'إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذَّابٌ' 28- غافر المسرف في الكذب هو المستمر عليه المتحري له المستهين المستهتر به وبعواقبه فالله تعالي يعاقب الكذاب بأن يقعده ويثبطه عن مصالحه ومنافعه، ويثيب الصادق بأن يوفقه للقيام بمصالح دنياه وآخرته.. وخطورة الكذاب أن حاله يؤول للفجور وإذا فجر فقد ابتعد عن الهداية 'لا يزال العبد يكذب ويتحري الكذب, فتنكت في قلبه نكتة سوداء حتي يسود قلبه كله, فيكتب عند الله من الكذابين' - 28 قال رسول الله صلي الله عليه وسلم 'إن الكذب يهدي إلي الفجور والفجور يهدي إلي النار وما يزال العبد يكذب ويتحري الكذب حتي يكتب عند الله كذابا' - 29 ففي هذه الأحاديث حذر النبي صلي الله عليه وسلم من الكذب, وبين فيها عواقب وخطورة الكذب والتي منها 1- الكذاب المستمر علي الكذب المتحري له يكتب عند الله كذابا المراد بالكتابة الحكم عليه بذلك وإظهاره للمخلوقين من الملأ الأعلي وإلقاء ذلك في قلوب أهل الأرض 2 - الكذاب تنكت في قلبه نكتة سوداء حتي يسود قلبه أي الكذب يظهر ويؤثر في قلبه كله 3 – أنه يهدي إلي الفجور وبالتالي فجوره يهديه إلي النار الفجور لفظ جامع يراد به الانبعاث في مختلف أعمال الشر وأنواع المعاصي والآثام والتدفق إلي ارتكاب ما لا يحل للإنسان ارتكابه من عمل فهو الميل إلي الفساد, والكذاب عندما يحمله كذبه إلي ارتكاب أعمال الفجور هذه, أُلقي في الآخرة في النار عقاب علي ذلك ومن كان الكذب عنده خلقاً هان عليه أن ينكر الحق ولا يجد حرجاً في نفسه من ذلك بل ويدعي خلافه كذباً وبهتاناً استجابة لأهواء نفسه وتلبية لشهواته, كالمنافق وفي هذا التحذير من الكذب والتساهل فيه فإنه إذا تساهل فيه, كثر منه, فيعرف به فالكاذب سافل لأنه مكتوب عند الله كذاباً، وبئس هذا الوصف لمن اتصف به, إن الإنسان لينفر أن يقال له بين الناس يا كذاب, فكيف يقر أن يكتب عند خالقه كذابا، وإن الكاذب لمحذور في حياته, لا يوثق به في خبر ولا معاملة، وإنه لموضع الثناء القبيح بعد وفاته فالتهاون بالكذب عنوان الرذيلة فالكذبة الواحدة تخرق السياج الحائل بينه وبين الكذب حتي لا يبقي دونه حائل، فالكذب كغيره من المعاصي تستوحش منه النفس المطمئنة الراضية المرضية، فإذا وقعت فيه مرة, هان عليها شأنه, ثم تقع منه ثانية, فيهون عليها أكثر حتي يصبح كأنه سجية وطبيعة.. فقد دل كلام النبي صلي الله عليه وسلم علي أن خلق الكذب في حياة الإنسان قابل للاكتساب، وقابل للتنمية والترسيخ، عن طريق التدريب العملي المقترن بالإرادة الجازمة، فقد جاء في كلامه وما يزال الرجل يكذب ويتحري الكذب حتي يكتب عند الله كذاباًوتحري ممارسة الكذب ظاهرة من ظواهر الإرادة الجازمة.. وبتكرار ممارسة الكذب تكتسب العادة، ثم تتحول العادة إلي خلق راسخ، وعندئذٍ يُكتب عند الله كذاباً، ومن غدا كذاباً هانت لديه معظم أعمال الفجور، فدفع به الكذب إلي النار.. وإذا كرر الرجل الكذب حتي استحق اسم المبالغة بالوصف بالكذب, لم يكن من صفات كمال المؤمنين, بل من صفات المنافقين فخطورة الكذب أنه يبلغ صاحبه للوقوع في قوله صلي الله عليه وسلم 'إذا كذب العبد فجر، وإذا فجر كفر، وإذا كفر دخل النار' -31 لأن الكذب يركب في سلوك المرء أفجر الفجور وهو النفاق, ولما كان النفاق أفجر الفجور كان المنافق في الدرك الأسفل من النار وللمنافق علامات أساس معظمها الكذب.. إذا حدث كذب.. وإذا وعد أخلف.. وإذا عاهد غدر.. وإذا خاصم فجر.. وإذا أؤتمن خان. قال رسول الله صلي الله عليه وسلم 'آية المنافق ثلاث إذا حدث كذب وإذا وعد أخلف وإذا عاهد غدر' -32 وفي رواية 'وإن صلي وصام وزعم أنه مسلم'.. صدق رسول الله صلي الله عليه وسلم.. وكفانا الله شر الكاذبين، المنافقين، أصحاب الوجوه الكئيبة، والنفوس المريضة