لا تكاد أي صحيفة يومية تخلو من خبر، أو تصريح حكومي، أو تحقيق صحفي، يتعلق بمشكلة «القمامة».. تلك المعضلة التي تتصدر جدول أعمال حكومات متعاقبة على مدى سنوات طويلة.. وبعد أن بحت أصوات أبناء المهنة للمسئولين بأن «عودوا للجمع السكني من جديد، وارفعوا من الشوارع تلك الصناديق التي لا تسمن ولا تغني من « نظافة « ، ها هي أخيرا وزارة البيئة قد انتهت من إعداد منظومة جديدة تقوم على فكرة جمع القمامة من داخل العمارات السكنية، كما كان الحال في السابق، قبل دخول الشركات الاجنبية في عام 2002، على أن تقوم بالمهمة ، شركات وطنية عصرية بدلا من «الزبالين» الأصليين الذين توارثوا المهنة أبا عن جد.. ورغم أنهم طوروا أنفسهم ذاتيا، كما سيكشف لنا عزت نعيم- أحد أبرز أبناء المهنة، إلا أنهم مازالوا يعملون في إطار محدود، ولم تلتفت الدولة لخبرتهم بعد.. في هذا الملف نسلط الضوء على المنظومة الحكومية الجديدة التي ستدخل حيز التنفيذ في أبريل المقبل، وفي المقابل نستعرض جهود الزبالين على مستوى القاهرة الكبرى، والتي نرجو عدم تجاهلها والاستفادة منها في المراحل المقبلة في المنظومة الجديدة، عند تعميمها على الاحياء السكنية المختلفة. يحيى عبد الله مدير إدارة المخلفات فى وزارة البيئة: قرار إنشاء جهاز المخلفات الصلبة صدر نوفمبر الماضى ولم يتم تشكيله بعد في نوفمبر الماضي، أعلن مجلس الوزراء عن إنشاء جهاز جديد لتنظيم إدارة المخلفات الصلبة، بحيث يتم الاستفادة من المخلفات بأنواعها المختلفة، كما هو معمول في كل دول العالم، من خلال جهة واحدة مسؤولة ، بدلا من الجهود المشتتة بين مختلف الوزارات، وهي خطوة إيجابية، ظن كثيرون أنها مفتاح الحل. “الأهرام” التقت المهندس يحي عبد الله – رئيس الادارة المركزية للمخلفات البلدية والزراعية في وزارة البيئة- للوقوف على وضع هذا “الجهاز” بعد مرور أربعة أشهر على الإعلان عن إنشائه، فكشف لنا عن أن تشكيل الجهاز لم يتم الانتهاء منه بعد، إلا أنه صدر قرار في يناير الماضي بتعيين الدكتورة فاطمة محسن رئيسا له، و من المقرر الإعلان عن تشكيله قريبا بعد اعتماده من الجهاز المركزي للتنظيم والادارة. عبد الله أوضح أنهم حاليا يستكملون الخطوات التي كانت قد بدأتها د.ليلى اسكندر عندما كانت تتولى وزارة التطوير الحضري والعشوائيات بعد أن تم إلغاؤها الان، وتابع:” مستمرون في منظومة الجمع السكني في ثلاث محافظات هي الإسماعيلية وبورسعيد وكفر الشيخ،وقد نجحت التجربة بنسبة 80% في تلك المحافظات” .. سألناه عن سبب اختيار تلك المحافظات تحديدا لتطبيق المنظومة الجديدة رغم “مأساوية” الوضع في محافظات أخرى كالقاهرةوالجيزة والاسكندرية على سبيل المثال، فأوضح أنه لا يعلم السبب، سوى أنه اختيار الوزيرة السابقة وأنهم يستكملون ما بدأته، أما بخصوص القاهرة فلن يطبق بها أي نظام جديد قبل عام 2018 بعد انتهاء عقود الشركات الاجنبية في نهاية العام المقبل. واعترف عبد الله أنه لم يكن هناك أي إنفاق على إدارة المخلفات الصلبة طوال السنوات الماضية، رغم وجود الخطط التي تخلص الجمهورية بأكملها من المشكلة، وقال:” أذكر أننا في عام 2007 كنا بحاجة ل 2 مليار جنيه لكن تعذر توفيرها.”ويوضح عبد الله أن هناك 8 مدافن صحية للمخلفات على مستوى الجمهورية، من أصل 52 مدفنا كان قد تم تحديد مواقعها على الخرائط “. ويتابع:” المنظومة الجديدة سنبدأها في محافظة الجيزة ، والمرحلة الأولى في إمبابة وهي منطقة مكتظة سكانيا، و تم الاستقرار على الشركات التي ستقوم بالمهمة ، وحاليا نحن في مرحلة إنهاء اجراءات التعاقد، وعلى أصحاب الشركات الاخرى التي ترغب في المساهمة أن تستعد للمراحل المقبلة، سواء في الجيزة، أو لاحقا في القاهرة، وقد اخترنا شركات لها خبرة وجذور في ممارسة المهنة، إذ قامت بتجميع العاملين في المهنة أصلا، وأعتقد أن التجربة في إمبابة ستتضح نتائجها خلال ستين يوما من بدء العمل". مدير إدارة المخلفات أكد أن المنظومة الجديدة لن يترتب عليها أي رسوم إضافية علي وصل الكهرباء، وسيتمثل دور وزارة البيئة في متابعة التنفيذ من خلال أجهزة الجي بي اس الموجودة في سيارات النقل لمتابعة خط سيرها ، أما هيئة النظافة والتجميل فدورها إلى جانب الرصد وكنس الشوارع، هو نقل المخلفات من المحطات الوسيطة - قطعة أرض فضاء في كل حي – ومن ثم إلى مصانع التدوير والمدافن، أما الشركات فدورها يقتصر علي الجمع السكني ثم النقل الي المحطات الوسيطة. "شارع نظيف" هو طموح وزارة البيئة في الفترة المقبلة، هكذا قال المهندس يحي ، وهو ما يراه قابلا للتحقق بعد البدء في جمع أكياس القمامة من أمام الشقق السكنية ونقلها الى المحطة الوسيطة ومن ثم الى مصنع التدوير، بحيث لا ترى أكياس القمامة نهائيا في الشوارع. الامر الثاني هو الاهتمام بتدوير أكبر قدر من المخلفات وبالتالي تقليل الكمية التي يتم دفنها، ولذلك يسعون لتشجيع الاستثمار في مجال تدوير المخلفات . حتى الآن يوجد علي مستوي الجيزة خطان في شبرامنت وخط في أبو رواش، اما بالنسبة لعودة الخنازير ، فشدد عبد الله على تصريحات وزير البيئة السابقة بأنه لا مانع من الاستفادة منها إذا كانت ستفيد المنظومة ،لكن حتي الآن لا توجد موافقات رسمية أو تصاريح بعودتها. عزت نعيم ابن المهنة: نجمع 60% من قمامة القاهرة الكبرى ..والخنازير تعود على استحياء الزبالون يرفعون 60% من قمامة القاهرة الكبرى".. حقيقة يفصح عنها عزت نعيم-51 عاما- أحد أبرز أبناء المهنة وعمل بها أبا عن جد.. تلك الحقيقة تعني أن "الزبالين" الذين تم اقصاؤهم منذ عام 2002 عقب دخول الشركات الاجنبية، هم في الواقع من يقومون بتخليص القاهرة القمامة من قمامتها، ويتبقى 40 % ، نراها متراكمة في الشوارع وهي التي من المفترض أن يرفعها "الخواجات" –على حد تعبيره، متسائلا:" ما بالنا لو كان قطاع الزبالين قد توقف تماما عن العمل؟!" . ويفصل لنا نعيم بالأرقام حديثه قائلا:" يجمع زبالو منشية ناصر وطره و15 مايو من محافظة القاهرة يوميا آلاف طن من أصل 14 ألف طن، بينما يجمع زبالو" المعتمدية والبراجيل" الفي ونصف الطن من أصل خمسة الاف طن تنتجها المناطق الحضرية في محافظة الجيزة، أما زبالو "عزبة النخل" فيجمعون من مناطق الزيتون وعين شمس والمطرية بالاضافة إلى المناطق الحضرية في القليوبية نحو ثلاث آلااف طن يوميا، فيكون الإجمالي نحو 14 ألف ونصف الطن من أصل 24 ألف طن تنتجها القاهرة الكبرى يوميا. المرحلة الثانية تتمثل في فرز تلك القمامة ما بين بلاستيك بأنواعه المختلفة كل حسب الصناعة التي سيعاد استخدامه فيها لاحقا، وعلب معدنية " كانز" ، وزجاج، وأقمشة، وورق، وغيرها. يقول نعيم:" هناك 350 ورشة لاعادة تدوير القمامة في عزبة النخل، و100 ورشة في المعتمدية والبراجيل ، و750 في منشية ناصر ليكون الاجمالي 1200 ورشة يعاد فيها تدوير 85٪ من المخلفات التي يتم جمعها. لكن نعيم كشف عن أن نسبة تتراوح بين 10 الى 15% من الزبالين في كل منطقة، عادت لتربية الخنازير من جديد، وهو ما جعلهم يجمعون قمامة الطعام أيضا بعد أن كانوا يتجنبونها أثناء الفرز. ومن المعروف أن 60٪ من المخلفات تكون من بواقي الاطعمة ، فبدأ الزبالون في جمعها، وتتغذى عليها الخنازير، بهدف تسمينها وبيعها للجزارين المسيحيين، وعليها إقبال كبير خاصة في منشية ناصر ،سواء من قبل أهالي المنطقة، أو الزائرين لدير سمعان الخراز الذي تأتيه الالاف من كل مكان ،وتحديدا في المناسبات الدينية. نعيم الذي تمكن من تنظيم قطاع الزبالين في منشية ناصر عبر إنشاء 85 شركة (كل شركة تضم من 10 الى 15 زبال)، يحكي عن لقائه بوزير البيئة الحالي مع عدد من أبناء المهنة المعروفين عقب الاعلان عن تشكيل جهاز المخلفات االصلبة ، وعرضوا رغبتهم في المشاركة واستفادة الدولة من خبرتهم في المجال، فيقول:" عرض علينا الوزير الحصول على قطعة أرض في صحراء 15 مايو ، بحيث يتم تحويلها إلى منطقة صناعية لإعادة تدوير المخلفات، ونتكفل نحن الزبالون بتحمل كل التكالبف، ماعدا الأرض التي ستوفرها القوات المسلحة، وتقوم الدولة بإدخال المرافق، على أن نقتسم الارباح مع الدولة، وبالطبع لم يكن العرض مجزيا بالمرة، فنحن من سنتحمل كل تكاليف الانشاءات ، ويكفي المكان المتطرف الذي يعني زيادة مصاريف ووقت النقل، كما أن مهمة الفرز ستصبح أصعب،إذا كان يقوم بها أطفال الزبال وزوجته في منزلهم. سألناه لماذا لم تستمر تجربة الجمع السكني في الدقي والعجوزة، وهي التجربة التي بدأوها مع د. ليلى اسكندر فكان رده بأن كل وزير جديد لابد أن يلغي ما قبله! وأضاف نعيم كاشفا :" هيئة نظافة وتجميل الجيزة حاربت زبالينا، الذين تعاقدوا من خلال شركاتهم الصغيرة مع المحافظة، سعيا منها لاستغناء المحافظة عنهم وإدخال شركات أخرى "صديقة" ، والمشكلة أن هيئة النظافة هي التي كانت مكلفة من قبل المحافظة بكتابة التقرير الخاص بأداء شركاتنا، فلا تكون لصالحهم. كما لم تلتزم المحافظة في التعاملات المادية، فمن يكون له 12 ألف جنيه يحصل منهم على خمسة فقط وبعد تأجيل لعدة أشهر، بينما نجحت التجربة في المحافظات الثلاث" الاسماعيلية وبورسعيد وكفر الشيخ" لعدم وجود هيئات للنظافة وإشراف الوزير مباشرة ورغبته في إنجاح التجربة، بالاضافة إلى أن الزبالين السريحة " الغلابة" هم الذين يتولون العملية برمتها دون وجود وسيط كهيئة للنظافة كما هو الحال لدينا، ودون وجود متعهد، وهي التجربة التي سيتم للأسف تطبيقها في إمبابة، ومشكلة المتعهد أو "المعلم" أنه صاحب شركة ، ويعمل لديه زبالون، فاذا كان سيحصل من كل شقة على 9 جنيهات يعطي الزبال جنيها ونصف الجنيه، وهو مبلغ لايسمن ولايغني من جوع، ولذلك لن يلتزم الزبال وسيتمرد على المتعهد، ويفشل في مهمته أمام هيئة النظافة، إلا إذا دفع الساكن للزبال أجرا اضافيا غير ما يقوم بدفعه على فاتورة الكهرباء، وهو أمر مستبعد في حي فقير نسيبا مثل امبابة. أما في التجربة التي كنا قد بدأناها في عهد د. ليلى اسكندر، فلم يكن هناك وسيط، بل كان الزبالون هم أصحاب الشركات والمعدات. ونتمنى أن يتم الالتفات لتجربتنا والاستفادة منها عندما تنتهي عقود الشركات الاجنبية في القاهرة. تشجيع الشباب .. كلام جرايد
في ردهات وزارة البيئة التقينا أحمد وصديقه جرجس، كانا يرغبان في تعاقد شركتهما الصغيرة مع الوزارة لتدوير القمامة ، بعد ان علما من الصحف عن فتح باب التعاقد، إلا أن الوزارة وجهتهما لمحافظة الجيزة وقدما طلبا هناك ، ومع حديث أحمد مع الموظفين هناك علم أن المحافظة تعاقدت بالفعل مع ثلاث شركات كبيرة لمدة ثلاثة اشهر ،وقيل له له بالحرف" طلبك هيتركن" . أحمد يرى ان كلام المسؤولين عن تشجيع الشباب ليس سوى تصريحات للاستهلاك الاعلامي، وفسر قائلا:"عند التنفيذ على أرض الواقع نواجه بشروط تتنافي تماما مع قدراتنا كشباب في مقتبل حياتنا العملية وقدراتنا المالية، فكيف لشاب يبدأ مشروعا أن يتولى نظافة مربعات سكنية ضحمة، تحتاج الى رأس مال لايقل عن المليون جنيه؟! ثم يقال أن الشباب كسول ولا يرغب في العمل؟!