لطالما كانت مصر بلد الحضارات والثقافة تحتفي برموز الإبداع والفنون الرفيعة الذين تركوا بصماتهم علي فكر الإنسانية ووجدانها, ومن هنا تنتظر الأوساط الفنية والجمهور المصري بشغف قدوم الفنان العالمي ريتشارد كلايدرمان المعروف بلقب أمير الرومانسية وأسطورة البيانو إلي الوطن لإحياء حفله الذي تشهده القاهرة في11 مارس الحالي بمصاحبة الفرقة الملكية الرومانية, و في وجود ضيف الشرف عازف الفلوت الشهير جورج زامفير. لا تقتصرالقيمة الفنية للفنان الأكثر شهرة في العزف علي البيانو ريتشارد كلايدرمان اسمه الحقيقي فيليب باجي ولد في28 ديسمبر1953 في فرنسا علي وصول إجمالي مبيعات اسطواناته إلي أكثر من70 مليون نسخة في مختلف أرجاء العالم ولعزفه أهم المقاطع الموسيقية لأشهر الأفلام السينمائية وللمؤلفين وللفرق مثل فرقة آبا وفرقة كاربونتي. والتي ساهمت في تشكيل وإثراء وجدان المشاهدين في العالم. لكن أيضا تكمن في أنه فنان مبدع مختلف يري أن الفن علي حد تعبيره إنما يحمل رسالة سلام وطمأنينة وسعادة للمتلقي, ونجاحه في الجمع بين أسلوب الرومانسية الجديد الذي ابتكره والقواعد الفنية الخاصة بالبوب والكلاسيكية, وتميز بلمساته الناعمة الساحرة علي مفاتيح البيانو والمزج بين مختلف الإيقاعات والأساليب, والأوتارلاستدعاء كل أنواع المشاعر,فنجح في تطوير العزف الموسيقي, ليصبح كما وصفته الصحف الألمانية اول موسيقي ينال هذه الشعبية علي مستوي العالم بعد الموسيقار بيتهوفن. ولم تكن مصادفة أن يتحصل في عام1997 علي61 أسطوانة بلاتينية و251 أسطوانة ذهبية من خلال عمله أكثر من1200 حفلة. وصل عدد المتفرجين في بعض حفلاته إلي عشرين ألف متفرج,.وكسب جمهورا عريضا في الشرق الأقصي. أسندت له مهمة تسجيل أشهر المقاطع الموسيقية بالبيانو لأفلام ولفنانين موسيقيين للبوب. وفي حواره مع الأهرام روي الفنان حكايته مع البيانو منذ طفولته, ودور أبيه في تعليمه العزف عليه, ونقطة التحول في حياته مع مقطوعة نزهة لأدلينوكيف حرص علي تطوير العزف الموسيقي, و شغفه بالتعرف علي الموسيقي المحلية للشعوب والمزج بين الموسيقي الشرقية والغربية, وسر إطلاق لقب أمير الرمانسية عليه و هل هو رومانسي في حياته الخاصة, كما أعرب عن اشتياقه لزيارة مصر وماذا سيقدم للجمهور المصري؟ وإلي الحوار: الموسيقي ماذا تمثل لأحد أشهر الموسيقيين في العالم,والبيانو كيف يراه الفنان صاحب لقب أسطورة البيانو؟ الموسيقي هي حياتي نفسها منذ كنت صغيرا للغاية, حتي قبل أن أحصل علي هذه الشهرة وحب الملايين حول العالم, وهذا يثبت أن من يحب شيئا حبا جما ويمنحه الإخلاص والعمل فإنه يحصد منه الكثير وليس العكس, أما البيانو فهو الأكسجين, الهواء الذي أتنفسه, هو رفيقي حتي في السفر, أحمل معي البيانو الكهربائي, أما في البيت فإنني لاأكف عن العزف عليه في الصباح والمساء, بالطبع دون أن أسبب إزعاجا لزوجتي أو جيراني! إلي أي مدي كان لأبيك مدرس البيانو تأثير علي حياتك الفنية, وفي ضوء تجربتك كيف تري دور الأسرة في تنمية موهبة الصغار في أي مكان في العالم ؟ أبي هو معلمي الأول, فقد كان بالفعل مدرس آلة البيانو, وقد تفتحت عيناي علي الحياة وفي بيتي بيانو, وكطفل كنت مشدودا لهذه الآلة الكبيرة الغامضة, ذات الأصابع السوداء والبيضاء!وهو ما دفعه إلي حملي بين يديه والإمساك بيدي الصغيرتين لألمس تلك المفاتيح وفي الواقع كنت كمن يتلمس بداية طريقه إلي عالم الفن, وهكذا كانت بدايتي.. وبالتدريج وعندما كبرت قليلا بدأت استمتع بالاستماع إلي عزفه, وأصبحت أمنيتي أن أعزف بالطريقة نفسها التي يعزف بها, وقد رحب بذلك, وعلمني أساسيات العزف, وأصبحت وأنا في السادسة من عمري اجيد مهارات ربما لا يمكن أن يعرف من هو أكبر مني بسنوات طويلة شيئا عنها, وفي سن الثانية عشرة التحقت بمعهد الموسيقي, ولكن توفي والدي وأنا في سن صغيرة وحزنت لأنه غادر الدنيا قبل أن يري ما وصلت إليه, وأحيانا اشرد واتساءل ماذا لو كان قد عاش ورأي ما حققته منذ شبابي لكانت قد انتابته سعادة غامرة وفخر كبير, اما دور الأسرة فهو الحنو والعطف علي الصغار في توجيههم لتنمية موهبتهم مثلما كان أبي معي في تعليمي للبيانو فتلك هي الخطوة الأولي والأهم. وماذا عن الأم في حياتك؟ تدعمني, لكنها شديدة القلق علي صحتي أكثر من أي شيء آخر, وهي كسائر الأمهات في العالم كله أكثر ما يشغلها تجاه أبنائها هو صحتهم البدنية! في رأيك ما سر نجاح موسيقاك في الاستحواذ علي حب الجمهور حول العالم رغم اختلاف الثقافات والبيئات ؟ الفن لايعرف اللغات أو الثقافات كما ندرك جميعا, لكن ربما يرتبط الأمر بأنني منذ بداياتي كنت أريد أن أقدم شيئا مختلفا, لم أرغب في أن أقلد أحدا أو ان أسير علي درب الآخرين, ولم يكن هدفي وراء ذلك ايضا أن أصبح نجما, لكن فقط أن أقدم فنا ممتعا, صادقا, راقيا, جديدا ويمتليء بالمشاعر الدافئة, كنت أحرص علي المزج بين الإيقاعات والأساليب المختلفة لأقدم أحاسيس عميقة متدفقة دون أن يتسرب الملل إلي وجدان المستمع. ولذلك نصيحتي لكل موهوب في أي مجال ابحث عن التجديد والتطوير والأسلوب الخاص بك والعمل الجاد دون أن يكون هدفك الأول النجومية, ذلك لتصبح نجما بالفعل! وهل يمكن اعتبار نزهة لأدلين الانطلاقة الحقيقية لك؟ نعم بالتأكيد, فعندما تعرفت علي منتجي بول دوسانفيل وشريكه عام1976 تغيرت حياتي بشكل كبير ومفاجئ, كنت أبلغ حوالي23 سنة, واعتبر نفسي محظوظا لأنه وقع علي الاختيار لعزف مقطوعة نزهة لأدلين والتي فتحت لي أبواب الشهرة والنجاح, فقد انتشرت بسرعة في العالم كله, وبيعت منها أكثر من22 مليون نسخة, وبعدها سجلت أكثر من ألف عنوان, وحضرت أكثر من2000 حفلة حول العالم. وحققت حلما لم أكن اتصوره. ولماذا غيرت اسمك من فيليب باجي إلي ريتشارد كلايدرمان ؟ هو اسم فني اختاره لي المنتج لأسباب فنية, علما أن كلايدرمان هو بالفعل اسم أحد أجدادي, أما ريتشارد فهو ربما رآه أكثر سهولة وملاءمة للشهرة. وماذا عن لقب أمير الرومانسية ماسر إطلاقه عليك ؟ هذا اللقب يعود إلي عام1985 حينما كنت أشارك في إحدي الحفلات الخيرية بنيويورك وكانت تحت رعاية مؤسسة ترأسها نانسي ريجان سيدة أمريكا الأولي حينئذ, فبعد انتهاء عزفي طلبت ريجان أن تراني وتحييني علي أدائي, وبعد أن فعلت قالت لي مبتسمة إنك أمير الرومانسية وقد سمعها بالطبع الصحفيون الحاضرون للقاء, ففوجئت في اليوم التالي بالصحف الأمريكية تطلق علي هذا اللقب في تغطيتهم الصحفية للحدث, ومن يومها أصبحت أحمل هذا اللقب الذي يعبر عن أسلوبي في العزف, والآن وبعد مرور أكثر من30 سنة علي هذا اليوم آمل أن أصبح ملك الرومانسية وليس فقط أميرها! لكن علي المستوي الشخصي هل أمير الرومانسية أو ملكها... رجل رومانسي أيضا ؟! إذا كان الرجل الرومانسي يعني العطاء والتدليل للزوجة فإنني ذلك الرجل, وإذا كان يعني الاعتزاز والتقدير لها فإنني رومانسي, وإذاكانت الرومانسية تعني ذلك الشخص الذي يسير ساعات وساعات ممسكا بيد زوجته علي شط البحر أو في الغابات العميقة فإنني نعم رومانسي! تشتهر بالمزج بين الموسيقي الشرقية والغربية, وتبرع في تحقيق انصهار بين أنواع مختلفة من الموسيقي.. حدثنا عن تجربتك في هذا المجال ؟ خلال ال35 سنة السابقة, سافرت وأقمت حفلات حول العالم, وفي كل منها كنت استمتع باكتشاف الموسيقي المحلية, لذلك ربما تجمع موسيقاي بين الأساليب والهويات المختلفة, وذلك يوضح كيف اكتسبت خبرة الجمع بينها, وتجربة العديد من التركيبات المختلفة من اليابان, الصين, تايلاند, اندونسيا, المكسيك, الأرجنتين, والبرازيل وغيرها.
كيف تري زيارتك لمصر وماذا ستقدم للجمهور في الحفل الذي ستقيمه بها ؟ هذه هي زيارتي الأولي لمصر, واتشوق كثيرا لزيارة بلد الأهرامات واتمني أن أشاهد بعض معالمها السياحية, كما اتوق للقاء جمهور القاهرة, وأثناء الحفل سأعزف له مجموعة مختارة من القطع الموسيقية الشهيرة و الأصلية لي, بالإضافة إلي مقطوعات رومانسية ومعزوفات من الأفلام العالمية وبعض المقطوعات السريعة لكي يكون هناك تنوع في الحفل.وأتمني أن تنال إعجاب المستمعين المصريين. وهل ستحاول التواصل مع الفن المصري ؟ سأبذل قصاري جهدي أثناء زيارتي الأولي للاستماع باهتمام شديد للموسيقي المحلية, واتصور أنني قد استطيع أن اشتغل عليها, بحيث أقوم بتوظيف مقطوعة مصرية أو أكثر لكي أعزفها علي البيانو بأسلوبي في المستقبل. في رأيك هل يمكن أن تبقي الرومانسية في ظل ما يشهده العالم من صراعات وتحديات ؟وهل سيظل هناك جمهور يبحث عن الرومانسية حتي في الموسيقي ؟! نعم, الحب والرومانسية سيبقيان في العالم إلي الأبد, وحتي ينتهي العالم, وحتي في الدول التي سافرت إليها وكانت الأكثر معاناة من ويلات الصراعات والحروب أو الفقر فإن شعبها كان يبحث عن الحب والرومانسية وكنت أقدم له رسالة أمل وطمأنينة وسعادة من خلال الموسيقي.