أزمة وراءها أزمة وبينهما أزمة..هذا هو حال قطاع السياحة منذ أن عرفت مصر طريقها لهذه الصناعة فى خمسينيات القرن الماضي..ولكن الأزمة هذه المرة جاءت قاسية وشديدة الوطأة ليس على مدينة شرم الشيخ فقط بل على جميع مقاصدنا السياحية من شرقها إلى غربها..هذه حقيقة يجب ان نتعامل معها بمهنية وواقعية بعيدا عن البكاء والعويل.. فقد وقعت الواقعة.. وسقطت الطائرة ..وتم إجلاء السائحين..وفرض حظر على المطارات..وأصبحت فنادق شرم الشيخ شبه خاوية..إذن لا مجال هنا للحديث عن كيفية سقوط الطائرة الروسية أو الاسهاب فى سرد المؤامرات السياسية وإبعادها. وفى الحقيقة تذكرت مقولة إنجليزية سمعتها من وزير السياحة هشام زعزوع تعنى الانطباع هو الحقيقة وتفسيرها أن حكومات أوروبا الآن لديها قناعة بأن مطاراتنا فى المدن السياحية غير آمنة..وأن الإجراءات الأمنية التى تتم غير كافية لتأمين السائحين والطائرات وهذا ما دفعهم لاتخاذ هذه الخطوات حفاظا على أرواح مواطنيهم..هكذا قولا واحدا لا فصال ولا مزايدة..إذن علينا أن نتعامل مع هذا الوضع بجميع أبعاده ونتوقف فورا عن التعامل معه بسطحية وسذاجة وصلت إلى إقامة الحفلات واصطحاب الفرق الموسيقية للغناء والتجوال فى شوارع شرم الشيخ لتأكيد أمنها، متناسين أن هناك شعبا حزينا وضحايا ما زالت دماؤهم لم تجف على رمال سيناء..مما دفع القنوات التليفزيونية الروسية لمعاتبة المصريين ووصفت حفلاتهم بالرقص على جثث الضحايا! كذلك لابد ان يتوقف وزيرا الداخلية والطيران عن إطلاق التصريحات المؤكدة سلامة الإجراءات الأمنية فى المطارات..لأنه ليست بالتصريحات ستعود السياحة الى مصر أو ستتراجع الدول الأوروبية والروسية عن موقفها..لأنها ببساطة شديدة تحافظ على حياة مواطنيها.. النقاط السبع لإنقاذ السياحة وعلى الرغم من هذه الأزمة فإنه من الممكن ان نحول هذه «النقمة» إلى نعمة تجعلنا نعود الى خريطة السياحة العالمية بقوة..وقد وجدت ذلك فى النقاط السبع التى ناقشها رئيس مجلس الوزراء مع المستثمرين وهي: 1- جدولة المستحقات السيادية مع منح المستثمرين فترة سماح 6 أشهر وهذه المستحقات تشمل متأخرات الكهرباء والمياه والضرائب بجميع أنواعها والتأمينات مع سداد جميع اى مستحقات سابقة لتلك الجهات بالتقسيط على مدى 24 شهرا بعد انتهاء فترة السماح.. حتى تتمكن المنشآت السياحية من سداد الرواتب والمستحقات خلال هذه الفترة الصعبة. 2- رسملة الفوائد وجميع المستحقات البنكية حتى 30 يونيو من عام 2016 على ان تسدد بعد سنة من انتهاء مدة القرض..مع سداد مصاريف القروض الفعلية دون حساب أى إضافات. 3- الاستعانة بشركات دولية لتأمين المطارات فى المدن السياحية على غرار العديد من الدول الأوروبية. وهنا سألت وزير السياحة هشام زعزوع الذى رحب بالفكرة مع بعض التعديل..وذكرنى بأن الفريق أحمد شفيق رئيس مجلس الوزراء الاسبق استعان بشركة فيرايورا التابعة لإدارة مطار فرانكفورت لإدارة مطار القاهرة الدولي..واستمر التعاقد معهم لسنوات حققوا خلالها نجاحات شهد بها العالم..وأشار الى أن هذه الشركات لها اسلوب عمل مانيوال تقوم بتطبيقه وتنفيذه بالحرف الواحد ولا تسمح بوجود خطأ مهما قل حجمه..وأكد الوزير أنها تقوم بإدارة المطار بأيد مصرية 100% باستثناء بعض الخبراء للإشراف وتدريب العمالة. ومن جانبنا نعلم ان هذه الشركات لها سمعة ومصداقية لدى جميع الدول الأوروبية التى سوف تسارع بالعدول عن موقفها وتسمح بتدفق الحركة السياحية.ليبدأ بعد ذلك دور وزير السياحة فى التسويق لاستعادة الحركة لمعدلاتها الطبيعية مرة أخري. 4- تحمل صندوق الطوارئ بالقوى العاملة ل50% من اجور العمالة. 5- إعفاء موظفى السياحة الذين حصلوا على قروض بضمان رواتبهم من الفوائد. 6- صرف قروض فورية بضمان الحكومة وبفائدة 7% للتشغيل وسداد الرواتب وتطوير الفنادق حتى تستطيع المنافسة عند عودة الحركة السياحية. 7- النظر فى منح تأشيرات لبعض الجنسيات من حاملى التأشيرة الأوروبية..ومنح تسهيلات لبعض الدول التى من الممكن ان تعوض غياب السائح الأوروبى والروسي. وهنا أكد لى أحد المستثمرين أن التكاليف الثابتة للغرفة تصل شهريا إلى 7 آلاف جنيه..وهذا معناه ان فندقا مكونا من 400 غرفة يحتاج فى نهاية كل شهر الى 2.8 مليون جنيه لصيانته..هذا الرقم لن يستطيع أى مستثمر توفيره خلال الشهرين المقبلين..وبالتالى يجب على الحكومة أن تنتهى من دراسة هذه الطلبات سريعا حتى لا يفقد ملايين العمال مورد رزقهم الوحيد. التجربة التونسية استدعيت هنا ايضا التجربة التونسية فى مساندة قطاع السياحة عقب الحادث الإرهابى الأخير على شواطئ مدينة سوسة..فقد اتخذت الحكومة هناك عددا من القرارات منعا لانهيار صناعة السياحة شملت 10 نقاط: 1- تأجيل سداد أقساط القروض والفوائد التى يحل أجلها خلال عام 2015 إلى عام 2016 مع إعادة جدولتها. 2- منح قروض جديدة تسدد على 7 سنوات منها عامان سماح وتخصص لتمويل نشاط المؤسسات السياحية خلال الموسمين 2015 و2016. 3- إعادة جدولة الديون السيادية شملت إعادة جدولة ديون مؤسسات السياحة تجاه الشركة التونسية للكهرباء والغاز والشركة التونسية لاستغلال وتوزيع المياه. 4- تخفيض ضريبة القيمة المضافة المسددة من القطاع السياحى من 12% إلى 8%. 5- إلغاء الرسوم المفروضة على الأجانب عند مغادرتهم تونس والمحددة ب 30 دينارا بالإضافة إلى التخفيض بنسبة 30% فى اسعار النقل الجوى والبحرى للجالية التونسية فى الخارج وستتحمل الدولة مناصفة مع شركات النقل عبء هذا التخفيض. 6- منحة للمحالين على البطالة. 7- جدولة أصل الدين المتعلق بالمساهمات فى نظام الضمان الاجتماعى على 7 سنوات بطلب من الفندق والإعفاء من غرامات التأخير عند نهاية سداد أصل الدين واحترام الجدولة. 8- تفعيل قرار منح التأشيرة على الحدود بالنسبة للمجموعات السياحية الوافدة من الصين وايران والهند والأردن. 9- منح تأشيرة متعددة الدخول لفترة سنة كاملة لرجال الأعمال والمستثمرين من الدول الأربع. 10- إلغاء التأشيرة على بعض البلدان النامية مثل أنجولا وبوركينا فاسو وبوتسوانا وقبرص وروسيا البيضاء وكازاخستان. زعزوع : المجلس الأعلى للسياحة يحتاج إلى إعداد جيد لتحقيق أهدافه سألت وزير السياحة هشام زعزوع عن امكان عقد المجلس الأعلى للسياحة برئاسة الرئيس عبد الفتاح السيسى بصورة عاجلة لإصدار قرارات فورية لمساندة قطاع السياحة؟ فقال إنه بالفعل يعمل على الاعداد لأول جلسة..حيث حصل على موافقة الرئيس على ترئاسه للمجلس..ولكن الوزير يرى أنه يجب الاعداد الجيد لذلك حتى يحقق الهدف المنشود منه..حيث يقوم الآن بتشكيل أمانة عامة للمجلس الأعلى لمتابعة ما يصدر عنه من قرارات تحسبا لعدم الوقوع فى نفس الأخطاء التى وقعت فيها المجالس السابقة، كذلك لابد من تحديد المشاكل التى عجزت الحكومة عن حلها وتحتاج الى تدخل الرئيس. واضاف الوزير ان تشكيل المجلس يحتاج الى تمثيل من جميع المقاصد السياحية والتخصصات..وهذا الأمر يحتاج الى دراسة متأنية، لافتا الى أن وقت الرئيس محدود ولذلك علينا ان نختار التوقيت المناسب ووضع اجندة محددة النقاط. اما بخصوص الاتجاه لأسواق جديدة..فقد أشار الوزير إلى ان هناك خطوات فعلية لجذب مجموعات سياحية من دول الخليج..مؤكدا أن قضية التأشيرات الخاصة بدول المغرب العربى فى سبيلها للحل خلال الأيام المقبلة.. وأضاف ان هناك اتجاها لدعم الشركة الوطنية للطيران والشركات الخاصة..لتوجيهها الى تنظيم رحلات وجلب سائحين من مختلف الدول التى لم تفرض حظر سفر للمقاصد المصرية.. لا شك ان هذه الأزمة لم تمر على قطاع السياحة من قبل.. وتحتاج الى معالجات مختلفة.. والشواهد تؤكد أن وزير السياحة نجح فى دفع الحكومة للتحرك سريعا حيث عقدت اجتماعها على ارض شرم الشيخ الثلاثاء الماضى والتقت بكامل هيئتها لأول مرة بالمستثمرين. واستمعت لمشاكلهم وشعرت بمعاناتهم وانتهى اللقاء بوعد بإصدار حزمة من التيسيرات خلال أسبوع حتى لا تتفاقم الأزمة وتمتد الى المساس بمستحقات ملايين العاملين. [email protected]