مساء أمس الأول دمعت عيون المصريين، حزنًا على 18 نفسا زكية طاهرة فقدناها فى هجوم إرهابى جبان خسيس فى العريش، لتلحق بقافلة طويلة من الشهداء الأبرار الأنقياء من قواتنا المسلحة والشرطة المدنية الذين جادوا بأرواحهم، حتى ننعم أنا وأنت وأهلنا جميعا براحة البال، وبالأمن، والاستقرار الذى تريد حفنة من الإرهابيين المأجورين تقويضه، وإشاعة الفوضى والخراب، لكى يرضوا أسيادهم خارج الحدود الذين يغدقون عليهم الأموال والسلاح. وكعهدنا، كلما نزلت بنا نازلة تفجعنا فى مربع عمليات مكافحة الإرهاب بالعريش، والشيخ زويد، ورفح يتغلب الاندفاع والحماسة على إعمال العقل، والرؤية الكلية الثاقبة للأحداث، فتخرج أصوات زاعقة داعية للانتقام والضرب بلا شفقة، حتى لو استدعى ذلك إخلاء شمال سيناء بنقل سكانها لمناطق أخرى داخل البلاد، ثم دكها دكا على رءوس الإرهابيين الأوغاد، ومهاجمة أوكار للإرهاب فى قطاع غزة الذى يطعن بلدنا فى ظهره عبر شبكات الأنفاق العنكبوتية التى يعبر من خلالها الكارهون والحاقدون للمحروسة ومعهم عدتهم وعتادهم من المتفجرات والأسلحة التى توجه لصدور جنودنا وضباطنا فى أرض الفيروز. فى خضم مثل هذه الدعوات وغيرها تتوارى عن الأذهان حقائق لا يجوز إغفالها أو تجاهلها، من بينها أن معركتنا مع الإرهاب ليست مرتبطة باطار زمنى يحدد موعد انتهائها واعلان الانتصار المبين فيها، فهى ممتدة ونجاحها مرهون بالنفس الطويل، ولو استعرضنا المشاهد والوقائع التالية لثورة الثلاثين من يونيو سنتيقن من أن الإرهاب فى سيناء يتراجع ويلملم أذيال الخيبة والعار تحت وقع الضربات المحكمة المدروسة لقوانا الأمنية، وأشدد على كلمة المدروسة، وما يحدث من حين لآخر من هجمات إرهابية ليس سوى محاولات يائسة لاثبات الوجود من جماعات الشر، والتلاعب والمتاجرة بالدين، وأنها لا تزال على قيد الحياة، وجاهزة لتقديم خدماتها التخريبية لمَن يُمولها ويُخطط لها. الحقيقة الثانية أن القوة الباطشة ليست الحل، فما أيسر أن تستخدم القوات المسلحة ما تحت يدها من عناصر قوة مدمرة تزلزل كيان المخربين، ولا ترحم صغيرًا ولا كبيرًا وسيصبح لديها عذرها ومنطقها المقبول، فلا رحمة مع أناس يهددون أمننا القومي، ولا يتوقفون عن إيذاء المدنيين وقتلهم، والهجوم على القوات الأمنية، لكن الواقع العملى يؤكد أن قواتنا المسلحة تدير معركتها مع الإرهاب بأخلاق الفرسان النبلاء، فهى تلتزم بآداب وتعاليم سامية بدليل أنها توجه أسلحتها لأماكن ومخابئ الإرهابيين فقط مع أنهم يتحصنون بالمناطق السكنية، وتتحاشى تماما الحاق أذى بأى شخص ليست له صلة بإيواء المجرمين القتلة، فتلك هى عقيدتها العسكرية المبنية على القتال بشرف وفداء فى مواجهة عدو لا يعرف الشرف ولا الأخلاق وليس له عهد ولا ذمة، وسيكون من الهالكين إن شاء الله. لذلك تلاحظ أن حركة القوات المسلحة بالمواقع القاطن بها الإرهابيون تكون دقيقة ومركزة وبناء على معلومات مؤكدة، فجيشنا مؤسسة وطنية تلتزم بقيم ومبادئ لا تحيد عنها حتى فى أصعب وأحلك المواقف والمواجهات، وعندما تتعامل مع الأخطار فإنها تضع تلك الأسس نصب عينيها. اما الحقيقة الثالثة الواجب أن نفطن اليها ولا نقفز فوقها فهى أن تحرك الإرهابيين فى سيناء وتباهيهم بقتل خير أجناد الأرض لا ينفصل عن المخطط الكبير والأخبث الذى تنفذه قوى وأطراف دولية وإقليمية للضغط على مصر وحصارها على طول الخط بموقف الدفاع وليس الهجوم، وإعاقتها بشتى السبل عن النهوض الاقتصادى والسياسي، واسترجاع مكانتها اللائقة المستحقة إقليميًا ودوليًا. فتسخين جبهة سيناء موظفة للتخديم على الحملة المكثفة على القاهرة حاليا بشأن ملف حقوق الإنسان، وآخر الحلقات كانت جلسة عاصفة بالأمم المتحدة فى جنيف جرى خلالها المطالبة بتشكيل لجنة دولية لتقصى أوضاع حقوق الإنسان فى بلادنا بدعوى تزايد الانتهاكات وما تسميه الاختفاء القسرى. السادة الأفاضل لم نضبطهم يدعون لتشكيل لجنة مماثلة لزيارة معتقل «جوانتانامو» الأمريكي، ولا معتقل قاعدة «باجرام» الأمريكى أيضا فى أفغانستان، للوقوف على ما يجرى فيهما من انتهاكات وعمليات تعذيب يندى لها جبين البشرية المعذبة، ولم نرهم يطالبون بزيارة سجون فى القارة الأوروبية تمارس فيها أبشع أنواع التعذيب والانتهاكات، لكن تركيزهم كله ناحية مصرنا. لا نقول إن كل شيء تمام، أو أنه لا توجد أخطاء واجبة الحساب والمراجعة فى ملف حقوق الإنسان لكنها ليست بالكثرة ولا بالشيوع الذى تروج له منظمات فى الداخل والخارج، وبعض هذه المنظمات ليست إلا دمية فى يد جماعة الإخوان الإرهابية وداعميها، وتعد وسيلة من بين وسائل عديدة تستغلها لتشويه صورة مصر، واتخاذها ذريعة لمناشدة المجتمع الدولى التدخل فى شئوننا الداخلية، وفرض نوع من الوصاية علينا تشمل ارسال قوات دولية لسيناء لمحاربة « إرهابيى من تصفهم بعناصر داعش»، فمنفذو الهجمات على الأكمنة الأمنية، ومعسكرات القوى الأمنية يريدون الايحاء بأنهم مسيطرون على الأرض، بعدها تتلقف وسائل الإعلام العالمية الحدث وتحلله على اعتبار أن الدواعش يتمددون فى سيناء، وأنه لابد من التدخل الدولى السريع لمقاومتهم وتصفيتهم. وفى غمرة الانسياق خلف هذا التحليل المغرض الخبيث الذى تروجه وبكل أسف بعض صحفنا وكتابنا وفضائياتنا ننسى الإجابة عن التساؤل التالي: ما هى المساحة التى يتمركز فيها الإرهابيون من المساحة الكلية لسيناء ولمصر عموما؟ بالتأكيد ستكون مساحة لا تذكر وأقرب ما تكون لجحر فئران مذعورة تخرج من آن لآخر للبحث عن مصدر يبقيها حية، والدولة وأجهزتها تستطيع إن رغبت نسفهم فى لحظات، فالدولة تعرف أنها أكبر من أعداء الداخل والخارج، وأنه مر عليها عبر تاريخها العريق مَن هم أشد وأكثر بطشا من حفنة إرهابيى سيناء وتغلبت عليهم بصلابتها، وقوتها، وتكاتف أبنائها، وبمبادئها الانسانية، ونظرتها الشاملة لما يدور حولنا فى الإقليم وفى العالم، رحم الله شهداء كمين الصفا، وكل شهيد سقط دفاعًا عن الوطن الذى سيظل ثابتًا كالوتد لا تهزه الرياح والعواصف. [email protected] لمزيد من مقالات محمد إبراهيم الدسوقي