لا أحد يستطيع أن ينكر أن صناعة النقل الجوي في العالم كله تواجه تحديات وظروفا صعبة في السنوات الأخيرة.. وأن شركات الطيران العالمية الكبري هي الأخري تواجه بالتالي ظروفا غاية في القسوة من جراء هذه التحديات واضرارها البالغة علي اقتصاديات التشغيل. والأصعب من ذلك أن هذه الشركات تواجه في الوقت نفسه أطماعا وضغوطا كبيرة من الركاب تطالب بعدم رفع الأسعار بل والحصول علي خدمات أفضل وأسعار أرخص.. مع ضغوط من نوع آخر من شركات طيران جديدة تسمي الشركات منخفضة التكاليف التي بدأت تزداد في العالم وتجد لها زبونا أو ركابا لا يسعون إلي الخدمة المتميزة بل الأسعار الرخيصة فقط. قد يسأل القارئ العزيز لصفحات سياحة وسفر عن مناسبة هذا الكلام. أسارع فأقول أن هذا الأسبوع يوافق ذكري مرور80 عاما علي إنشاء الشركة الوطنية مصر للطيران وكنت أتحدث بهذه المناسبة مع أحد خبراء الطيران وتطرق الحديث الي مجموعة من القضايا التي تحيق بصناعة الطيران عالميا بشكل عام وبمصر للطيران بشكل خاص. لكن المهم أنني خرجت من هذا الحوار بعدد من القضايا التي تستحق المناقشة, وأن نطرحها علي الحكومة والرأي العام من خلال صفحات سياحة وسفر في إطار البحث عما يحمي ويدعم هذه الشركة الوطنية التي تحمل علم مصر في كل الدنيا, وكانت ومازالت تسهم في اقتصادها. أنني أعلم ان الضغوط والتحديات التي تواجه الشركة بعد ثورة25 يناير, أصبحت تمثل عبئا ثقيلا علي الشركة لدرجة أن خسائر الشركة العام الماضي بلغت366.7 مليون دولار أي نحو2.2 مليار جنيه. ولذلك أتصور أنه لا يجوز أن ننتظر ويأتي اليوم الذي نسمع فيه أن الشركة أصبحت تواجه مشكلة أو أصبحت عاجزة عن التشغيل أو يهددها شبح الانهيار أو الافلاس تماما مثل مانسمعه عن شركات أخري في العالم حاليا, وكانت ذات شأن لكن مايحدث حاليا في العالم أدي الي انهيارها أو افلاسها, منها مثلا افلاس شركة سبان اير الاسبانية والماليف المجرية وكينج فيشر الهندية وهناك شركات عالمية حققت خسائر ضخمة في2011 مثل الماليزية التي خسرت(819 مليون دولار) وايرفرانس الهولندية442 مليون يورو, وايركندا(250 مليون دولار), والايطالية(96 مليون يورو), والبولندية(44 مليون دولار). وقد تذكرت وأنا أكتب هذا الكلام اليوم أنني منذ أكثر من10 سنوات تقريبا كتبت مقالا بعنوان مصر للطيران المفتري عليها والمفترية علينا وكنت يومها أطالب وكانت الشركة تعيش في وضع أفضل وتتوسع في الاسطول بتحسين الخدمة وتخفيض أسعار تذاكر الطيران الداخلي, وقلت إن الشركة يجب أن تشتري طائرات أكثر.. لقد كان ذلك وقت الانتعاش.. أم الان فنحن في وقت تحتاج الشركة فيه المساندة. ولذلك استوحي مقالي اليوم من نفس العنوان السابق, وأقول مصر للطيران المفتري عليها والصابرة علينا لأن حجم الضغوط عليها كبير وتتحمل الكثير هذه الأيام دون تدخل بدعم أو حماية من الدولة.. ولكن الي متي تستطيع الصبر علي كل هذه المعاناة وعلي ما يتخيله البعض بأنها تحقق أرباحا خيالية؟.. أن عالم الطيران كله يواجه خسائر ضخمة في العالم كما اوضحنا.. ولذلك أردت بما أكتبه اليوم ألا نحملها بأكثر مما تحتمل.. بل نبحث عن وسائل للمساعدة تماما مثل ما تفعل الدول الأخري حاليا. إن الحقائق والأرقام تقول إن مصر للطيران تواجه في السنوات الأخيرة جملة تحديات علي رأسها الأزمة الاقتصادية العالمية وارتفاع أسعار الوقود وزيادة شركات الطيران منخفض التكاليف بالمنطقة والمنافسة القوية من شركات الطيران الخليجية التي تتلقي دعما ماليا هائلا من حكوماتها, وفضلا عن ذلك كله ما نتج من انخفاض في الحركة الي مصر بسبب ثورات الربيع العربي وثورة25 يناير سواء الحركة العادية أو حركة السياحة الوافدة, لهذا كله وغيره بلغت خسائر مصر للطيران أكثر من2 مليار جنيه في العام الماضي.2011 وبالرغم من تلك الصعاب فإن مصر للطيران حرصت علي: 1 الحفاظ علي واجبها الوطني والاجتماعي. 2 الاستمرار في تسيير معظم نقاط شبكة التشغيل وعلي الرغم مما تتكبده من أعباء وخسائر مادية. 3 دعم وتنمية الحركة السياحية للبلاد والاستثمارات والعبور بمصر لتخطي تلك الأزمة. 4 الالتزام بواجبها الاجتماعي تجاه الاحتفاظ بالعمالة بها التي تبلغ32000 مع عدم المساس بالرواتب. في حين ان جميع الشركات العالمية التي تمر بضائقة مالية قد قامت بالاستغناء عن جزء من العمالة لما تمثله من عبء مادي في ظل الخسائر التي يمر بها القطاع. لكن السؤال الذي يطرح نفسه ماذا تفعل الحكومة لانقاذ أو دعم مصر للطيران؟ يقول الخبراء إن هناك نماذج لما فعلته دول العالم لانقاذ شركاتها الوطنية وعلي رأسها: الدعم الحكومي: فقد دأب العديد من الدول علي تقديم الدعم لناقلاتها لتخطي ما تمر به من أزمات والحفاظ علي قدراتها التنافسية أمام جميع التحديات والنموذج: 1 الاتحاد الأوروبي: خلال الفترة من1991 الي1997, قام الاتحاد الأوروبي بضخ مبالغ هائلة من قبل الحكومات لبعض الشركات تحت مسميOnetimeLasttime, أي في فترة الاعداد لفتح السماوات داخل الاتحاد الأوروبي لمساندة شركاتها الوطنية واعدادها لمواجهة تحديات فتح السماوات. 1 الولاياتالمتحدة: علي غرار الاتحاد الأوروبي يوجد لدي الولاياتالمتحدة قانون خاص بالدعم الحكومي تحت مسميchapter11 بما يتيح لها الاستمرار في العمل مع توفيق أوضاعها لتخطي ما تمر به من أزمة. كما يوجد لديها قانونFLYAmerica الذي يفرض علي جميع الجهات الحكومية السفر علي شركات تحمل كود شركة أمريكية. 3 اليابان: قامت الحكومة اليابانية بدعم شركةJAL بمبلغ600 بليون ين عام.2010 أمثلة الدعم الحكومي في الدول العربية: أحتكار شركة دناتا احدي الشركات التابعة لطيران الامارات للخدمة الأرضية بمطار دبي. احتكار طيران الامارات لخدمات تموين الطائرات, وحصولها علي أسعار خاصة للهبوط والإيواء. ما تتلقاه طيران الامارات والاتحاد من دعم حكومي لشراء الطائرات الجديدة. الحصول علي وقود بأسعار مدعمة, وأكبر دليل عدم تحصيل طيران الامارات لضريبة الوقود من الركاب مما يضعها في مركز تنافسي علي باقي الشركات العاملة علي الخطوط نفسها. تحظي الخطوط القطرية بدعم حكومي يتمثل في50% تخفيضا في تكاليف الوقود بالداخل والخارج. احتكار الخطوط القطرية لتقديم الخدمة الأرضية بمطار الدوحة. الملكية المغربية حصلت من الحكومة المغربية علي مليار دولار لدعم مركزها المالي المتأثر بزيادة المنافسة وارتفاع أسعار الوقود, كدفعة أولية من إجمالي مبلغ9.3 بليون درهم يتم دعم الشركة به خلال الفترة بين2011 2016 مع اعادة هيكلتها والتخلي عن30% من العمالة وعرض30% من أسهمها للبيع كخطوة أولية لخصخصة الشركة. الملكية الأردنية حصلت علي امتياز للتشغيل لمدة ثماني سنوات علي مرحلتين تمتد المرحلة الأولي من عام2002 الي عام2003 بمنع أي شركة طيران أردنية من تسيير رحلات منتظمة علي الخطوط والمحطات التي تسير عليها الملكية الأردنية رحلات جوية منتظمة وتضمنت التالي: المرحلة الأولي عدم إفساح المجال لشركات الطيران الأردنية المرخصة لتسيير رحلات منتظمة علي خطوط امتياز الملكية المستغلة وغير المستغلة. المرحلة الثانية من2006 الي2010 وتتضمن إتاحة المجال لشركة الطيران المرخصة لتسيير رحلات علي محطات إمتياز الملكية غير المستغلة والتي لا تسير عليها الشركة رحلات منتظمة. طيران الخليج حصلت من الحكومة خلال مارس الحالي علي دعم يبلغ1.7 مليار دولار علي ثلاث دفعات, لمساعدة الشركة علي ماتمر به من خسائر فادحة. يوجد دعم يتمثل في هيمنة الناقل الوطني بحقوق الطيران العارض أو عبور المجال الجوي, كما هو الحال في روسيا حيث يوجد قانون يقصر نقل حركة السياحة القادمة من الأراضي الروسية علي ناقلاتها الوطنية, بالاضافة انه يفرض علي شركات الطيران الراغبة في عبور المجال الجويTransSiberianroute ابرام اتفاق تجاري مع الناقل الوطني. حتي البلاد الافريقية أصبحت تتخذ مواقف حمائية لمساندة شركاتها الوطنية ومحاولة النهوض بها وضمان حصولها علي نصيب من حركة السوق, وذلك من خلال سحب حقوق منصوص عليها من خلال الاتفاقيات الموقعة مع فرض ابرام اتفاقيات تجارية مع تلك الناقلات. رؤية للمساعدة: يبقي أن نطرح أمام الحكومة والرأي العام عددا من الاقتراحات لمواجهة هذه الأوضاع كلها.. فقد أصبح من الضروري ايجاد وسيلة لمساندة مصر للطيران في ضوء ما تم استعراضه للمحافظة عليها كناقل وطني أسوة بما تم في أغلب دول العالم, والعمل علي التنسيق الكامل مع سلطة الطيران المدني المصري مع وضع آلية تحدد أشكال الدعم والجدول الزمني للدعم, وهذه بعض المقترحات: الحصول علي دعم مادي إعادة النظر في بعض القرارات الوزارية الخاصة بفتح المطارات التنسيق مع سلطة الطيران المدني ووضع استراتيجية تهدف الي الحفاظ علي الخطوط التي تكبدت مصر للطيران استثمارات ضخمة لتنميتها, باعطائها ميزة تنافسية عن الشركات المصرية الأخري. استغلال الدور الريادي لمصر ومحاولة تطبيق الاتفاقيات الاقليمية الخاصة بالنقل الجوي بالقارة الإفريقية. منح مصر للطيران خصومات علي الرسوم التي تفرض عليها من قبل الشركة القابضة للمطارات والملاحة ومنها علي سبيل المثال رسوم الهبوط والإقلاع والإيواء وذلك الي جانب باقي الرسوم التي تفرض. دعم الخطوط التي يتم تسييرها لأهداف استراتيجية وسياسية. محاولة الحصول علي حقوق نقل تسهم في تنمية شبكة تشغيل الناقل الوطني وزيادة عائدات بعض الخطوط كخطوة نحو تثبيت أوضاعه. التنسيق مع الجهات المعنية لسن القوانين واللوائح التي تضمن المنافسة العادلة. العمل علي حل المشاكلات التي تعوق تحويل فوائض ايرادات مصر للطيران ببعض الدول وتصل تلك المبالغ الي الملايين من الدولارات. ونظرا للظروف الراهنة التي نمر بها نقترح دعم كل من وزارة الخارجية ووزارة التعاون الدولي لايجاد آلية وحث الجهات المصرية الموجودة بتلك الدول علي استخدام أرصدة مصر للطيران بها لتسديد نفقاتها وتحديد آلية سدادها للشركة داخل الجمهورية. الحصول علي الوقود بأسعار مدعومة. دعم وزارة السياحة لمصر للطيران وايجاد الآلية المناسبة لدعم خطوط التشغيل وإعادة تنشيط الحركة السياحية, خاصة خلال الفترة المقبلة بعدما تعرضت له البلاد من أحداث وما ترتب عليه من انخفاض معدلات التشغيل وضعف نسب الامتلاء, ومنها علي سبيل المثال لا الحصر الحملات الدعائية. حث وزارة المالية لتوقيع اتفاقيات عدم الازدواج ضريبي مع دول حوض النيل والدول الافريقية التي لا يوجد معها تلك الاتفاقية إسهاما في الحد من الأعباء المالية لتشغيل تلك الخطوط. تنظيم العمل بمطار القاهرة ليصبحCoordinatesAirport يعمل بنظم الخاناتSLOTS واعطاء الناقل الوطني ميزة تنافسية امام باقي الشركات العاملة, أسوة بما يتم بالمطارات الأوروبية. التنسيق بين جميع أطراف الصناعة والأنشطة المكملة بالدولة لتحديد المصالح المشتركة. ان كل هذه أفكار ومقترحات لدعم ومساعدة الشركة الوطنية نطرحها علي الحكومة برئاسة الدكتور كمال الجنزوري والمهندس حسين مسعود وزير الطيران المدني.. قبل أن يأتي اليوم الذي لا نرجوه لمصر للطيران.. فماذا نحن فاعلون؟! [email protected]