يعود أصل مصطلح الحوار إلى اليونانية القديمة، حيث يتكون من مقطعين dia “عبر” و logos “الكلمة” وبالتالى مصطلح حوار dialogue يعنى “المحادثة” وتبادل الأفكار بين طرفين أو أكثر “فى لقاءات مباشرة”. وتعرفه قواميس اللغة العربية بأنه “مراجعة المنطق والكلام بين أطرافه” . ومع التقدم العلمى والتكنولوجى فى مجال ثورة الاتصالات والمعلومات ، حدثت نقلة نوعية هائلة فى آفاق الحوار، عبر الإنترنت وشبكات التواصل الاجتماعي، وصكت المصطلحات المعبرة عن أشكاله الجديدة، مثل “حوار الكثرة” و “الحوار التعددي” ، مع تعدد مستوياته محلياً أو إقليمياً وعالمياً. ولأن للحوار نوعيات كثيرة، تتحدد بناء على أطرافه ونوعياته وسياقاته، فلابد من أن نوضح أننا نركز هنا على الحوار الوطنى ، الذى نرجو أن يكون شاملاً وفعالاً، والذى بدأ بحوار الرئيس مع عدد من المثقفين. هذه البداية أرجو أن يتوازى معها شكل من ِأشكال حوار الكثرة والحوار التعددى المتخصص، لأنهما يسمحان بالمشاركة الواسعة فى الحوار الوطنى ، التى يصعب توافرها فى اللقاءات المباشرة، رغم أهميتها الشديدة بالنسبة لتحديد أجندات الحوار ودرجة تركيزه. وأظن أنها يمكن أن تحدث موجة حوارية مجتمعية طالما تطلعنا إليها، وستكون لو أحسن تنظيمها مكملة ومتكاملة ومثرية للقاءات المذكورة. ودون خروج عن الموضوع، من المهم أن نجتهد فى التعرف على ملامح “فلسفة الحوار الوطني” الحالي، التى تعكس رؤيته وأهدافه. لقد اجتهد الكثيرون فى صياغة نظرية للحوار dialogism ، لكننا بشكل إجرائى مباشر نود أن نطرح العناصر التالية: نراه «حوار مواجهة» ، يشتبك من متطلبات لمدى القصير ، مع وعى وإدراك لمتطلبات المدى المتوسط والطويل. حوار لمواجهة العديد من الحروب التى نخوضها، والظروف الاستثنائية التى نعيشها. الإرهاب على رأس ألوياتها، لكنه ليس وحده. بل ندعى أن إحداث نقلة نوعية، ذات قيمة مضافة عالية ، فى مجالات أخرى كالعدالة الاجتماعية ومحاربة الفساد وبطالة الشباب، بالإضافة إلى تحفيز المجتمع المدنى وتحسين نوعية حياة الفئات المهمشة، وتنظيم الإعلام المنفلت، ستساعد فى مواجهته، لو تمت فى المدى القصير المذكور، قائمة طويلة طال انتظارها، واقتراح إجراءات مواجهتها من أهم مخرجات الحوار. كما نرجو أن يكون “حوار مشاركة” يسمح لكل زهور الوطن أن تتفتح ، لذلك دعونا أن تكون له قنوات إلكترونية ، تنظم هذه المشاركة. بل ندعو أيضاً إلى أنشطة حوارية منتشرة فى قصور الثقافة ومراكز الشباب ووسائل الإعلام. إننا ندرك الاستحالة العلمية والعملية لاختيار “عينة ممثلة”إحصائياً لأية فئة من فئات المجتمع لتكون وحدها طرفاً فى الحوار الوطني، إلا إذا كانت منتخبة كأعضاء البرلمان والنقابات، كما ندرك أن الدولة لا تريده نخبوياً، ولكن بمشاركة النخبة الواعية بقضايا مجتمعها، هذه النخبة كانت تسمى بالطليعة، المرتبطة عضوياً بخيارات أهلها وتطلعاتهم إلى مستقبل أفضل. نريد مشاركة نخبة “تحيا مصر” شعاراً ومساراً، لأن بعض من يطلق عليهم لفظ النخبة لا ندرى من نخبهم. لذلك نتمنى أن يكون حواراً تشاركياً، فاعلاً ومتفاعلاً، تسهم فيه نخبة طليعية واضحة المعالم والسمات، وقواعد شعبية متحمسة فى كل المواقع. هذا الأمر ليس سهلاً، لكنه أيضاً غير مستحيل. كما أنه جدير بتجاوز الاستقطاب، وتشجيع الموجه الحوارية المجتمعية، التى ذكرناها، والتى تختلف وتأتلف من أجل الأهداف الوطنية الكبرى وحدها، لا من أجل أهداف أخرى ندينها. ثالثاً، نريده “حواراً منهجياً” ، ونعنى بذلك المنهج العلمى بالطبع، الذى ينعكس فى أجندته وينظم فعالياته ويحدد الأسلوب الذى نوظف به مخرجاته. ولعل من أهم عناصر المنهج المطلوب مفهوم الاستيعاب، كيف نصل إلى أوسع مساهمة ممكنة من القطاعات المختلفة من المجتمع فى عموم الوطن، دون أن نعنى بالشباب عدة فئات عالية الصوت، أو بالمثقفين عدة عشرات متكررة الظهور الإعلامي، وذلك على سبيل المثال لا الحصر، وإن كان مثالاً موحياً إلى حد كبير. أخيراً، نتوقع أن يكون “حواراً وظيفياً”، يقترن الفكر بالفعل، والعلم بالعمل، والمكاشفة بالمشاركة، لقد مررنا فى السنوات الأخيرة بتجارب غير موفقة للحوار الوطني، لا ندينها لحسن نوايا أصحابها ، ولا بأس من الاستفادة من دروسها. لكننا اليوم نبدأ حواراً لا بديل فيه عن النجاح، الذى نرى أن من أهم عوامله “الظهير الشعبي” الذى يسانده، الذى يرى فى نجاحه ضوءاً فى نهاية نفق الحروب الداخلية والخارجية التى فرضت علينا، والتى أعلن بفطرته الحضارية الرائعة أنه أهل لها. والله الموفق. لمزيد من مقالات د.احمد شوقى