تكتسب الطبقة الوسطى فى المجتمع أهمية كبري، لأنها القوة الدافعة والقلب الصلب لأى بلد، تضم بداخلها جميع الفئات المهنية للشعب، وهى قاطرة التنمية والمركز الأساسى والرئيسى فى الحراك المجتمعى، لارتفاعها عن «حال العوز» وهو ما يمنحها الاستقلال وثبات الموقف والشراكة ومسئولية بناء الدولة ومحاسبة الحكومات. هذه الطبقة تقف على خط المواجهة وتعانى منذ سنوات طويلة حالة «تآكل وتفكك» نتيجة ظروف اقتصادية دولية انعكست على مصر وفرضت نفسها جبراً وترتب عليها غلاء المعيشة والسكن والدواء وتدنى الرواتب والخدمات، وقام الشعب بثورتين بهدف إعادة الإصلاح والبناء وتحقيق العدل وتكافؤ الفرص والحفاظ على هذه الطبقة التى تعتبر عماد المجتمع والإنتاج وروح الدولة, كما جاء بيان الحكومة الذى يرسم خريطة المستقبل لهذا الشعب، وفى القلب منه الطبقة المتوسطة. من جانبنا نحاول من خلال هذا التحقيق أن نقدم قراءة وتحليلاً فى البيان لوضع الأمور فى نصابها الحقيقى حفاظاً على الطبقة المتوسطة وأملاً فى بناء اقتصاد دولة تمثل رقماً بين الأمم وعلى المستوى الدولي.. فمصر تستحق ذلك عن جدارة واستحقاق.. يرى المستشار الدكتور حسن عبد الكريم الجمسى أستاذ القانون الجنائى أن البيان خلا من وجود رؤية إستراتيجية لتحقيق أهداف محددة فى فترة زمنية معينة، فجاء معبراً عن أمنيات دون تحديد آليات أو معدلات زمنية للتنفيذ، كما لم يذكر مصادر التمويل التى تستند الحكومة اليها فى تنفيذ برامجها التى طرحتها، وعلى الرغم من تعهدها بتحقيق العدالة الاجتماعية للفئات الأكثر احتياجاً والطبقات الفقيرة فى المجتمع، لكنها لم تضع أية آليات لتطبيق هذا التعهد على أرض الواقع خاصة فى ظل الغلاء المستمر فى الأسعار الذى نشهده فى الوقت الحالى وارتفاع أسعار الكهرباء وخروج كثير من المواطنين من تحت مظلة الدعم. ويؤكد أن مفهوم العدالة الاجتماعية الصحيح ليس مقصورا على تقديم الدعم وخفض الأسعار فقط ، ولكنه يرتبط بضرورة وجود حزمة من السياسات المتكاملة والمتوازنة فى الدولة، وهى لا تتوافر فى بيان الحكومة، ومن أهم تلك السياسات هو حق الطبقات الفقيرة فى التعليم المتميز، وهو ما يجب أن تقوم به الحكومة عن طريق رد الاعتبار للمدارس الحكومية، وتوفير خدمات طبية جيدة؛ لأن كثيرين من الشعب يعانون تدنى مستوى الخدمة الطبية فى كثير من المستشفيات الحكومية. وكان يجب أن يتضمن بيان الحكومة وضع استراتيجية محددة، واضحة المعالم لمكافحة الفساد والمحسوبية والرشوة، كما أن الموازنة العامة للدولة تعرف على أنها ترجمة لإنجازات الدولة والحكومة بالأرقام، غير أن المؤشرات والمعدلات التى تم الإعلان عنها فى البيان لا تستند إلى سياسات مالية أو نقدية حقيقية ، ولا تنحاز للبسطاء بأى شكل. خطط طموحة ويؤكد المستشار الدكتور حسن عبدالكريم الجمسى أن الحكومة قدمت خططاً وأهدافاً طموحة، وهو ما يعكس الإرادة نحو الإصلاح، لكن زالإرادة وحدها لا تكفيس بل يجب أن تصاحبها إدارة سليمة وحقيقية لتحقيق الأهداف والنتائج الإيجابية. ويرى أن الحل يكمن فى تطبيق اقتصاد حر فى ظل إدارة متميزة، تفسح الأولوية لرأس المال الوطني، ووضع سياسات للترشيد، ومحاربة الفساد وزيادة الإنتاج والتصدير، ووضع أو رسم خريطة استثمارية لاقتصاديات الوطن، يكون الأصل فيها رأس المال الوطني. الطبقة الوسطى إلى زوال ومن جانبه يرى الدكتور جودة عبد الخالق الخبير الاقتصادى ووزير التضامن الاجتماعى الأسبق أن الطبقة الوسطى تعرضت للتآكل على مدى ال 20 عاماً الأخيرة، ولم يعد لها صوت مؤثر فى الساحة السياسية. ويؤكد أنه يجب تقديم رؤية واضحة لمواجهة موجة الغلاء والتضخم ، ويتحقق ذلك من خلال سياسات محددة مرتبطة بتوقيتات زمنية وتكلفة ومصادر للتمويل. ووصف الخبير الاقتصادى انهيار الجنيه أمام الدولار بمثابة زلزال، مشيراً إلى أنه أمر مفزع وتستحيل معه السيطرة على التضخم، وهو الأمر الذى يؤدى بدوره إلى تآكل الدخول الثابتة للطبقة المتوسطة، فيزيد التآكل والانهيار لها. ويأمل د. جودة عبد الخالق أن تعى الحكومة أهمية وضع وطبيعة الطبقة المتوسطة، لأن البديل لها هو زيادة العشوائيات فى كل مكان، وأنه من الضرورى لصلاح الدولة المحافظة على هذه الطبقة، من باب الحفاظ على النسيج المجتمعى ، فهذه الطبقة فى حاجة إلى حمايتها من العولمة وزيادة الفكر الرأسمالى الكاسح للطبقة المتوسطة فى كل الدول، والإصلاح هنا يتم فى إطار وضع حزمة من السياسات الاقتصادية والاجتماعية مسئولة ورشيدة، ونحتاج إلى رؤية لمشروع قومى يكون محوره الأساسى هو «الإنسان». الموازنة العامة أما الدكتور مختار الشريف الخبير الاقتصادي، فيرى أن بيان الحكومة الذى تقدم به المهندس شريف إسماعيل أمام مجلس النواب بيان طموح جداً، لكنه يحتاج لتحديد مصادر التمويل والتكاليف المطلوبة لتحقيقه. ويؤكد أن الموازنة العامة للدولة لا تستطيع أن تلبى أو تحقق كل مطالب الناس بشكل كامل، ذلك لأن عجز الموازنة الجديدة من المتوقع أن يبلغ 309 مليارات جنيه، وهى الموازنة التى ستبدأ فى 1/7/2016 فضلاً عن بند الأجور الذى يقدر وحده ب 218 مليار جنيه ، خاصة أن مصر تلتزم الآن بسداد كل الالتزامات الدولية من القروض وخدمة الدين. وقال : الأمل فى أن تخرج مصر من عنق الزجاجة خلال عام ، ويبدأ الناس يشعرون بتحسن فى الأحوال الاقتصادية وتتجاوز الدولة ما هى فيه من أزمات اقتصادية، خاصة أن الأحوال السياسة بدأت فى التحسن. إعادة التوازن ويرى المستشار القانونى يحيى قدرى أنه توجد طبقتان أساسيتان يتعين أن يتوجه لصالحهما جميع المشروعات المخطط للقيام بها، وهما الطبقتان الفقيرة والمتوسطة، وذلك لإعادة التوازن الاجتماعى للمجتمع، أن تخلق هذه المشروعات فرصاً لكل طبقة منهما حتى ترتقى من خلال العمل والتعليم والإنتاج إلى الطبقة الأعلى منها، وصولاً إلى الطبقة الغنية أو الثرية داخل المجتمع، وبهذا الشكل يكون لدى المواطن الأمل والحافز الكبيران للعمل، فضلاً عن استبعاد فكرة الحقد الطبقى لإحساس المواطن بأنه يمكن تعديل وتحسين وضعه من طبقة إلى طبقة، وأن ذلك أمر طبيعي، وعليه أن يعمل من أجله من خلال المشروعات الجديدة، ويكون من المستبعد أن يحقد على طبقة يرغب فى الانتقال إليها ويعمل جاهداً للانضمام لها، وهذا كله يكون متاحاً عند الاهتمام الكامل بالمشروعات الصغيرة والمتناهية الصغر والمشروعات الكبرى ذات العمالة الكثيفة، وهذا ما نحتاجه خلال هذه الفترة، على أن يتم بعقول وجهود مصرية خالصة تعمل من أجل الوطن فقط. ويطالب بضرورة أن تدعم الدولة الطبقة المتوسطة حتى تكون قادرة بذاتها على العيش بكرامة والتحمل، وتعود إلى المكانة التى كانت عليها فى الماضى ، عماد المجتمع فى التطور والتنمية، وتحصل على كامل حقوقها فى الترقى والوظيفة والاستثمار. بيان بروتوكولي ويرى المستشار نبيل عزمى عضو مجلس الشورى السابق أن بيان الحكومة بروتوكولى جاء على نظرية زالنسخ من البرامج القديمةس ولو راجعنا برامج نظيف والجنزورى فسنجد أن البرنامج جاء ناسخاً لها، وهو يحتوى على رءوس موضوعات فقط، ولم يضع آلية لتنفيذ الموضوعات التى طرحها. وبناء على هذا البرنامج فإن الطبقة الوسطى أصبحت فى مهب الريح، على حد تعبيره ، مع فرض الجباية عليها من قبل الحكومة بشكل مستمر على كل من بها مما يضعفها أكثر وأكثر، وكان يأمل من الحكومة أن تفعل العدالة الانتقالية باعتبارها حقاً وليس منحة، فهى حق يؤدى للمواطن، والفقراء والبسطاء من أبناء الشعب ينتظرون خدمات ملموسة فى الاقتصاد والصحة والتعليم والدخل.