يعد واحدا من العلماء والأولياء الذين لهم قدم صدق عند ربهم، قاد مسيرة الأزهر بنجاح وإخلاص، فنهض به مبنى ومعني، فى كل مجالاته جامعا وجامعة، فى الداخل والخارج، إنه الإمام الراحل شيخ الأزهر الأسبق الدكتور عبد الحليم محمود- رحمه الله- العالم والإمام المجدد الزاهد الذى تمر ذكرى مولده فى هذه الأيام. ولد الإمام الراحل الدكتور عبد الحليم محمود فى عزبة أبو احمد بقرية السلام بمركز بلبيس بمحافظة الشرقية فى الثانى من جمادى الأولى عام 1328هجرية الموافق 12من مايو عام 1910ميلادية، ونشأ فى أسرة مشهود لها بالتقوى والصلاح والعلم، التحق بالأزهر عام 1923ميلادية وحصل على شهادة العالمية منه عام 1932، ثم سافر الى فرنسا على نفقته الخاصة لاستكمال تعليمه، وبالفعل حصل على درجة الدكتوراه فى الفلسفة الإسلامية، ثم عاد إلى مصر وعين مدرسا بكلية اللغة العربية بالأزهر ثم أصبح عميدا لكلية أصول الدين، ثم أمينا عاما لمجمع البحوث الإسلامية، ثم وكيلا للأزهر ثم وزيرا للأوقاف وشئون الأزهر، وقد ترك الإمام الراحل ذكرى طيبة فى قلوب الناس فى الداخل والخارج، وأكثر من 60 مؤلفا فى التصوف والفلسفة، بعضها بالفرنسية، منها:أوروبا والإسلام، والتوحيد الخالص و الإسلام والعقل، وأسرار العبادات فى الإسلام، والتفكير الفلسفى فى الإسلام، والقرآن والنبي، والمدرسة الشاذلية الحديثة وإمامها، وفى 17اكتوبر من عام 1978 ميلادية انتقل إلى رحمة ربه بعد ان ملأ الدنيا علما ونورا. ويقول الدكتور أحمد عمر هاشم, عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر, إن الإمام الراحل الدكتور عبد الحليم محمود, شيخ الأزهر, كان إماما متفردا عاملا عابدا تقيا وليا من أولياء الله الصالحين، قال عنه الشيخ محمد الغزالى رحمه الله- حينما كنت أعمل معه فى كلية الشريعة بمكة المكرمة، وسمع نبأ وفاة الشيخ عبد الحليم محمود، إنه ختام أئمة السلف الصالح، فقد كان- الى جانب علمه واطلاعه وورعه وزهده- ذا استنارة فى إدارة العمل، فقد شهدته هو عميد كلية أصول الدين بالقاهرة، فقاده باقتدار وإخلاص ودقة، وشاهدته وهو أمين عام مجمع البحوث الإسلامية، فطوره واستحدث فيه مطبوعات وكتابات كان لها أكبر الأثر فى الناحية العلمية، كما عاصرته وهو وكيلا للأزهر، حتى صار شيخا له، حيث استقبل المسلمون فى مشارق الأرض ومغاربها نبأ اختياره شيخا للأزهر بانشراح وارتياح، لأنهم كانوا يثقون فى علمه وورعه وتقواه، وبالفعل كان عند حسن ظنهم جميعا، ووفقه الله إلى تطوير الأزهر، ونشر علمه من خلال التوسعة فى بناء المعاهد الأزهرية بشكل غير مسبوق. وأضاف: أحدث الإمام الراحل إصلاحا فى الأزهر هو الأول من نوعه, وكان له الفضل فى استحداث بعض المواد العلمية التى درست فى الأزهر منها علم التصوف, وقد تميز-رحمه الله- بأنه جمع بين العلم والعمل, وبين علم الشريعة والولاية وهو يعد من أولياء الله الصالحين، وقد تولى مشيخة الأزهر فى وقت اشتدت فيه الحاجة لإقامة قاعدة عريضة من المعاهد الدينية التى تقلص عددها، وأدرك الشيخ خطورة هذا الموقف فجاب القرى والمدن يدعو الناس للتبرع لإنشاء المعاهد الدينية, فلبى الناس دعوته وأقبلوا عليه متبرعين, ولم تكن ميزانية الأزهر تسمح بتحقيق آمال الشيخ فى التوسع فى التعليم الأزهري, وكان لصلاته العميقة بالحكام وذوى النفوذ والتأثير وثقة الناس فيه أثر فى تحقيق ما يصبو إليه, فزادت المعاهد فى عهده على نحو لم يعرفه الأزهر من قبل. دوره الوطني وعن دوره الوطنى يقول الدكتور أحمد عمر هاشم، إن فضيلة الدكتور عبد الحليم محمود شيخ الأزهر فى عام1973 كان مهتما بإسهام الأزهريين فى معركة العاشر من رمضان، وأنه استعان فى هذا الصدد بأساتذة جامعة الأزهر ورجال الدعوة لتعبئة الروح المعنوية لأبناء قواتنا المسلحة, وقبيل الحرب قد رأى رسول الله فى المنام يعبر قناة السويس ومعه علماء المسلمين وقواتنا المسلحة, فاستبشر خيرا وأيقن بالنصر, وأخبر الرئيس السادات بتلك البشارة, واقترح عليه أن يأخذ قرار الحرب مطمئنا إياه بالنصر، ثم لم يكتف بهذا, بل انطلق عقب اشتعال الحرب إلى منبر الأزهر الشريف, وألقى خطبة عصماء توجه فيها إلى الجماهير والحكام مبينا أن حربنا مع إسرائيل هى حرب فى سبيل الله, وأن الذى يموت فيها فهو شهيد وله الجنة, أما من تخلف عنها ثم مات فإنه يموت على شعبة من شعب النفاق. من الأئمة المجددين وفى سياق متصل، يؤكد الدكتور عبد الغفار هلال الأستاذ بجامعة الأزهر، أن الإمام عبد الحليم محمود-رحمه الله- كان عالما من العلماء العظام المجددين الذين تصدوا بكل حزم لكل من ينالون من الإسلام، أو الذين يشككون فى ثوابته، واقفا لهم بالمرصاد سدا منيعا يدافع عن الأزهر وعلمائه ومنهجه الوسطى المعتدل ومنزلته فى قلوب الناس، فهو شخصية قد شرفت بأن درس لى مادة الفلسفة الإسلامية، حيث عرف عنه تقواه وصلاحه وهما أساس الفتوحات الإلهية، فهو إذا كتب فى تفسير القرآن وصل إلى عمق بيان المعاني، وإذا كتب فى السنة المطهرة كان مجليا لها، يجلو لنا الجمال الذى يتصل بينبوع الوحى قبل أن يتصل بالألفاظ الظاهرية، حيث يشعرك وأنت تقرأ له بأنك معاصر للوحى وتعيش فى زمانه. وأضاف: كان الإمام الراحل-رحمه الله- مجددا عصريا، على درب الإمام محمد عبده، محافظا على ثوابت الدين، جابه الفكر بالفكر، والرأى بالرأي، وعمل على تطوير وتجديد مناهج الأزهر بما يناسب مستجدات العصر، بطريقة ميسرة للطلاب، ولم يكن واقفا أمام النصوص وقفة التقليد، وإنما ينظر إلى النصوص فى إطار ما يفتح الله عليه به، مما يجعل للدين صلة بأمور الحياة، فهو قد تعلم فى الغرب، كما تعلم فى الأزهر، وحاول جاهدا أن يأخذ أفضل ما فى الحضارة الغربية، بحيث تكون الحضارة الإسلامية رائدة لكل حضارات العالم، كما انه لم يكن واقفا أمام تيار المدنية، بل أراد أن يكون الدين له اثر فى الحياة العامة ليس بمعزل عنها، فقد عرض الإسلام عرضا جديدا، ساعده على ذلك نزعته الصوفية التى تشكلت بطريقة سليمة فى وجدانه، فانعكس ذلك على سلوكه وجوارحه قولا وفعلا، وذلك لان التصوف يؤدى إلى الصلاح والتقوي، مما أهله إلى أن يصبح إماما جليلا وعلما بارزا من أعلام التجديد والتصوف، ومؤلفاته شاهدة على ذلك، كما اهتم بنشر المعاهد الأزهرية، اهتم أيضا بنشر الكتاتيب والاهتمام بالقائمين عليها، من الناحية المادية والمعنوية.