محافظ دمياط تفتتح 5 مدارس جديدة احتفالًا بالعيد القومي (صور)    جامعة بنها ضمن أفضل 10 جامعات على مستوى العالم    اعتماد تنسيق القبول بالثانوي للحاصلين على الشهادة الإعدادية في الأقصر    الإحصاء: 869.4 مليون دولار صادرات مصر من الفاكهة في الربع الأول من عام 2024    أسعار النفط تعزز مكاسبها وسط تفاؤل بزيادة الطلب    مصر تعرب على خالص تعازيها للكويت بضحايا حريق المنقف    استعدادا للحرب.. وزير الدفاع الألماني يعلن عن خطته للتجنيد الإلزامي في الجيش    مبابى: أحلم بالحصول على الكرة الذهبية وهي أمنيتى منذ أن كنت طفلاً    اتحاد الكرة يعلن مواعيد مباريات الأهلي والزمالك وبيراميدز في دور ال32 من كأس مصر    موعد مباراتي الأهلي والزمالك في دور ال 32 لكأس مصر    موعد مباراة منتخب مصر المقبلة في تصفيات كأس العالم 2026    مباشر دورة الترقي - منتخب السويس (1) - (0) حرس الحدود.. سبورتنج ضد الترسانة    عاجل.. أول رد من اتحاد الكرة على رئيس إنبي بشأن واقعة التزوير    حبس عاطلين بتهمة حيازة عملات أجنبية مزورة ومخدرات بالمطرية    الجلسة سرية.. لعنة رحمة ونورة وأميرة تطارد سفاح التجمع.. المتهم يواجه المحكمة ب«هز الرأس» ومحاميه يتعهد بإنقاذه من حبل عشماوي    كشف لغز العثور على جثة مسنة بشبرا الخيمة وضبط المتهم    التفاصيل الكاملة لمزايا نظام التشغيل iOS 18 لأجهزة أيفون    إجازة المشاهير| «وفاء» هتحضر أكلة شهية و«نبيلة» هتفرق العيدية    شاهد، كواليس البروڤة الأخيرة لحفل آمال ماهر بالكويت الليلة    السبت أم الأحد..الإفتاء تحدد موعد وقفة عرفة رسميًا    بلغت السن المحدد وخالية من العيوب.. الإفتاء توضح شروط أضحية العيد    الصحة: إنشاء مبنى طوارئ مستقل ضمن مشروع تطوير مستشفى معهد ناصر    عامل يتسبب فى حرق زوجته خلال مشاجرة بكرداسة    الاتحاد السعودي يرصد رقمًا فلكيًا للتعاقد مع محمد صلاح    بلينكن: نؤكد استمرار العمل على وقف إطلاق النار في قطاع غزة    بلينكن: نعمل مع شركائنا فى مصر وقطر للتوصل لاتفاق بشأن الصفقة الجديدة    عاجل.. حقيقة وفاة طفل صغير أثناء فريضة الحج    الوفد: تنسيقية شباب الأحزاب نموذج ملهم للممارسة السياسية المتوازنة    مسئول أمريكي يشيد بجهود مصر لدمج ذوي الاحتياجات الخاصة وإعادة تأهيلهم    أُعيد البناء 12 مرة.. كيف تغير شكل الكعبة عبر التاريخ؟    أخبار الأهلي : أفشة يبحث عن عرض سعودي للرحيل عن الأهلي    برنامج تدريبي توعوي لقيادات وزارة قطاع الأعمال العام والشركات التابعة لها    ل برج الأسد والحمل والقوس.. ماذا يخبئ شهر يونيو 2024 لمواليد الأبراج الترابية؟    البورصة تستقبل أوراق قيد شركة بالسوق الرئيسى تعمل بقطاع الاستثمار الزراعى    مراسل القاهرة الإخبارية من معبر رفح: إسرائيل تواصل تعنتها وتمنع دخول المساعدات لغزة    مصرع طالب تمريض صدمه قطار عند مزلقان كفر المنصورة القديم بالمنيا    الأرصاد تحذر من طقس الغد، موجة شديدة الحرارة تضرب البلاد    محافظ المنيا يشدد على تكثيف المرور ومتابعة الوحدات الصحية بالمراكز لضبط منظومة العمل وتحسين الأداء    ما هي أسعار أضاحي الجمال في عيد الأضحى ومواصفات اختيارها؟ (فيديو)    رئيس الأركان يشهد مشروع مراكز القيادة الاستراتيجى التعبوي بالمنطقة الشمالية    «الصحة» تنظم ورشة عمل لتعزيز قدرات الإتصال المعنية باللوائح الصحية الدولية    بتوجيهات رئاسية.. القوات المسلحة توزع عددا كبيرا من الحصص الغذائية بنصف الثمن    عاشور يشارك في اجتماع وزراء التعليم لدول البريكس بروسيا    مسؤول إسرائيلى: تلقينا رد حماس على مقترح بايدن والحركة غيرت معالمه الرئيسية    في ذكرى ميلاد شرارة الكوميديا.. محطات في حياة محمد عوض الفنية والأسرية    الاستخبارات الداخلية الألمانية ترصد تزايدا في عدد المنتمين لليمين المتطرف    «متحدث الصحة» يكشف تفاصيل نجاح العمليات الجراحية الأخيرة ضمن «قوائم الانتظار»    شبانة: حسام حسن عليه تقديم خطة عمله إلى اتحاد الكرة    «أوقاف شمال سيناء» تقيم نموذج محاكاه لتعليم الأطفال مناسك الحج    السكة الحديد: إجراء بعض التعديلات على القطارات الإضافية خلال عيد الأضحى    الجنائية الدولية تطلق حملة لتقديم معلومات حول جرائم الحرب فى دارفور    «الإسكان» تتابع الموقف التنفيذي لمشروعات المرافق والطرق في العبور الجديدة    إي اف چي هيرميس تنجح في إتمام خدماتها الاستشارية لصفقة الطرح العام الأولي لشركة «ألف للتعليم القابضة» بقيمة 515 مليون دولار في سوق أبو ظبي للأوراق المالية    "مواجهة الأفكار الهدامة الدخيلة على المجتمع" ندوة بأكاديمية الشرطة    بطل ولاد رزق 3.. ماذا قال أحمد عز عن الأفلام المتنافسة معه في موسم عيد الأضحى؟    وزير الأوقاف يهنئ الرئيس السيسي بعيد الأضحى المبارك    نصائح لمرضى الكوليسترول المرتفع عند تناول اللحوم خلال عيد الأضحى    أول تعليق من حسام حبيب على خطوبة شيرين عبد الوهاب (فيديو)    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



المصريون والعنف
نشر في الأهرام اليومي يوم 11 - 05 - 2012

يشهد الواقع المصري أشكالا متنوعة من العنف المجتمعي لم تكن واسعة الانتشار كما هي الآن لدرجة أن الحديث عنه أصبح أمرا طبيعيا من مسلمات الحياة‏,‏ فلا تخلو صفحة الحوادث في كافة الصحف اليومية أو الأسبوعية من الحديث عنه‏,‏ فمثلا تكرار جرائم الخطف والبلطجة‏ ناهيك عن قطع الطرق... وهكذا تزداد الجرائم عنفا وتنوعا في أساليبها بصورة غير مسبوقة, لا تفرق بين متعلم وأمي, أو بين غني وفقير.
وتمثل هذه الظاهرة في جوهرها انتهاكا خطيرا لحقوق الإنسان قد تصل إلي حد المساس بأولي هذه الحقوق, الحق في الحياة, وتمتد إلي غيرها من قبيل الحق في السلامة الجسدية والنفسية والتي تكون موضع تعدد أشكال ودرجات متفاوتة من جراء أعمال العنف.
والعنف بوصفه ظاهرة فردية أو مجتمعية, هو تعبير عن خلل ما في سياق صانعها علي المستوي النفسي أو الاقتصادي أو الاجتماعي أو السياسي, دفعه هذا السياق الذي يعانيه نحو استخدام العنف, متوهما أن خيار العنف والقوة سيوفر له كل متطلباته, أو محققا له كل أهدافه. وفي حقيقة الأمر إن استخدام العنف والقوة في العلاقات الاجتماعية, تحت أي مسوغ كان, يعد انتهاكا صريحا للنواميس الاجتماعية التي حددت نمط التعاطي والتعامل في العلاقات الاجتماعية; لأن العنف بتداعياته المختلفة, وموجباته العميقة والجوهرية, سيصنع جوا وظروفا استثنائية وغير مستقرة, تعرقل الحياة الاجتماعية والسياسية والتنموية.
وعلي الرغم من اتفاق معظم الكتابات الاجتماعية والسياسية علي تأكيد الطابع المتسامح للشخصية المصرية فإن نوعا من التغير الملموس حدث في الملامح العامة لهذه الشخصية خلال السنوات الأخيرة.حيث جاء اتساع دائرة العنف التي تسود المجتمع المصري نتيجة لزوال القيم الروحية الأصيلة من التسامح وقبول واحترام الآخر, وسيادة قيم العدوانية والبغضاء, مع زوال قيم الإبداع والتجديد والابتكار. كما اختلفت قيمة الأسرة المترابطة وحل محلها صورة الأسرة المفككة, وتحولت قيمة احترام القانون إلي قيمة التحايل علي القانون فأصبح العنف موجودا علي المستوي المؤسسي كما هو موجود بين الأفراد مما أوصلنا إلي ثقافة العنف.
ويعتبر العنف ظاهرة معقدة تشترك في تفسيرها عوامل عديدة وتتفاعل معها متغيرات مختلفة يأتي في مقدمتها العوامل النفسية التي تؤثر بشكل مباشر أو غير مباشر علي حالة الأفراد في المجتمع, وتدفع بعضهم للقيام بأعمال عنف. ومن هذه العوامل علي سبيل المثال حالة الإحباط التي قد تصيب الأفراد في المجتمع, خاصة إذا كان الشخص القائم بأعمال العنف يواجه الإحباط علي مستويات متعددة.
ويلعب البعد الاقتصادي دورا كبيرا وأساسيا في ظهور بؤر العنف مع تعقد الحياة الاجتماعية المعاصرة, وتزايد أعبائها, وارتفاع تكاليف المعيشة, وكثرة الالتزامات المادية واستئثار فئة من ذوي النفوذ في المجتمع بالمال والثروة والتسلط السياسي والاجتماعي, فضلا عن ضعف أو انعدام تكافؤ الفرص في المشاريع والحقوق الاجتماعية المتمثلة في التعليم الجيد والعمل المناسب, والعلاج الصحي السليم, والسكن الملائم,... إلخ. حيث يشعر المواطن بفوارق اجتماعية كبيرة نتيجة الافتقاد لعدالة التوزيع المادي فيكون الوضع ملائما لتحريك العنف خاصة لدي الفئات التي تعاني الفقر المدقع. وللمناهج الدراسية دور في تعزيز ثقافة العنف إذا لم يكن في السياق الذي يستخدم فيه العنف واضحا وهو ما يتطلب تدقيق المعني والتمييز بين العنف المشروع وغير المشروع وحدود ذلك في برامجنا التربوية ومناهجنا التعليمية.
ومما لا شك فيه أن زيادة العنف وظهور صور جديدة له, كتنامي ظاهرة العنف الرياضي, تفرض علينا ضرورة الانتباه إلي المخاطر الكامنة في هذه الظاهرة, وضرورة ترشيد المجال الرياضي ونشر الثقافة الرياضية الحقيقية, وإعادة إنتاج القيم السامية التي ينبغي أن يقوم عليها التنافس الرياضي الشريف, واحترام الآخر, وتقدير موهبته, وزيادة مساحة التسامح معه.
كما تسهم وسائل الإعلام بشكل كبير في ترسيخ مفهوم العنف من خلال ما تبثه من برامج وأفلام وأعمال درامية تروج للعنف والعدوان بأنواعه المتعددة سواء اللفظي أو البدني,حيث يعطي للبطل الحق في أن يكون خصما وحكما في الوقت نفسه يسعي للحصول علي حقه بيده حتي لو قتل أو سرق في سبيل ذلك, كما أن اختيار أبطال تلك الأعمال الدرامية ممن يتسمون بخفة الظل يعطي للشباب نموذجا محببا للعنف يسعون فيما بعد للاقتداء به حينما تواتيهم الفرصة, وذلك كله يعني تنشئة مبكرة علي تقبل هذه الظاهرة وسلوك مسلكها.
أيضا أدي انسداد قنوات التغيير السلمي والشرعي إلي علاقة ملتبسة بين المواطن والسلطة, فهو يراها سلطة مستبدة يحمل تجاهها مشاعر الرفض والغضب وفي الوقت نفسه يداهنها ويخشاها, وشيئا فشيئا تحدث تشوهات في شخصية المواطن فإما أن ينفجر غضبه في أعمال عنف تجاه السلطة ورموزها, أو يزيح هذا الغضب تجاه غيره من المواطنين فيقهرهم ويحول غضبه إلي عدوان سلبي يظهر في صورة عناد وسلبية ولامبالاة وكسل وتراخ.
ومن المفترض أن القوانين والضوابط التي تحكم المجتمع تحد من عنف الأفراد, ولكن يبدو أن تلك القوانين والضوابط قد أصبحت ضعيفة بدليل أن منطق القوة أصبح هو السائد الآن فكل فرد يريد أن يأخذ حقه بنفسه بعد أن فقد الإحساس بالعدالة خاصة في ظل بطء إجراءات التقاضي, كما أن السياسات الحكومية الفاشلة ولجوء السلطات الرسمية نفسها أحيانا للعنف في تعاملها مع المواطن, دفعه إلي اللجوء هو أيضا للعنف.
وفي ضوء حقيقة أن انتشار العنف يمثل خرقا صريحا للأمن ببعديه المادي والنفسي تبدو للوهلة الأولي أن مسئولية التعامل المباشر مع مظاهره في المجتمع تقع علي عاتق الأجهزة الأمنية, في حين تتحمل السلطة القضائية عبء ردع هذا السلوك من خلال توقيع العقوبات الملائمة علي مرتكبيه, خاصة أن قضايا العنف أضحت ظاهرة متكررة وارتفع مستوي الوحشية فيها فضلا عن أنها مست جوهر العادات والمعتقدات المجتمعية.
ومن المؤكد أن تحميل الأجهزة الأمنية المسئولية وحدها في هذا الخصوص, كأن العنف هاجس أمني فقط يعتبر منافيا للواقع والحقيقة. مع التسليم بأهمية ومحورية دور المنظومة الأمنية في التعامل بحزم مع مظاهر العنف, من ملاحقة مرتكبي أعمال العنف بيد أن الأمر يتطلب تضافر جميع جهود الأجهزة والمؤسسات الحكومية وغير الحكومية في العديد من الميادين التي تتجاوز حدود واختصاصات وإمكانيات الأجهزة الأمنية بشكل يجعل منه مسئولية وطنية تقع علي عاتق الجميع.
ومن ثم تستلزم مواجهة العنف في المجتمع المصري إذا أريد لها أن تكون فعالة وناجحة وضع إستراتيجية متعددة الأبعاد ومتشابكة الأطراف, تتخطي الجانب الظاهري للعنف المتمثل في الأفعال لتتعامل مع الجذور العميقة التي تساعد علي تضخيم حجم الظاهرة وزيادة نسبة مرتكبيها ومعدلات وقوعها, بشكل يجمع بين أسلوب المواجهة الفورية مع مرتكبي العنف, من خلال الأجهزة الأمنية, والأسلوب الوقائي العلاجي.
وبالتالي يبدأ العلاج من الأسرة باعتبارها أكثر المحيطات التي يتعلم منها الفرد بحكم تفاعله المستمر معها, الأمر الذي يتطلب القيام بدورها في التنشئة الاجتماعية ومراقبة الأبناء بشكل غير مباشر وبحث مطالبهم ومصالحهم وحل مشكلاتهم بالتفاهم والحوار الايجابي.
هذا إلي جانب أهمية الالتزام الكامل بالقوانين, واستعادة ثقة المواطن في أجهزة الأمن وتشجيعه علي أن يكون عونا لتلك الأجهزة في السيطرة علي الخارجين علي القانون, بالإضافة إلي ضرورة استعادة الدور التربوي لوزارة التربية والتعليم وتطوير التعليم, وإشاعة قيم التسامح والعدل وغيرها من الأخلاقيات التي من شأنها أن تحد إلي درجة كبيرة من أعمال العنف والشغب.
إذن يمكن القول إن حل هذه المشكلة يجب أن يصبح بمثابة مشروع قومي يهدف إلي استعادة طبيعة الشخصية المصرية المعهودة, ومن ثم لابد أن تجتمع كل الأطراف لأن غياب أي منها سوف يؤدي لفشل منظومة الإصلاح وتفاقم العنف وتزايد الجريمة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.