجعل العمل القادم اكثر عمقا و قوة. منذ انطلاق سيمبوزيوم أسوان و لعدة سنوات ظلت هناك أصوات رافضة له مؤكدة فشله وعدم استمراره.. ماذا تقول لهم اليوم بعد أن أتم السيمبوزيوم عامه الحادى و العشرين ؟ اي عمل جيد و فكرة ناجحة تستفذ الأشخاص الذين يقفون في أماكنهم ولا يقدمون جديدا ،فهم لم يكن لديهم خيال لما يمكن أن يقدمه عمل كبير مثل السيمبوزيوم و اليوم نقف نضحك على ما كانوا يقولونه و نحن نتباهي بالأجيال المختلفة من الفنانين من جميع الأعمار الذين خرجوا من هذا الملتقي الفنى العالمي ، و بهؤلاء الفنانين نوصل رسالة لكل من يقوم بالهدم لا بالبناء أن المجتمعات تبني بالأفكار الجديدة و الجريئة و ليس بالقوالب الجامدة . مارأيك فيما يقال حول تحريم فن النحت و خوف طلبة كلية الفنون الجميلة من دخول قسم النحت ؟ كل فترة و أخري نسمع مثل هذا الكلام و الحقيقة إنه شىء مضحك لأن رأيي الشخصي و رؤيتي أن إغلاق قسم النحت درب من دروب المستحيل . فنحن أحفاد النحات الأول و بناة الأهرام و النحت يسير في دمائنا بالفطرة فلا يمكن ان يحدث هذا ،وبعيدا عن كليات الفنون فهناك تجربة مثل سيمبوزيوم أسوان ضمت كل من له علاقة بفن النحت من قريب أو بعيد و حققت هذا القدر من النجاح و اشتهر عالميا و أصبح من أهم ملتقيات النحت في العالم ،و أفرز هذا السيمبوزيوم أجيالا محترمة و مشرفة من النحاتين وهناك من يعتبر نفسه تربي داخل هذا الملتقي الفنى العالمي وتخرج منه نحاتا ذا ثقل و خبرة, تعلموا أساليب جديدة و احتكوا بنحاتين من جميع دول العالم وكانت تجارب هامة جدا ومفيدة جدا لا تقل فائدتها عن الكليات و المعاهد الحكومية . هل من الأفضل حتي يبني نحاتا أن يتوجه للدراسة الأكاديمية أم الإعتماد على الملتقيات الفنية مثل سيمبوزيوم أسوان للتعلم ؟ كل وفق قدرته و رؤيته و موهبته, فهناك من يبدأ أكاديميا و يدرس النحت بكلياته وبعد فترة يشعر أن ليس هذا هو ما كان ينتظره فيبتعد و يبحث عن الاحتكاك الحقيقي مع الحجر ،ولكن المعرفة النظرية هامة ولابد من أن يلم النحات بالمعلومات الرئيسية عن النحت حتي لا يصدم فى المقابلة مع الحجر . في سيمبوزيوم أسوان هناك فنانون يشاركون من جميع دول العالم مثل فرنسا و أمريكا و ألمانيا و السودان و غيرها الكثير ،كل منهم يحمل خبراته و تاريخه و أسلوب معالجته للحجر ، فعندما يلتقي الشاب الذي يبدأ أولى خطواته في النحت بمثل هذه الأسماء و يتعايش معهم يوميا ويشاهدهم عن كثب و هم يعملون و يتحدثون في الفن و الثقافة و الحياة فنجد أن السيمبوزيوم ليس اجتماعا ولكن معايشة تامة وممارسة غير الممارسة الثقافية العادية ، فيتلقي الفنان كل هذه الخبرات و كأنه سافر جميع هذه البلاد فبالتأكيد أن هذا الشاب في شهور قليلة سينضج فنيا و ثقافيا ،وهذا ما يخلق نحاتا متميزا فليست الدراسة الأكاديمية و حدها تصنع فنانا لا بد من خوض التجربة العملية. هل تقلق علي مستقبل النحت في مصر ؟ بالعكس تماما فأنا متفائل جدا ومطمئن ، فلم تكن مصر فى فترات قريبة لديها مجموعة بقوة و مهارة المجموعة الموجودة الآن من النحاتين ،و علي مدى 21 عاما تخرج عشرات الفنانين فى سيمبوزيوم أسوان علي أعلي مستوى من الحرفية و الموهبة وهذا ما يجعلني علي يقين أن النحت في مصر باق و سيزدهر . في رأيك أين الخلل بين الشارع المصرى وفن النحت ؟ من الصعب تصنيف الشعب المصري او توصيفه فهو يحتوى على جميع الطبقات و الثقافات و الأطياف ،فهناك من يتذوق فن النحت و يذهب للمتاحف و المعابد الفرعونية ويجد في ذلك متعة و هناك من يشاهدها و لا يشعر بشئ و هناك من يرفضها جملة و تفصيلا، فلا نستطيع أن نمسك طرف الخيط ونقول هنا يكمن الخطأ فالخلل موجود و لكن ما سببه ونحن أصحاب الحضارة و الأعمال الصرحية التي دامت آلاف السنين ، ومازال حتي اليوم هناك متوجسون و قلقون . هناك حدائق نحتية في أمريكا و اليابان فهل من الممكن اقامة مثل هذه الحدائق في مصر ؟ لكل بلد ما يميزها و ظروفها المناخية و طبيعتها المختلفة وثقافة شعبها فلا نستطيع أن نأخذ تجربه ما بحذافيرها وننقلها هنا ،وإن كنت أجد أن المتحف المفتوح بأسوان يقوم بهذه الوظيفة فهو مكان مفتوحا يحتوي على أكثر من مائة وسبعين عملا فنيا لكبار الفنانين العالميين يطل علي مشاهد خلابة مثل النيل و الخضرة و مرتبا بطريقة يسهل معها التجول بداخله فمصر لديها الكثير أيضا . لماذا أنت بعيد عن العمل العام و ما سبب رفضك للمناصب السياسية ؟ الأفضل للفنان أن يظل فنانا فقط ، و أنا لا أصلح للعمل العام, فحياتي تتمحور حول الإبداع ، استيقظ من نومي فأتوجه إلي أعمالي و أحجاري ،حتي إذا راودني حلم أو فكرة ما أحققها من خلال أعمالي فليست لدي هذه «الشطارة السياسية» فلا استطيع العيش في مكاتب مكيفة و سيارات مصفحة فأنا عاشق للطبيعة و الحرية . لما لم ينشأ حتي الآن اتحاد النحاتين المصريين وهو الحلم الذي راود الكثير من الفنانين منذ سنوات عدة ؟ لا أعلم لماذا تأخر إنشاؤه كل هذه السنوات، وأعتقد وجود مثل هذا الاتحاد سيكون مفيدا جدا لنا خاصة مع ازدياد أعداد النحاتين في مصر ،ولكنه يجب أن يقوم علي سياسات واضحة ، و أن يضم جميع فئات النحاتين و أن يقوم برعايتهم و أن يكون هو صوتهم و أن يكون له دور فعال و مؤثر.