يبدو أن السنين الطويلة التى مرت على عمر القضية الفلسطينية، وبروز نجمها فى المحافل الدولية، لم تؤت أكلها بعد، مرت وكأنها سنين عجاف على القضية والشعب. فعلى الرغم من أن العديد من دول العالم تحتفل فى التاسع والعشرين من نوفمبر من كل عام، بالتضامن مع الشعب الفلسطينى وقضيته العادلة، حيث اعتبرت الجمعية العامة للأمم المتحدة فى عام 1977 ذكرى تقسيم فلسطين يوما للتضامن الدولى مع الشعب الفلسطيني، وذلك تذكيراً بقرارها رقم 181عام 1947، والذى قضى بتقسيم فلسطين. إلا أنه وبعد مرور ثمانية وثلاثين عامًا على القرار، لم تشهد أوضاع هذا الشعب الأبي، وحقوقه الإنسانية سوى التدهور. فلا يزال يتعرض يوميًا لانتهاكات جسيمة ومستمرة لحقوقه الأساسية على يد قوات الإحتلال الإسرائيلي، فضلاً عن تفاقم حدة المصادرة الإسرائيلية غير القانونية للأراضى الفلسطينية. وكان من المفترض أن يأخذ التضامن الدولى مع الشعب الفلسطينى طابعا عمليا مع نهايات القرن العشرين، بعد أن تصاعدت مخططات صهينة فلسطين وتهويد الأرض، وتحديدا منذ انعقاد المؤتمر الصهيونى الأول فى مدينة بال السويسرية عام 1897، وبعدها جاء وعد بلفور فى 2 نوفمبر1917، ليشكل مفصلا استراتيجيا جديدا لضرورة المزيد من التضامن مع الشعب الفلسطيني، الذى بات مهددا بالقتل والتهجير ومصادرة الأراضى والممتلكات، ومع تفكك وانهيار الدولة العثمانية، ووقوع الإنتداب البريطانى على فلسطين فى عام 1918، باتت مسألة التضامن العالمى طلبا استثنائيا وملحا، ذلك تزامنا مع ما كان يمارسه الانتداب من عمليات قهر وظلم بحق أبناء فلسطين، وغض الطرف عن ارتكاب العصابات الصهيونية للمجازر بحق الشعب، فضلا عن تسهيل لهجرة اليهود إلى فلسطين، الأمر الذى أدى بنتيجته إلى تهجير ثلث الشعب الفلسطينى قبل قيام (إسرائيل) في15 مايو عام 1948، فمن مدينتى حيفا ويافا وحدها تم تهجير حوالى 130ألف فلسطيني، إلا أن حاجة التضامن العالمى مع الشعب الفلسطيني، بلغت أوجها عند وقوع مسألتين، الأولى مع تسبب الكيان الصهيونى ومعه الأممالمتحدة، بنشوء مشكلة لأكثر من مليون فلسطيني، تحولوا إلى لاجئين مشتتين فى بقاع الدنيا، والثانية، قبول (إسرائيل) فى هيئة الاممالمتحدة، الذى كان بمثابة اعتراف جماعى بدولة الاحتلال، خاصة إذا علمنا بأن إسرائيل، مارست خدعة دولية سعيا إلى قبولها عضوا فى الأممالمتحدة، فقد تقدمت وبعد سنة كاملة على صدور قرار التقسيم وتحديدا فى 29نوفمبر عام 1948، بطلب للانتساب إلى هيئة الأمم. وفى 11/5/1949، ووافقت الجمعية العامة للامم المتحدة على التوصية وقبلت (إسرائيل) بالدولة رقم (59) فى الأممالمتحدة، الأمر الذى يشكل اعترافا جماعيا بها، إلا أن قرار قبول العضوية كان مشروطا بإلتزامها بميثاق الأممالمتحدة، وتطبيق قرار التقسيم والقرار194 فى 11/12/1948، الخاص بعودة اللاجئين وتعويضهم واستعادة ممتلكاتهم، فكانت الدولة الوحيدة التى قبلت عضويتها مشروطة، وفى اليوم التالى مباشرة أى فى 12/5/49، عقد مؤتمر لوزان الذى تضمنت بروتوكولاته «اعتراف إسرائيل بحق الفلسطينيين بالعودة وتعهدها بتطبيق قرار التقسيم»، وتظاهرت إسرائيل، بإستعدادها لتنفيذ القرارين، وفى تحد سافر للمنظومة الدولية لم تلتزم بتنفيذ القرارين أو قرارات الأممالمتحدة اللاحقة. واثبتت ولا تزال وعلى مدى أكثر من ستة عقود من الزمن عدم احترامها للاتفاقيات والمعاهدات والمبادئ الدولية. لكن هل شكًل تاريخ 2/12/1977، يقظة ضمير للأمم المتحدة، للتكفيرعن ذنب اقترفته بحق شعب كامل من خلال انشاء «إسرائيل»، والتسبب بمشكلة اللاجئين، لكى تعتبر تاريخ تقسيم فلسطين يوما للتضامن مع الشعب الفلسطيني؟ ولماذا لم تختر مثلا ذكرى نكبة فلسطين، أن يكون يوما للتضامن؟ ولماذا فى العام 77، ولم يكن قبل أوبعد ذلك التاريخ، خاصة إذا علمنا بأن الفارق بين ذكرى التقسيم ويوم التضامن ثلاثة عقود كاملة؟ اللافت هنا وفقا لمبررات ومقدمات صدور قرار يوم التضامن العالمى مع الشعب الفلسطيني، فقد ذكر حرفيا بأن قرار الجمعية العامة، جاء بعد أن «نظرت (الجمعية) فى تقرير اللجنة المعنية بممارسة الشعب الفلسطينى لحقوقه غير القابلة للتصرف، وقد استمعت إلى بيان منظمة التحرير الفلسطينية ممثلة الشعب الفلسطيني، وإذ تشعر بقلق عميق لعدم تحقيق حل عادل لمشكلة فلسطين، ولكون هذه المشكلة لا زالت، وبالتالى تؤدى إلى تفاقم النزاع فى الشرق الأوسط الذى تمثل جوهره، وإلى تعريض السلم والأمن الدوليين للخطر»، ألقى الرئيس الراحل ياسرعرفات، خطابا تاريخيا أمام الجمعية العامة فى نيويورك فى 13/11/74، من جهة وبين صدور قرار يوم التضامن من جهة أخرى، فقد أعلن عرفات، حينها ولأول مرة عن أن الدولة الفلسطينية، ستقام على حدود الرابع من يونيوعام 67، وبعد تسعة أيام فقط من خطاب عرفات، وتحديدا فى 22/11/1974،اعترفت الجمعية العامة، بأن الشعب الفلسطيني، هوطرف أساسى فى تحقيق سلام عادل وثابت فى الشرق الأوسط، وتعترف بحق الشعب الفلسطيني، فى إعادة حقوقه بجميع الوسائل طبقا لأهداف ومبادئ ميثاق الأممالمتحدة، وتدعو جميع الدول فى العالم إلى زيادة مساعدتها للشعب الفلسطيني، فى كفاحه من أجل استرداد حقوقه المشروعة. إلا أن ذلك لم يكن إلا حبرا على ورق واعطاء المزيد من الوقت لإسرائيل، لتحقيق مزيد من المكاسب على الأرض. وقد قررت الجمعية العامة للأمم المتحدة، الإعتراف بمنظمة التحرير الفلسطينية، وضم ممثلى المنظمة إلى عضويتها، على اعتبار أنها عضو مراقب، وكذلك اقرت الجمعية العامة بحق المنظمة، الاشتراك فى جميع مؤسسات الأممالمتحدة ومؤتمراتها الدولية. وقد صدرهذا القرار أى 3236 بأغلبية (90) ضد (17) وامتناع (19) دولة عن التصويت». وتكريسا للقرار 3236، صدر القرار رقم 3376، عن الجمعية العامة للأمم المتحدة بتاريخ 10/11/1975، بإنشاء اللجنة الدولية المعنية بممارسة الشعب الفلسطينى لحقوقه غير القابلة للتصرف. وفى إجراء تقليدى من كل عام، تعقد اللجنة المعنية بممارسة الحقوق الثابتة للشعب الفلسطينى اجتماعا خاصا، يشارك فيه أمين عام الأممالمتحدة ورئيس مجلس الأمن ورئيس الجمعية العامة، إلى جانب عدد من ممثلى الدول للتعبيرعن تضامنهم مع الشعب الفلسطيني، كما يصدر الأمين العام رسالة خاصة بالمناسبة، يتمنى فيها السلام العادل والدائم وفقا لقرارات مجلس الأمن. ومما لاشك فيه، أن استعادة الوحدة الفلسطينية على أرضية الثوابت الوطنية الفلسطينية، يشكل عاملاً حاسماً لتقوية وتحصين الموقف الفلسطيني، لمواجهة الضغوط الأمريكية التى تُمارس على الطرف الفلسطيني، لصالح إسرائيل, ومواجهة سياسة إسرائيل المستمرة فى تنكرها لحقوق الشعب الفلسطيني، ونهبها المتواصل للأراضى وتهويدها وسياسة الإغتيالات والإعتقالات اليومية.