للأسف، مرّ علينا مرور الكرام، نحن الكسالى النيام، ذلك الخبر العبقرى الهمام، الذى أثلج صدور الأنام، وأعاد الأمل إلى النفوس، والحياة لكل محبط فينا ومفروس. لقد قررت وزارة التموين السخيّة، ذات الإنجازات اللى هيّا، إطلاق مبادرة تاريخية، بصرف وجبة غذائية، للفقراء والمحتاجين، لا يزيد ثمنها من الجنيهات على تلاتين. وكان مما زاد البهجة أن تلك الوجبة سوف تحتوى- إن شاء رب الأرض والسماء- على كل أشكال الغذاء، من البروتين الحيوانى؛ بأنواعه الثلاثة، اللحم الأحمر، والأبيض (الفراخ عقبال عندكم!)، والنوع الثالث هو السمك. وليس ذلك فحسب، بل ستجد سيادتك بإذن الله شوية أرز، أو مكرونة، وبعضا من خضار، ولم ينسوا الفاكهة.. فهنيئا مريئا.. وهيّا ابسط يا عمّ وتعشّى.. ثم اذهب شبعان للنوم.. ولا تنس قبل النوم أن تتمشى! ورغم تشكيك المشككين، وتساؤلات العابثين: وها نجيب التلاتين جنيه دى منين؟ إلا أن المبادرة حملت فى طياتها الخبر اليقين، وهو أن الوزارة- بمنتهى الشطارة- شعرت بحاجة المحتاجين، إلى البروتين، إذ كيف ستبنى أمّة من النابهين، دون الطبخ والقلى والخبيز.. ورائحة العجين؟ غير أنه وقع لبس فى فهم الموضوع، الذى أعلنوه قبل أسبوع. لقد تصور البعض أن تلك الوجبة سوف تكون- لا سمح الله- يومية، ومن ثم، فإنك- بحسباية لوذعيّة- سوف تحتاج يا أبا العيال لتسعمائة جنيه شهرية، كى تتغدى فقط أنت والطفلان والوليّة (30 وجبة فى تلاتين يوما يبقى المجموع تسعميّة). وكان السؤال المشين، الذى شغل المراقبين، وحيّر الحاسبين، هو: طيب والإفطار والعشاء، كيف سنتصرف فيهما يا أذكياء؟ خاصة وأن عيال هذا الزمان- ما شاء الله- أفواههم على الأكل مفتوحة، وعيونهم على إعلانات الطعام فى التليفزيون مفنجلة ومشبوحة؟ بل وزاد على ذلك الجنون، سؤال مأفون، تداوله المتبجحون: وماذا عن فواتير الكهربا والميّة، وأنبوبة البوتاجاز وبنزين العربيّة؟ ولماذا نسيتم مصاريف المدارس والدروس الخصوصية؟ ثم ماذا عن تكاليف العلاج والمواصلات والإنترنت، لاسيمّا و أن كل الناس- الغنى فيهم ومن شحت- باتوا يعشقون الثرثرة واللتّ، وأمسوا يمضون الليل والنهار، فى متابعة الفيس بوك والتويتر ومواقع الأخبار؟ إلا أن الإجابة كانت- والحمد لله- حاضرة ومفحمة، وللأمانة كانت أيضا ملهمة: يا أحبابنا.. نحن لا نتحدث هنا عن وجبات يومية، ولا نخاطب بها مفتوحى الشهيّة.. نحن يا ناس نتكلم عن الغلابة، الذين افترستهم الأسعار كأنهم فى غابة. فكيف تصورتم- بالله عليكم- أن هذا الغلبان، سوف يأكل كل يوم لحوم الحيوان؟ هذا إسراف وبوهيميّة.. فلا تبالغوا نرجوكم فى أحلامكم الوردية.. وعش عيشة أهلك يا اخويا انت وهيّا! يا سادة.. ما ضيركم، لو أنكم، عدتم سيرتكم الأولى، أيام أجدادكم الأولين؛ أولئك العباقرة الحفارين البنائين، بناة الأهرام والحضارات أوائل الموحدين؟ هل كان هؤلاء يلتهمون اللحوم هذا الالتهام الفظيع النهم، كما تفعلون أنتم اليوم؟ ألم يكونوا لا يأكلون البرتقال والعنب والزيتون، إلا حين يمرضون.. وإلى المشافى والمستوصفات ينقلون؟ يا أهل هذه الأمّة، إن اللحوم ليست- كما تحسبونها- نعمة.. بل هى نقمة وأى نقمة. ألا تقرأون كل يوم عن أضرار الكوليسترول؟ وعن الفوائد الجمّة للباذنجان المقلى والعدس والفول؟ إن حكومتكم يا خائبين خائفة عليكم، وتهمها صحتكم، والمسألة فى نهاية المطاف ليست بالكيف بل بالكمّ، فاملأ بطنك هيّا يا عمّ، بكل ماهو نبات، وإن أعطوك الوجبات، فاخطفها بسرعة.. ثم بعد ذلك قل للمزيد: هات. ثم من ذا الذى ضحك عليك فأفهمك، أن اللحوم والفراخ والسمك، هى أفضل أنواع الطعام، وتبنى فيك الخلايا والأنسجة والعظام؟ لا.. صحصح يا كثير الكلام.. فما ذلك إلا وهم من الأوهام.. وأحلام كاذبة فى منام. إن اللحم يا أسيادنا طعام الأسود، فهل كل ناس البلد أسود؟ وكيف ستشترى لحما يا سعادة البيه، والكيلو منه بمائة جنيه، وهيّ الماهيّة فيها- يا أبويا - كم مائة جنيه؟ يا ناس، مطلوب شويّة إحساس، لأن البلد فى أزمة، وأى توقعات مبالغ فيها، ليست لها أى لازمة، واحمدوا ربكم كثيرا وسبحوه، ولا تسمعوا لكلام أى معتوه، يقول لكم إن بالبلد فلوسا كثيرة، تكفى الجموع الغفيرة، فما هذا إلا كذب وافتراء، وبيع للكلام دون شراء. واعلموا أن المهم فى هذا الشتاء، هو مجرد الحفاظ على البقاء. ويا سيدى إن الأحلام الكبيرة المستحبّة، تبدأ دائما بوجبة.. فإن وسعها الله على الحكومة، فستصرف لكم -كل يوم- بدلا من تلك الوجبة، ألف وجبة ووجبة.. قل يا رب. لمزيد من مقالات سمير الشحات