حملت لنا الأنباء أخيرا شائعة مزعجة عن وفاة الشاعر الكبير محمد الفيتوري (1930) وهو النبأ الذي نفاه اتحاد الكتاب السودانيين ناسبا الشائعة إلي وسائل الإعلام الالكتروني دون التحقق من صحتها. خاصة أن الشاعر الكبير المقيم الآن في الرباط بالمغرب يعاني من حالة صحية متدهورة وقد نفت سولارا ابنة الشاعر المقيمة في ليبيا الخبر بشكل قاطع بعد أن سارع بعض الأدباء والنقاد إلي رثاء الفيتوري! وكأن شائعة وفاة شاعرنا العربي الكبير قد سقطت علينا لتنبهنا إلي أنه لا يجوز لأمة أيا كانت أن تنسي رموزها في زحام الأيام وزخمها فالأمم العظيمة لا تحيا بغير شعراء عظام في مثل قامة وقيمة محمد الفيتوري السوداني الليبي السكندري المصري. ولعل أهم ما يميز شاعرا كبيرا كالفيتوري أن قارئه لا يستطيع أن يفرق في شعره بين ما هو شخصي وقومي أو بين ما هو شخصي وعام, فهو يمزج دائما بين الاثنين لأنهما ممتزجان بالفعل في شخصيته, وللشاعر الكبير ضمن انتاجه أربع مسرحيات منها اثنتان مكتوبتان نثرا هما: يوسف بن تاشفين, والشاعر واللعبة, ومسرحيتان شعريتان هما: أحزان أفريقيا (سولارا) وثورة عمر المختار, إضافة إلي12 ديوان شعر نشرت في ثلاث مجموعات شعرية: الأولي والثانية في لبنان, والثالثة في القاهرة وهي: أغاني أفريقية (28 قصيدة) وعاشق من أفريقيا (30 قصيدة) واذكريني يا أفريقيا (18 قصيدة) وسقوط دبشليم (وهي قصيدة طويلة مؤلفة من 30 مقطعا) والبطل والثورة والمشنقة (15 قصيدة) وابتسمي حتي تمر الخيل (15 قصيدة) وأقوال شاهد إثبات (12 قصيدة) ومعزوفة لدرويش متجول(14 قصيدة) ويأتي العاشقون إليك (17 قصيدة) وقوس الليل قوس النهار (38 قصيدة) وأغصان الليل عليك (11 قصيدة). وقد حصل الفيتوري علي عدد من الأوسمة والجوائز منها وسام الفاتح العظيم من الدرجة الأولي من ليبيا ووسام التقدير الأدبي من العراق والوسام الذهبي للعلوم والآداب من السودان وجائزة كفافيس للشعر العربي. وعن شعر الفيتوري يقول الدكتور حامد طاهر ان الفيتوري كان يعكف علي صياغة مفردات صوره الشعرية بدءا من تكوين أوصاف تخلع علي الجماد طابع الحياة أو تضفي علي الأحياء خصائص الموت أو يعطيها لونا حيث لا مكان في العادة لقبول اللون ومن ذلك مثلا قوله: القمر الميت, الوتر الخجول, النحلة الذهبية, الياقوتة الميتة, الدجي الأبنوسي, الشتاء الرمادي, الأفق الارجواني, السكون الجليل والبرق الملثم. وقد تميز الفيتوري, أطال الله في عمره, بشاعرية عظيمة اعتمدت علي ثلاث ركائز هي موهبة شاسعة وتكنيكا فنيا محكما ورسالة شعرية بما يريد له أن يصل إلي الناس. ومن شعره ما لا يزال ينبض وسيظل بصدق العاطفة وحرارتها حين يقول: جمال المرأة لا يزهو إلا بحب الرجل! أو عندما يصور حالة تمر بها بعض المجتمعات العربية الآن فيقول: حين يسود الوهن/ ويبطئ الشهود والقضاة والزمن/ ينفلت القاتل/ والمقتول.. يدفع الثمن!!.. ويقول أيضا وأقولها معه: ماذا يبقي للإنسان إذن/ لو ماتت كلمات الشعراء؟!