تعد المنظومة الثقافية لأى مجتمع واحدة من العناصر الأساسية المحددة لقدرته على مواجهة التحديات، وتبنى قيم العمل الجاد، والسعى بخطى ثابتة نحو التقدم والتنمية. ورغم ما يمثله الاقتصاد والأمن من أهمية قصوى لمصر حاليا، فإن المدقق في كل المشكلات التى يواجهها المصريون حاليا، يجد أن البعد الثقافي عنصر مشترك في جميع التحديات التي نواجهها حالياً . وبنظرة دقيقة إلى التحديات الاقتصادية والأمنية والاجتماعية والسياسية التي تواجهها مصر حالياً نجد أن ضعف الوعي الثقافي بعناصره العلمية والفنية والأدبية كان أحد الأسباب المباشرة لها ، وبقدر التنمية الثقافية لدى الشعب المصري يكون دوره الإيجابي في مواجهة كل التحديات الداخلية والخارجية التي تحيط به . فعلى المستوى الاجتماعي ، لا يمكن فهم كثرة الأمراض المزمنة والمتوطنة التي يعاني منها المصريون بمعزل عن ضعف منظومة التوعية الصحية والثقافة الغذائية والصحية السليمة، حيث تنتشر هذه الأمراض بكثرة نتيجةعدة عوامل من بينها تواضع الدور الفاعل لمؤسسات المجتمع الرسمية وغير الرسمية فى تنمية الوعى الصحى والغذائى للمصريين، بما يؤكد أهمية حملات التوعية الإعلامية. ولا يمكن فهم أبعاد ظاهرة التطرف والإرهاب الذي عانت منه مصر فى الماضى والحاضر بمعزل عن غياب دور فاعل لمؤسسات الدولة المعنية بالتوعية الدينية التى تؤكد اعتدال وسماحة الدين الإسلامي ، حيث كان غياب هذا الدور الفاعل سببا جوهريا فى ترك فراغ فكرى واضح لدى الشباب المصرى استغلته قوى الظلام فى الترويج لفكرمتطرف بعيد تماما عن روح الدين الإسلامى. ويصعب فهم حالة الانفلات الأخلاقي في الشارع المصري بمعزل عن ضعف منظومة التربية التي يشترك في تحمل مسئولياتها الأسرة والمدرسة والجامعة ووسائل الإعلام والمؤسسات الثقافية والدينية والتوعوية في المجتمع،حيث تعددت الشكاوى من التأثيرات السلبية للانفلات الأخلاقى على أنماط التعامل فى الشارع المصرى. ويغيب عن بعض المصريين فى الظروف الحرجة التي تمر بها البلاد حالياً ثقافة ترشيد الاستهلاك ، رغم الحاجة الماسة إلى ذلك في كل جوانب الحياة. ولا يمكن فهم حالة التردي الأخلاقي التي وصل إليها الحوار حالياً بدون فهم الخلل الواضح في أداء الأجهزة الثقافية المعنية بالارتقاء بأداب الحوار ، وثقافة التنوع والاختلاف ، وأن الاختلاف في الآراء لا ينبغي أن يكون على حساب العلاقات الاجتماعية بين أفراد الأسرة والأصدقاء والزملاء . ويصعب فهم حالة التردى التي تعيشها الطرق في مصر ، وتعاظم مشكلات المرور دون النظر إلى البعد الأخلاقي وغياب المسئولية الفردية من جانب البعض الذي يبحث عن المصلحة الشخصية على حساب المصلحة العامة للآخرين. ويغيب عن معظمنا ثقافة المبادرة الإيجابية لحل مشكلات الحياة اليومية التي أدمنا التعايش معها ، ونكثر الحديث والجدل النظرى بشأنها ، دون أن نجهد أنفسنا بآليات الحلول التنفيذية التي يمكن أن تسهم في حل هذه المشكلات، وتفعيل دور المواطن فى مساندة الدولة لحلها والتصدى لها . إننا في أمس الحاجة إلى تحديث المنظومة الثقافية للمصريين ، بما يواكب احتياجات المجتمع المصري الملحة ، وبما يستجيب لطموحات المصريين فى مستقبل أفضل للجميع. وينبغى أن تركز هذه المنظومة على إعلاء قيم الانتماء للوطن، وتقديس قيمة العمل والمهنية والحرفية فى أدائه، والانضباط فى كل مناحى وسلوكيات الحياة ، واحترام آداب الحوار، ومراعاة حق الطريق، وترشيد الاستهلاك، وإدارة الوقت بشكل سليم،والمبادرة والإيجابية فى التعامل مع المشكلات اليومية، والتعاون مع مؤسسات الدولة فى حل المشكلات القائمة، والتخلص من السلبية والتواكل، وإعلاء مبدأ المحاسبة ، وإعلاء قيمة العلم والتخطيط العلمى فى جميع أنماط حياتنا. إن التسويق المجتمعى لهذه المنظومة القيمية ليس مسئولية جهة بعينها،بل ينبغى أن تفعل من خلال استراتيجية شاملة ، وخطط تنفيذية واضحة ، تتوازى مع جهود الدولة وخططها فى المرحلة القادمة، وتشترك فى تنفيذها جميع مؤسسات الدولة الرسمية وغير الرسمية المعنية بالبناء الفكرى والثقافى للمصريين،على مستوى وسائل الإعلام والثقافة والمؤسسات الدينية والتربوية والجامعية ومراكز الشباب ومؤسسات الاتصال المباشر والأعمال الدرامية، حيث أثبتت تجارب مصرأن الاهتمام بالتنمية الاقتصادية دون اهتمام مواز بالتنمية الثقافية لن يحقق ثماره المرجوة، ولنا فى الماضى القريب عظة وعبرة. لمزيد من مقالات د. عادل عبدالغفار