وسط صخب وضجيج الأزمة الطاحنة بين نقابة الصحفيين ووزارة الداخلية، مر علينا مرور الكرام اعلان الرئيس عبد الفتاح السيسى، عزمه تقديم كشف حساب عامين أمضاهما فى الحكم الشهر المقبل، ولعلها تلك هى المرة الأولى التى يتقدم فيها الرئيس طواعية بمثل هذا الكشف، إذ أننا تعودنا على ارتباط ظهور الرئيس وخطاباته بمناسبات قومية، أو طارئة يستعرض فيها بعض القضاياالمحلية والاقليمية والدولية الملحة، ولا مانع من أن يبعث فى ثناياها برسائل للداخل، أو الخارج، لكن لم يُقدم احد من رؤسائنا السابقين على بيان ما حققه وما لم يحققه خلال فترة ولايته، أو جزء منها. ربما يعود الاحجام عن هذا الاجراء إلى احساس معظم حكامنا فى سالف العصر والأوان بأنهم أكبر شأنا من أن يقفوا أمام الشعب الذى سيحاسبهم حسابا عسيرا على أفعالهم وقراراتهم التى اوردنا بعضها إلى التهلكة وكانت وبالا على المصريين، والاستثناء كان عقب هزيمة 67، حينما خرج الرئيس الراحل جمال عبد الناصر معلنا تحمله مسئولية حدوثها، واستعداده لترك الرئاسة، والعودة إلى صفوف الجماهير الغفيرة، غير أن الجماهير كان لها رأى مخالف، وطلبت منه البقاء فى منصبه، وكون الحاكم لا يستنكف ولا يهاب الوقوف أمام محكمة الشعب مصارحا اياها بما جرى وما سيجرى فإنها شجاعة وجرأة فائقة ومقدرة واجبنا الثناء عليها. الخطوة فى حد ذاتها لابد أن تكون موضع ترحيب وتشجيع، ونتمنى أن يُكتب لها الاستمرارية، بحيث يصبح لدينا نسخة مصرية من خطاب حالة الاتحاد الذى يلقيه الرئيس الأمريكى فى موعد محدد كل عام أمام الكونجرس، ويتناول فيه مشروعات وانجازات ورؤية ادارته لمجريات الأحداث، وما تنتوى فعله فى مقتبل الأيام. وإلى حد ما بمقدورنا التكهن بفحوى كشف الرئيس السيسى، وما سيتضمنه من استعراض مستفيض للمشروعات القومية التى تم الانتهاء منها، والأخرى قيد التنفيذ، وتحديث شبكات الطرق، وخطط التخفيف من مشكلة انقطاع الكهرباء عبر بناء محطات جديدة تستوعب الزيادة المطردة فى الاستهلاك، وتوفير مستلزمات البلاد من الوقود والغاز وغيرها من الموضوعات والقضايا المهمة المرتبطة بمشكلات المواطن اليومية، وسبل التغلب عليها سريعا. لا ريب أن كلام الرئيس عن هذه الجوانب وما يتعلق بها يشكل أهمية قصوى فى نظر المواطنين، وسوف ننصت إليه باهتمام بالغ، لكننى كمواطن أود الاستماع إليه وهو يتكلم أيضا عن أمور لا تقل فى أهميتها وحيويتها، منها ما طرأ من تطور فيما يخص الجانب المؤسسى، فدور المؤسسات خلال سنوات حكم الرئيس الأسبق حسنى مبارك، تراجع كثيرا، فلم يكن الوزير يقدر على اتخاذ قرار دون الرجوع للجهات الأعلى، وتوارت شجاعة اصدار القرار، والبرلمان لم يكن سيد قراره، المحصلة كانت تصلب شرايين المؤسسات التى هرمت، وكانت بحاجة ماسة لمن ينعشها ويجدد دماءها، ويجب على مؤسساتنا التخلص من ارثها القديم. هذا ما نريد سماعه من الرئيس الذى سيكون لديه بالتأكيد الكثير لقوله، ويجعلنا نطمئن إلى أن البلد يسير على الطريق الصحيح لبناء مؤسسات قوية لها قواعدها واسسها الراسخة المستقرة، ولا تتغير بتغير المسئول الجالس على قمتها، والرئيس السيسى يسعى جاهدا لتثبيت هذه القاعدة، لكن المشكلة أن المؤسسات لم تمتلك بعد الشجاعة الكافية للاستقلالية بدليل تراكم أزماتنا بدون أن تتدخل الأطراف المنوط بها مواجهتها لتطويقها، وبعضها كما نعلم كان يتم ابطال مفعولها بفضل التدخل الرئاسى، وهو ما حمل مؤسسة الرئاسة فوق طاقتها وتحملها، لأنها مطالبة بالقيام بادوار نيابة عن الأطراف الاصلية، التى لا تراعى مبدأ الفصل بين السلطات احد المطالب الرئيسية لثورتى الخامس والعشرين من يناير، والثلاثين من يونيو. ففى أزمة نقابة الصحفيين التى استفحلت بسبب سوء تقدير وتصرف بعض أعضاء مجلسها لم نر تحركا يعتد به من قبل الحكومة والبرلمان اللذين كان بيدهما نزع فتيلها بحكم الصلاحيات الممنوحة لهما فى ظل الدستور الحالى. أيضا آمل أن يتضمن كشف الحساب الرئاسى اشارة لشكل العلاقة المأمولة بين السلطة والإعلام، هل نريدها علاقة ود أم اشتباك وتضاد؟ فمن الضرورى أن يتسع صدر الحكومة ومجلس النواب للنقد وألا يضيقا به، مثلما تابعنا فى بعض المواقف. فالاعلام مهمته الكشف والاشارة إلى مواضع الخلل والفساد دون تجاوزات، أو توجيه اتهامات باطلة بدون سند لأشخاص ومسئولين ووزارات، فالاعلام أداة للبناء وليس التدمير، وسيكون من الخطأ محاولة ترويضه وادخاله بيت الطاعة، فذاك ليس فى مصلحة المجتمع ولا الحكم، ومن حقه نيل حرية الحركة وجمع المعلومات. أخيرا أود كمواطن أن اسمع من الرئيس عن الشوط الذى تم قطعه لاقامة دولة القانون، وأن رقاب الجميع خاضعة لسلطانه مهما علا شأنهم ومقامهم، وأن القانون هو السيد المطاع المهاب، وعندنا ما يبشر بوجود عزيمة صادقة لاقرار دولة القانون وترسيخها، ونحن نترقب كشف حساب الرئيس السيسى [email protected] لمزيد من مقالات محمد إبراهيم الدسوقي