رحل عن دنيانا منذ أيام قليلة، وتحديداً فى يوم الثامن والعشرين من مارس 2016،العالم الجليل والأستاذ الكبير الدكتور مصطفى كمال طلبة بعد عمر مديد اقترب من منتصف عقده العاشر، وكان مليئاً بالتألق والنبوغ والعطاء ليس فقط فى وطنه مصر، بل وعلى مستوى العالم بأسره من أقصاه إلى اقصاه، خاصة على مدار عدة فترات ولايات متعاقبة قضاها وتجدد خلالها اختياره كمدير تنفيذى لبرنامج الأممالمتحدة للبيئة المعروف باسم ال «يونيب» وهو أحد الأجهزة التابعة للأمم المتحدة وصاحب الولاية الأصيلة فى الموضوعات المتعلقة بقضايا البيئة على وجه الخصوص، ومقره الرئيسى العاصمة الكينية «نيروبى». وقد ولد الدكتور مصطفى كمال طلبة فى الثامن من ديسمبر من عام 1922، ثم تخرج فى جامعة القاهرة فى عام 1943، وبعد ذلك بخمسة أعوام كاملة حصل على درجة الدكتوراة من جامعة «إمبريال كوليدج» ذات الصيت العالمى الذائع بالعاصمة البريطانية لندن، وعقب ذلك أسس مدرسة علمية خاصة به وأصبح له تلاميذه فى مجال «الميكروبيولوجى» بكلية العلوم بجامعة القاهرة، كما أنه قام بالتدريس أيضاً بجامعة بغداد بالعاصمة العراقية خلال سنوات من عقد الخمسينيات من القرن العشرين. كذلك عمل لفترة فى مجال الخدمة المدنية بالحكومة المصرية، وتولى رئاسة اللجنة الأوليمبية المصرية خلال عامى 1971 و1972، ومن هنا تحديداً جاءت بداية معرفتى من سن صغيرة باسم الدكتور مصطفى كمال طلبة، وهى معرفة زادت، بل تضاعفت، لاحقاً فى ضوء ما لعبه من أدوار سواء بداية فى تمثيل مصر بشرف فى المحافل الدولية أو عقب ذلك عندما تولى مسئولية إحدى المنظمات الدولية المهمة لفترة ممتدة زمنياً كما سيرد ذكره لاحقاً. وفى عام 1972 على وجه التحديد، تولى الدكتور مصطفى كامل طلبة رحمه الله تعالى مهمة وشرف تمثيل مصر فى المؤتمر الدولى الشهير التابع للأمم المتحدة، والذى استضافته العاصمة السويدية استكهولم آنذاك، حول قضايا البيئة، والذى كانت أهم النتائج التى تمخضت عنه هى تأسيس «برنامج الأممالمتحدة للبيئة» باعتباره صوت الأممالمتحدة الداعم لجهود الدول، خاصة النامية، لتبنى سياسات رشيدة بيئياً والذى يقود جهود التوعية بأهمية وخطورة موضوعات البيئة وما تواجهه من أخطار على الصعيد الدولى والداعى إلى التوصل إلى معاهدات واتفاقيات وبروتوكولات دولية تستهدف الحفاظ على البيئة وحمايتها. وفور انتهاء مؤتمر استكهولم، تولى الراحل الكبير الدكتور طلبة منصب نائب المدير التنفيذى للجهاز الدولى الجديد فور إنشائه، وهو الوحيد الذى يوجد مقر إدارته الرئيسى فى القارة الأفريقية، وبشكل أكثر تحديداً فى العاصمة الكينية نيروبي. واستمر الدكتور مصطفى كمال طلبة رحمه الله فى هذا المنصب لمدة عامين تقريباً يعمل مع أول مدير تنفيذى للبرنامج وهو «موريس سترونج» ثم انتقل بعد ذلك لتولى منصب المدير التنفيذى للبرنامج الوليد، واستمر فى هذا المنصب لفترة تاريخية غير مسبوقة ولم تتكرر لاحقاً وامتدت زمنياً لسبعة عشر عاماً تقريباً تراوحت ما بين عامى 1975 و1992، وهى كانت فترة مليئة بلا جدال وبدون أى شك بمواجهة الكثير من التحديات من جهة وبتحقيق الكثير من الإنجازات من جهة أخرى، وذلك من الناحية الموضوعية والنوعية، بالإضافة إلى طولها المميز من الناحية الكمية والزمنية. وسوف يظل التاريخ يذكر للدكتور مصطفى كمال طلبة رحمه الله أنه دفع بالاهتمام بالاعتبارات البيئية إلى مقدمة أولويات المجتمع الدولي، سواء على مستوى الفكر أو على مستوى الحركة، وفى عهده وتحت قيادته تحققت أعظم إنجازات وأروع نجاحات برنامج الأممالمتحدة للبيئة، وتحديداً التوصل إلى اتفاقية فيينا فى عام 1985، ثم تتويج ذلك عبر التوقيع التاريخى فى عام 1987 على أول اتفاقية دولية لحماية طبقة الأوزون، وهى ما باتت تعرف عالمياً باسم «بروتوكول مونتريال». وقد تشرفت بالتعرف على العالم المصرى العالمى الجليل الأستاذ الدكتور مصطفى كمال طلبة فى عقد الثمانينيات من القرن العشرين، ورأيت عن قرب أيضاً منذ ذلك الوقت مقدار التقدير والاحترام والإجلال الذى تكنه قامات كبيرة فى دوائر السياسة والإعلام والعلوم، خاصة علوم البيئة، على الصعيد الدولى لهذه الشخصية التى تمثل فى حد ذاتها قيمة مصرية عالمية أضافت لرصيد مصر الكثير على الصعيد الدولى وشرفت وطنها، وصار اسمها رناناً يتذكره العالم بكل ما يستحقه من تبجيل، ويتذكر العالم معه دائماً أنه مصرى تربى وتعلم فى مصر، وكانت له سنوات عطائه لمصر، من مواقع تبوأها، سواء وهو داخل الحدود أو خارجها، بالإضافة إلى عطائه الأوسع والأرحب للإنسانية جمعاء، خاصة من خلال دفاعه عن البيئة والحياة على وجه الأرض، وبشكل أكثر تحديداً رغبته ونضاله من أجل توفير نوعية راقية لهذه الحياة تليق بالبشر الذين كرمهم الله وخصهم وكلفهم بخلافته على أرضه. لمزيد من مقالات د.وليد محمود عبد الناصر