محبوبا من الجميع، ومن كل الجنسيات التى تعامل معها، ويحترمه الجميع لدماثة الخلق والتواضع.. مع حسن التصرف وقوة القيادة ورجاحة العقل والذكاء الحاد، واحترام الخصم وعلى مدى 16 عاما، زار دول القارات الست عدة مرات لان طبيعة عمله تحتم عليه زيارة الدول المتأثرة بتغيرات المناخ، قاد ببراعة مؤتمر البيئة والتنمية فى المدينة البرازيلية ريو دى جانيرو. واستطاع بذكائه ان يخضع الدول العشرين التى تسيطر على مقدرات الصناعة والانتاج والثراء.. لدفع ضريبة الكربون المنبعثة من مداخن مصانعها.. لصالح دول العالم الثالث، استمع على مدى ثلاثة اسابيع الى وفود 192 دولة مشتركة فى المؤتمر. إنه د. مصطفى كمال طلبة رئيس برنامج الاممالمتحدة للبيئة - منتخبا - أربع دورات وكل دورة اربع سنوات. عاش حياته فوق السحاب وكان مكتبه فى الطائرة متخما بالمشاكل. بينما مكتبه فى العاصمة الكينية نيروبى لمقابلة وفود الدول لدعم تنميتها وحل متاعبها البيئية.. كان سفيرا مشرفا لاسم مصر فى توازناته السياسية مع الدول الكبرى لحل مشاكل الدول الفقيرة.. وكان يرى ان «حمى الأرض» والاحترار القادم مصدره الدول الفنية وتدفع ثمنه الدول الفقيرة، ونجح فى صياغة الاتفاقيات الملزمة للدول الفنية وعددها اكثر من 18 اتفاقية لدفع المليارات من الدولارات للدول المتضررة ومنها مصر بسبب تغول البحر على شواطئ ابوقير والاسكندرية ومطروح، وكان صاحب صياغة ووضع مفهوم التنمية المستدامة، وكان حريصا على الاستعانة بالخبراء المصريين كمستشارين له فى قضايا البيئة، بنفس قدر حرصه على الاحتفاظ بعلم مصر فى مكتبه، قاد أصعب المفاوضات لموافقة الدول على تعويض خسائر الدول النامية من جراء تغيرات المناخ، ان تاريخ هذا الرجل حافل بالانجازات رائع بالمهام الثقيلة متخم بالنياشين وعامر بالدكتوراه الفخرية من موسكو وبروكسل ولندن ونيروبى والمكسيك والصين وكوريا، وحصد 16 جائزة عن قضايا المياه والأوزون والتلوث البيئي، ونال شرف عضوية 15 جامعة وجمعية فى امريكا والسويد وانجلترا ومالطة واليابان. د. طلبه وهو اسمه الشهير به فى دول العالم بدأ وهج العلم عندما نال بكالوريوس العلوم قسم نبات بتقدير ممتاز مع مرتبة الشرف الأولى وعمره 22 ربيعا. تدرج فى كل الوظائف فى مصر من معيد الى استاذ الى وزير الى رئيس اكاديمية ومنحته مصر وسامى العلوم والجمهورية. ونال جائزة زايد الدولية للبيئة وجائرة ساساكاوا اليابانية للبيئة، وشرف برئاسة وعضوية 28 مجلسا وهيئة ولجنة ومنتدي. ومشاركته تلميذته وزوجته الوفية د. منال البطران الاستاذ بمعهد بحوث البناء، ورافقته فى رحلة المرض الى مدينة جنيف وكانت وعيونها على مسار العلاج فى جنيف تحرص على متابعة توأمها كمنال ومصطفى فى القاهرة واستذكار دروسهما. فقدت العروبة ومصر.. وعلوم البيئة عالما فذا، ترك خلفه 95 بحثا، 12 كتابا من ابرزها إنقاذ كوكبنا، 600 محاضرة ومقاله عن بيئة الارض، ومنحته الكلية الملكية الزمالة دون أن يطلبها بعد 40 عاما من تخرجه فيها، حضر ونظم وادار كل مؤتمرات البيئة الدولية فى ستوكهولم، وريو، وجوهانسبرج، صاحب مقولة شهيرة «على الملوث ان يدفع ثمن مالوثه». دافع عن الدول الفقيرة ونبه الى خطورة دفع الدول الغنية بالصناعات الملوثة للبيئة الى الدول الفقيرة. شجع جمعيات المجتمع المدنى لدخول حقول البيئة، من أبرز انشطته «حماية المستهلك» بعد ان غادر منصبه الدولى الى القاهرة، آخر اهتماماته قبل ان يودع نشاطه هو «شركات بيع المياه» المعبأة.. عندما فضح الشركات التى تغش العبوات بمياه طبيعية غير نقية وحركت هذه الشركات الدعوى ضده، ووضع اسماء هذه الشركات فى القائمة السوداء لحماية المواطن. يؤسفنى ان أقول إن مصر فقدت من خلال اربعين يوما اربعة رجال من عظماء مصر فى تخصصاتهم.. هم ابراهيم بدران الجراح العظيم الانسان، بطرس غالى السياسى المخضرم، محمد حسنين هيكل الكاتب الصحفي، ومصطفى طلبة عالم البيئة الشهير عزاؤنا ان مدارسهم وتلاميذهم سوف يحيون ذكراهم، ويسردون مآثرهم ويعرضون اعمالهم ويخلدون بصماتهم، لقد رحل د. طلبة عن دنيانا وظله فوق كوكبنا. لمزيد من مقالات وجدى رياض