سئل رسول الله، صلى الله عليه وسلم: هل يسرق المسلم؟ قال: نعم، وهل يكذب؟ قال لا تلك الآفة التى حذر منها القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة، أصبحت واقعا يوميا وعادة يمارسها الكثيرون ليل نهار، فى محيط العمل والأسرة وعبر شاشات الفضائيات ووسائل الاعلام وصفحات التواصل الاجتماعي. والكذب آفة حرمها الإسلام لقوله تعالى فى كتابة العزيز: (إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِى مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذَّابٌ). وقوله تعالى (واجتنبوا قول الزور)، ومن علامات الساعة أن يكثر الكذب وينتشر بين الناس وقال الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم (وإياكم والكذب فان الكذب يهدى إلى الفجور وان الفجور يهدى إلى النار ولايزال العبد يكذب ويتحرى الكذب حتى يكتب عند الله كذابا). ويؤكد علماء الدين أن الكذب هو رأس الخطايا وبدايتها، وهو من أقصر الطرق إلى النار، كما قال النبى صلى الله عليه وسلم:»وإياكم والكذب فإن الكذب يهدى إلى الفجور وإن الفجور يهدى إلى النار وإن الرجل ليكذب ويتحرى الكذب حتى يكتب عند الله كذابا وعليكم بالصدق فإن الصدق يهدى إلى البر وان البر يهدى إلى الجنة وان الرجل ليصدق ويتحرى الصدق حتى يكتب عند الله صديقا». وأوضح العلماء أن الشريعة الإسلامية حملت لنا الكثير من الضوابط التى تحض المسلم على أن يكون صادقا مع نفسه ومع المجتمع. قال تعالى: «إِنَّمَا يَفْتَرِى الْكَذِبَ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِآَيَاتِ اللَّهِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْكَاذِبُونَ» (105) ، وعَنْ أَبِى أُمَامَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يُطْبَعُ الْمُؤْمِنُ عَلَى الْخِلالِ كُلِّهَا إِلا الْخِيَانَةَ وَالْكَذِبَ». ويؤكد الدكتور عبدالفتاح إدريس، أستاذ الفقه المقارن بجامعة الأزهر، إن الكذب كبيرة من الكبائر، وقد توعد الإسلام من يفعله بالعذاب الأليم يوم القيامة، بل إن الكذب يعد صفة من صفات المنافقين، ولهذا فإن النبي، صلى الله عليه وسلم، قال: (أربع من كن فيه كان منافقا خالصا، ومن كان فيه خصلة منهن كان فيه خصلة من النفاق حتى يدعها، ومن هذه الأربع إذا حدث كذب)، ولا يوجد فى الإسلام كذب أبيض أو أسود، وكل الكذب فى الإسلام من اللون القاتم الأسود، ولكن استثنى فى الإسلام بعض أنواع الكذب الذى يتحقق به صلاح الأسرة وصلاح حال المجتمع، ولهذا أبيح للزوج أن يكذب على زوجته لإصلاحها إذا كان يخشى النشوز، وآل الأمر بينهما إلى القطيعة التى تنذر بوقوع الطلاق، وأباح الشارع كذلك الكذب فى حال الحرب، ولهذا فإن النبي، صلى الله عليه وسلم، قال لأبى نعيم الأشجعى فى غزوة الخندق،.. ما عفاك تصنع كرجل واحد، ولكن خذل عنا ما استطعت« فانطلق أبو نعيم يشيع فى نفوس الأحزاب الثلاثة الوهم والخديعة والكذب حتى تفرق جمعهم وانتصر المسلمون بحيلته هذه، وهناك حالة من حالات الكذب المشروع وهى التى تباح لإصلاح ذات البين، وفيما عدا هذا من أنواع الكذب فهو غير مشروع، وإخراج الكذب فى أيام معينة أو فى شهر معين هو من الحرمة بمكان، ولهذا فإن النبي، صلى الله عليه وسلم، نفى أن يكون المؤمن كذابا حين سئل أيكون المؤمن كذابا قال لا يكون كذابا، وهذا دليل على أن الكذب لا يباح فى جميع الأحوال إلا ما استثناه الشرع، ومن ثم فإن ما يطلق عليه كذبة أبريل هو تقليد لمقولة غربية نهانا الشارع الحكيم عن اتباعها، وقال صلى الله عليه وسلم: (من تشبه بقوم فهو منهم) وهذا نوع من التشبه الذى لا ينبغى للمسلم أن يفعله. صور ممقوتة وفى سياق متصل يقول الدكتور رأفت عثمان، عضو هيئة كبار علماء الأزهر، إن الكذب هو إحدى الصفات السيئة لأى إنسان كان صغيرا أو كبيرا حاكما أو محكوما فالصغير إذا تعود الكذب ولم يقومه والداه نشأ وشب على هذه الصفة المرذولة وطبعت سلوكه فى أطوار حياته كلها وعمله وأسرته وعلاقاته بالناس وإذا اتصف بها فالكبير عرف الناس عنه ذلك فإنه هو الخاسر فى علاقته مع الأفراد والجماعات لأن الناس بطبيعتها وفطرتها السليمة لا تحب الكذاب ولا تأتمنه على الأشياء التى تحتاج الى الأمانة. والحاكم أيضا إذا كان كاذبا فى علاقاته مع الشعب فإنه يكون غاشا ولا تكون هناك علاقة المودة التى يجب أن تكون بين الحاكم والمحكوم وهذه الصفة السيئة يمكن أن تؤدى فى أحوال كثيرة إلى أمور خطيرة فى حياة الأفراد والجماعات فالذى يمشى بالنميمة مثلا بين الناس فهو فى الحقيقة متسم بصبغة الكذب لأنه يختلق أمورا لم تحدث تؤدى إلى الإضرار بعلاقات الناس بعضهم ببعض وربما أدى ذلك إلى هدم الأسر باختلاق أمر مسيء إلى أحد الزوجين ليس له نصيب من الواقع ويؤدى إلى قطع الصلات بين الأصدقاء وهذه الصفة المرذولة عدتها نصوص شريعة الإسلام احدى صفات المنافقين فقال صلى الله عليه وسلم: «آية المنافق ثلاث إذا حدث كذب وإذا وعد أخلف وإذا اؤتمن خان»، وفى رواية أخرى عد الرسول صلى الله عليه وسلم أربع صفات للمنافق وزاد على هذه الثلاثة :»إذا خاصم فجر». وإذا تأملنا هذه الصفات كلها نجد أنها ترجع فى حقيقتها إلى صفة الكذب فالشخص إذا وعد واخلف ما وعد به هو كاذب فى كلامه والخائن إذا خان الأمانة إذا هو كاذب فى سلوكه والمخاصم الفاجر فى خصومته هو كذاب كبير، ويتبين من هذا أن صفة الكذب احدى الصفات الشريرة وتتنوع صورها الممقوتة التى يجب أن يبعد كل إنسان يخشى الله نفسه عنها. مسئولية الأسرة والمدرسة وأضاف: إن الأسرة يجب عليها أن تقوم بواجبها نحو أولادها وتعودهم على الصدق فى الكلام والسلوك وإذا كذب احد الصغار فيمكن أن يعاقبه الوالدان العقوبة المناسبة لسنه كحرمانه من بعض المصروف مثلا أو من (الفسحة) فى الأماكن التى يحبها الأطفال وقبل ذلك لابد أن يكون الوالدان المثال الصادق لأولادهما، لأن الأطفال يشبون على ما رأوه فى أسرهم كما قال رسول صلى الله عليه وسلم ( كل مولود يولد على الفطرة وإنما أبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه)، كما يجب أن يكون المعلمون والأساتذة فى المدارس والجامعات متصفين بهذه الصفة وهى الصدق حتى تحصل القدوة الحسنة للتلاميذ وطلاب الجامعات والحياة فى الجو النظيف الطاهر ويجب أن يحذر كل إنسان من هذه الصفة السيئة ولنتذكر جميعا قول الرسول صلى الله عليه وسلم: (عليكم بالصدق فإن الصدق يهدى إلى البر وان البر يهدى إلى الجنة ولايزال الرجل يصدق ويتحرى الصدق حتى يكتب عند الله صديقا وإياكم والكذب فأن الكذب يهدى إلى الفجور وان الفجور يهدى إلى النار ولا يزال الرجل يكذب ويتحرى الكذب حتى يكتب عند الله كذابا). مواقع التواصل الاجتماعى ويرى الدكتور مختار مرزوق عبدالرحيم عميد كلية أصول الدين بأسيوط أن من أعظم الذنوب التى يرتكبها كثير من الناس فى حياتهم العامة والخاصة ولا سيما على مواقع التواصل الاجتماعى هو كبيرة الكذب وانتشارها بصورة مزعجة أحيانا تصل إلى الافتراء على شرع الله عز وجل وهذا الأخير يخرج من الملة لقوله تعالى (إنما يفترى الكذب الذين لا يؤمنون بآيات الله ..)، ونقول لإخواننا الذين يكذبون على غيرهم ويفضحونهم فى وسائل الإعلام وفى مواقع التواصل إن هؤلاء الذين كذبتم عليهم وفضحتموهم سيقتص الله سبحانه وتعالى لهم منكم ويعطيهم حقوقهم ولن تغنى أموالكم ولا أولادكم ولا جاهكم من الله شيئا ومما يجب أن نحذر منه الذين يكذبون على غيرهم ان النبى صلى الله عليه وسلم شدد فى تحريم الكذب ولم يرخص فيه إلا فى 3 أحوال جاء النص فيها من كلام النبى صلى الله عليه وسلم الأولى الكذب فى الحرب فلا يجب على القائد أن يعلن عما فى نفسه ولا عن أسلحته ولا عن خططه حتى لا يؤخذ على غرة، ثانيا الكذب فى الصلح بين المتخاصمين حتى لا تزيد العداوة بين الناس، ثالثا بين الرجل وبين زوجته، ومن هنا نقول لإخواننا ابتعدوا عن كل الكذب فلا خير فى مسلم يكذب على الآخرين والله تعالى يقول (يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين) ونهيب بكل المؤسسات التعليمية والتربوية وأولها الأسرة ان تعود أبناءها على الصدق وان تجنبهم الكذب وقد لقن النبى صلى الله عليه وسلم إحدى الأمهات درسا فى هذا الموضوع حيث رأى النبى صلى الله عليه وسلم امرأة وهى تنادى على طفل لها (تعال أعطك) أى تريد ان تعطى له شيئا فقال لها النبى ماذا أردت أن تعطيه فقالت له يا رسول الله أردت أن أعطيه هذا (شيء كان معها ) فقال النبى صلى الله عليه وسلم (لو لم تفعلى لكتبت عليك كذبة). ومثل هذا الدرس العملى من النبى صلى الله عليه وسلم يجب علينا أن نضعه أمام أعيننا لنعود أبناءنا وبناتنا على الصدق ونجنبهم الكذب. تغليظ العقوبات ولعلاج ظاهرة الكذب التى تفشت فى المجتمع يطالب الدكتور أحمد كريمة، أستاذ الشريعة الإسلامية بجامعة الأزهر، بتغليظ العقوبات فيما يصدر من كذب للمسئولين كذلك يجب على الأسرة تقويم السلوكيات المعوجة للأولاد منذ نعومة أظافرهم وعلى الدعاة فى المساجد والدعاة فى الكنائس إعلاء هذه القيمة الأخلاقية وهى الصدق وأيضا فى المؤسسات التعليمية ويجب تضافر جهود المعلمين والمربين والأساتذة فى كل المراحل التعليمية لإعلاء القيمة الإنسانية فى القول.