أعتقد أن ما نشهده اليوم من خصومات سياسية تسببت فى إراقة الدماء التى حرم الله مرده الأساسى إلى عدم تحرير المصطلحات محل الخلاف بين أطراف النزاع. دليل ذلك أنك لو دققت السمع فيما يقال سوف تكتشف أن فريقا من الناس عايش على قديمه، وفهم السياسة كما فهمها الآباء والأجداد، وكما يفهمها الغرب المتحضر، ولأنه لا الآباء ولا الأجداد ولا الغرب المتحضر ولا أحد مطلقا يمكنه أن يستأثر بالحق المطلق، فقد خرجت علينا النخبة المصرية بمفاهيم جديدة للسياسة. ومساهمة منى فى إزالة هذا الاحتقان، أشارك بجهدى المتواضع فى تحرير بعض المصطلحات السياسية المستخدمة حاليا، وأحاول توضيح مفهوم كل فريق لها، لأن ما يعنينا ليس المصطلح بقدر ما يعنينا مدلوله. الأغلبية والأقلية: مصطلح الأغلبية كان قديما يقصد به الحزب الذى يفوز بأعلى نسبة من أصوات الناخبين، ويترتب على ذلك حقوق سياسية مستحقة لهذا الحزب، منها مثلا تشكيل الحكومة، مفهوم النخبة لهذا المصطلح هو أن كل أغلبية لا تعنى الأكثرية، وبالتبعية ليست كل أقلية تعنى القلة، عبر عن ذلك السياسى المجاهد حمدين صباحى، وعليه فإن هذه الأمور نسبية وتتغير مدلولاتها حسب الحاجة، فإن كانت الأغلبية ضد رغبتى واختيارى فهى بالتزوير والزيت والسكر واستغلال الفقر والأمية، وتعبر عن الجهلة وأسافل القوم، علما بأن نفس الأغلبية تحدث فى انتخابات الأطباء والمهندسين والمعلمين، بينما تعبر الأقلية عن النخبة والمثقفين الذين يعرفون مصلحة الوطن، لذلك يجب على الأكثرية النزول عند رأى الأقلية وإلا مارسوا "ديكتاتورية الأغلبية"، توجد براءة اختراع مصرية للمصطلح الأخير. المعارضة: فى كل دول العالم المتقدم سياسيا يتمحور دور المعارضة فيها حول إيجاد برنامج بديل للنظام الحاكم مع التركيز على إبراز نقاط التفوق الجوهرية لهذا البرنامج البديل، لا يمنع ذلك عندهم أن تكون هناك مساحات عمل مشتركة بين المعارضة والحكومة لأن مصلحة الوطن هى الهدف المشترك فى النهاية، لكن لأننا أكثر تقدما منهم فإن المعارضة لدينا لا تعترف أساسا بالنظام الحاكم، بل حتى لا تجلس معه على مائدة واحدة للحوار معتبرة ذلك نوعا من إعطاء الدنية فى أمرهم، الأخطر من ذلك أنها بدلا من النزول للشارع للعمل الشعبى والمجتمعى فإنهم مشغولون بإملاء أوامرهم عبر الفضائيات والتى تتلخص فى شروط تعجيزية هدفها إظهار الطرف الآخر بهيئة الديكتاتور الذى يريد أن ينفرد بالحكم. الرئيس المنتخب: هو شخص ساقته أقداره ليفوز بالمركز الأول فى الانتخابات الرئاسية، إلا أن هذا لا يكفى لكى يكون رئيسا شرعيا للبلاد، أو "رئيسا لكل المصريين"، ولتأكيد ذلك وحتى لا يصيبه الغرور بنجاحه، وجب تذكيره دائما أن نسبة فوزه لم تتجاوز ال90%، وكأنه لن يدخل طب ولا هندسة، ليس مهما أن النجاح بفارق ضئيل هو سمة الانتخابات النزيهة، حيث لا تظهر التسعات إلا مع وجود التزوير، المهم أننا نضغط عليه بذلك حتى نحصل منه على ما نريد. وحتى نختبر صلابة الرئيس المنتخب وجلده، فلا ينبغى مساعدته فى أداء مهمته، بالعكس يجب أن نجتهد فى إعاقته ما استطعنا إلى ذلك سبيلا، فإذا لم ننجح فى ذلك نختلق الأكاذيب والشائعات لتشتيت جهوده، فإذا لم تفلح ألبنا عليه المظاهرات الفئوية وحركنا ضده البلطجية وأولاد الشوارع، يتزامن مع ذلك أن تفض المعارضة يدها عنه وأن ترفض كل حوار يدعو إليه إلا بشروط تعجيزية، وحتى إن حدث ووافق على هذه الشروط التعجيزية نختلق أى حجة لرفض الحوار معه، حدث هذا نصاً من صاحب جائزة نوبل المناضل التويترى د. محمد البرادعى خلال محادثة هاتفية مع نائب الرئيس محمود مكى. الناشط السياسى: هو شخص لديه القدرة على سب ولعن كل وأى أحد، من المهم أن يكون لديه سابق خبرة فى إعداد واستخدام زجاجات المولوتوف وقاذفات الخرطوش، يشترط أيضا أن يكون لديه القدرة على إشعال النار فى ثلاث منشآت فى نفس الوقت الذى يتحدث فيه على الهاتف مع قناتين فضائيتين، وجنائيا يفضل من كان لديه عدد ثلاث قضايا تحرش على الأقل، ولدواعى التمويل السريع والمباشر يجب أن يكون لديه حساب جارى فى أحد البنوك، رخصة قيادة الونش غير لازمة ولكن تعطى أفضلية. العصيان المدنى: فى كل الدنيا يحدث العصيان المدنى عندما تعجز الحكومة عن تلبية احتياجات قطاع ما من القطاعات، فيقوم منسوبو هذا القطاع بالامتناع عن تأدية مهام وظائفهم بغرض الضغط السلمى على صانع القرار للاستجابة لهم. عندنا الوضع أكثر تقدما، إذ تعتقد نخبتنا المثقفة وإعلامنا الهمام أن العصيان المدنى يحدث حينما تقوم جماعة من الناس لأهداف خاصة بها هى فقط، وباستخدام الأسلحة البيضاء والسوداء وفوق البنفسجية، مدعومة بالجنازير أحيانا، لإجبار الموظفين على عدم الذهاب لأعمالهم، لا يشكل فرقا لديهم أن الموظفين أنفسهم غير راضين عما يحدث فضلا عن المواطنين، إلا أن هذا هو مفهوم العصيان المدنى عندهم، وإن كان عاجبك. الثورة: حتى تاريخ 11 فبراير 2011 كان مصطلح الثورة يرمز لحالة من الحراك الشعبى الذى ينتج عن انسداد القنوات الطبيعية لممارسة العمل السياسى، مما يلجأ المواطنون لأسلوب التجمهر فى الشوارع والميادين مطالبين بحقوقهم المسلوبة، هذا فى السابق، أما الآن صار مفهوم الثورة لدينا هو أى تجمع جماهيرى سواء كان نبيل الغاية والوسيلة أم لا، المهم أنه يحقق الضغط المطلوب على الحاكم لابتزازه سياسيا، هذا مع العلم أن أن جميع قنوات العمل السياسى مفتوحة وبنزاهة يشهد لها العالم. وهكذا يا سادة يتبين لنا أن مشكلتنا الرئيسية تكمن فى التباين الواضح فى فهم أطياف المجتمع المختلفة للسياسة ومصطلحاتها، لذا لزم توحيد هذه المفاهيم حتى نعيش فى تبات ونبات ونخلف نخب وناشطين وناشطات، وبارك الله فيما رزق.