منذ سنوات طويلة كنا نسمع أن الناس فى الغرب والولايات المتحدة ليس من الضرورى ان يذهبوا الى اعمالهم إذ يمكنهم القيام بها بعيدا عن المكاتب ومن خلال شبكة النت بل إن التعاملات التجارية المختلفة ومن بينها المعاملات المصرفية تتم من خلال النت او مايعرف بالبنوك الإلكترونية. وقد صادفت خلال مشوارى المهنى عدة مشاهد فى هذا الشأن منها فى اوائل الثمانينيات عند زيارتى لكبرى الصحف والمجلات الأمريكية حيث لاحظت أن المحررين قد استغنوا عن الورقة والقلم ويكتبون مقالاتهم على الكمبيوتر ويرسلونها مباشرة إلى المطبعة وتقدمت بهذه التجربة الى المسئولين فى موقعى غير ان قوى المقاومة حالت دون ذلك وتم ادخال هذه النظم وتطبيقها بعدها بسنوات. المشهد الثانى عندما زرت بورصة باريس اوائل التسعينيات وشاهدت ان جميع تعاملاتها تتم بالكمبيوتر وحاولت كعضو مجلس ادارة البورصة المصرية آنذاك تطبيق هذا الجديد فى بورصتنا ولكن دون جدوى إلى أن فرض التطور التكنولوجى نفسه. المشهد الثالث هو دخول تكنولوجيا الاتصالات والمعلومات فى مختلف انحاء العالم كافة مجالات تعاملات الفرد فى كل لحظة بدءا من الاخبار المحلية والعالمية الى حجز موعد عند طبيب الى حجز تذكرة سفر بالطائرات او القطارات والفنادق وشراء مختلف السلع. المشهد الرابع اسلوب تعامل المصريين مع تكنولوجيا المعلومات والاتصالات فالتجارة الالكترونية وصلت إلى شراء البيتزا والكشرى والسندويتشات على مختلف انواعها عبر شبكة النت وظهور فئة من المغامرين الذين احترفوا عمليات بيع السلع بالنت دون أدنى رقابة على نشاطهم من أى جهة حكومية أو تراخيص بمزاولة هذا النشاط أو الرقابة عليه او ضمان الأمن وتوفير الحماية للمستهلك وقد سمح هذا الوضع بتداول العديد من السلع المهربة وغير المطابقة للمواصفات بل وغير المسموح بتداولها فى مصر. المشهد الخامس يلاحظ من أن معظم المصريين من مخلف المستويات الاجتماعية والثقافية والتعليمية صار اهتمامهم الأساسى والاغلب الأهم منحصرا فى ادمان استخدام النت فى الألعاب والصور وتبادل النكات والمعلومات السطحية فى مختلف المجالات والكثير من الافكار الهزيلة والهزلية وليس من المستغرب الآن ان تشاهد الناس وقد تركوا اعمالهم الموكلة اليهم وانشغلوا باللعب على المحمول الذى استولى وسيطر تماما على عقولهم وفكرهم واهتماماتهم ومن ثم فإن محو الامية التكنولوجية فى البلاد قد جاءت بنتائج وآثار عكسية واصبح لها عائد سلبى على الطاقة الانتاجية للمجتمع ويضاف الى هذا استخدام النت والمحمول فى الكثير من الاغراض غير الأخلاقية وغير الشرعية والقانونية، هذا فى الوقت الذى استطاعت دول عديدة مثل الهند تطويع هذا النشاط ليصبح واحدا من أهم صادراتها يعود عليها بالمليارات من الدولارات فضلا عن توفير حجم هائل من فرص العمل ولاشك ان مصر بما لديها من مخزون وتراث ثقافى ولغة عربية تستطيع ان تقدم الكثير وتتبوأ مكانة رفعية فى انتاج البرامج بمختلف انواعها واشكالها. كما تستطيع مصر بوصفها سوقا كبيرة للمحمول والاجهزة اللوحية ان تدخل هذه الصناعة ولو بالمشاركة فى جزء من المكونات بدلا من استيرادها بالكامل. وأخيرا اعلن وزير التخطيط برنامج حكومتى لتقديم الخدمات الحكومية للمواطنين على الموبايل ونخشى ان تقاتل البيروقراطية والفساد لحماية مصالحها وتعطيل البرنامج. ومنذ أيام اعلن السيد الرئيس فى اطار مايعلنه من مشروعات ميجا أو عملاقة عن مبادرتين للنهوض بصناعة الالكترونيات والتعليم التكنولوجى والسؤال الآن كيف ومن يتلقف هذه المبادرات ويحولها الى ارض الواقع والتنفيذ الدقيق بعيدا عن اللعب الالكتروني؟ فهل يحتاج الأمر الى استحداث هيئة جديدة قوية ذات صلاحيات تسند اليها هذه المبادرات؟ لمزيد من مقالات عصام رفعت