انبثقت حكومة فايز السراج عن اتفاق السلام، الذى وقع فى مدينة الصخيرات المغربية فى ديسمبر من العام الماضى برعاية الأممالمتحدة، وقام بالتوقيع عليه أعضاء فى برلمان طرابلس وبرلمان طبرق شرقاً. لكن ذلك التوقيع تم بصفة شخصية. وولدت حكومة الوفاق الليبية استنادا إلى بيان تأييد وقع عليه مائة نائب من أصل 198 نائباً، هم عدد أعضاء برلمان طبرق المعترف به، وذلك بعد أن فشل هذا البرلمان فى عدة مرات فى عقد جلسة للتصويت على منحها الثقة. وكان السراج وأعضاء حكومة الوفاق الوطنى قد وصلوا من تونس بحرا قبل أسبوع إلى ميناء العاصمة الليبية طرابلس، وذلك بعدما أغلقت حكومة الإنقاذ الوطنى المجال الجوى لمطار طرابلس، ومنعت طائرة حكومة الوفاق من الهبوط فى مطار العاصمة. لم يكن اتفاق الصخيرات متوازنا، وكان مليئاً بالثغرات والنقاط التى أصبحت تمثل اليوم عقبة كبيرة فى طريق تنفيذ الاتفاق على أرض الواقع. والمؤكد هو أن مجريات المشهد السياسى الليبى يتحكم فيها كثير من اللاعبين على الأرض ذلك من جهة، وفى المواقع السياسية من جهة أخرى، ويتابع الليبيون والمجتمع الدولى بأكمله الدور الذى تلعبه تلك الأطراف فى مرحلة شديدة الأهمية والخطورة، لا سيما أن حكومة التوافق برئاسة السراج التى دخلت إلى العاصمة طرابلس، تواجه مخاطر حقيقية منها إصرار مجلس النواب الليبى على أن هذه الحكومة لا تتمتع بأية شرعية، حتى تحصل على ثقة المجلس، وكذلك مدى التزام الأطراف الليبية التى تمثل وتعتنق ما يوصف بالفكر السلفى الجهادي، بقواعد اللعبة السياسية الدولية التى أمنت دخول السراج وحكومته إلى العاصمة. ويرى كثير من المراقبين أن المسئول عن المشهد الملتبس فى ليبيا هو المجتمع الدولى، وكذلك أعضاء فى المجلس الرئاسى الذين يتحملون مسئولية دخول حكومة السراج إلى طرابلس. ويعتقد سياسيون ليبيون بارزون منهم المستشار عقيلة صالح رئيس مجلس النواب أن دخول المجلس عن طريق البحر بهذه الطريق فيه إهانة. وفى تطور ذى دلالة كبيرة أعلنت حكومة الإنقاذ الوطنى فى العاصمة الليبية طرابلس غير المعترف بها دوليا تخليها عن السلطة. وبعد قرار حكومة طرابلس، أصبح فى ليبيا بحكم الأمر الواقع حكومتان بدلا من ثلاث هما حكومة الوفاق، وسلطات فى شرق البلاد كانت تحظى باعتراف دولى قبل تشكيل حكومة الوفاق، وتحثها الأسرة الدولية الآن على التخلى عن السلطة، وهو ما يفتح الباب أمام مخاطر التقسيم وتهديد وضع المؤسسة العسكرية الليبية. وهكذا سرعان ما حظيت حكومة الوفاق بدعم سياسى واقتصادى كبيرين مع إعلان بلديات مدن فى الغرب وفى الجنوب الولاء لها، ونيلها تأييد المؤسسات الحكومية المالية والاقتصادية الرئيسية، وهى المصرف المركزى والمؤسسة الوطنية للنفط والمؤسسة الليبية للاستثمار فى طرابلس. وفى ظل تسارع صراع القوى السياسية الليبية أمرت حكومة الوفاق الوطنى فى ليبيا أمس كل المؤسسات، باستخدام شعارها وبالحصول على موافقتها فى كل النفقات، وأمرت حكومة الوفاق الوطنى المصرف المركزى بتجميد كل الحسابات العائدة إلى وزارات ومؤسسات عامة بينها مؤسسات تابعة لشرق البلاد وأخرى لطرابلس، وسيتعين على هذه المؤسسات الحصول على موافقة حكومة الوفاق الوطنى للحصول على نفقاتها. كما تلقت حكومة الوفاق مزيدا من الدعم الخارجى مع إعلان سفارات عدة دول البحث فى إعادة فتح سفاراتها فى العاصمة. ويعمل المجتمع الدولى الآن بقوة على استقرار حكومة السراج بشكل كامل فى طرابلس لمساندتها فى مواجهة خطر تمدد تنظيم داعش فى ليبيا ومكافحة الهجرة غير الشرعية من السواحل الليبية نحو أوروبا. وقد زار مارتن كوبلر رئيس بعثة الأممالمتحدة بليبيا طرابلس واجتمع بالمجلس الرئاسى لحكومة الوفاق، وتزامنت زيارة كوبلر مع زيارة مماثلة للمبعوث التركى إلى ليبيا أمر الله إشلر. وحذر إبراهيم الدباشى مندوب ليبيا الدائم فى الأممالمتحدة، رئيس مجلس النواب عقيلة صالح من فرض عقوبات دولية عليه فى حال عدم دعمه حكومة الوفاق. وهكذا فإن مخاطر جمة ومصيرية لا تحيط فقط بحكومة الوفاق الوطنى برئاسة فايز السراج، لكنها ربما تلف المشهد والمستقبل الليبى برمته.