ليست هذه المرة الأولي التي أتعرض فيها لملف هوية سيناء الثقافية أو لفكرة توظيفه لكسر حالة العزلة والإهمال اللذين تعرضت لهما سيناء لسنوات طويلة, وحل أزمة البطالة بين الشباب وتنمية بقعة غالية من أرض الوطن, ارتوت حبات رمالها بدماء الشهداء علي مر التاريخ, فكانت و لا تزال حصن مصر وبوابتها الشرقية. وبالرغم من أن تناول هذا الملف, لم يكن يتم بصورة موسمية, فإنني أظن أن إعادة فتحه وقراءته في هذا اليوم, في أسبوع ذكري تحرير سيناء وفي ظل الأحداث التي يشهدها الوطن الآن له وقع مختلف ودلالة أكبر وأخطر, خاصة بعد أن أكدت أحداث الأشهر الماضية مخاطر استمرار إهمال وعزلة أرض الفيروز. يعود عيد تحرير سيناء بينما الأجواء ضبابية والنفوس مثقلة والعقل مكبل!!. فكرة الاختيار والالتفاف حول مشروع قومي تنموي مؤجلة.. آمال و أحلام وطموحات الغد يهددها خطر تصاعد موجات العنف والغوغائية وتأجيج نيران الفتنة والفرقة بين أبناء الوطن الواحد ومحاولات طمس الهوية و إثارة النعرات التي تحكمها علاقات البطون والقبائل, الأمر الذي يهدد بتمزيق أوصال وطن امتد و استقرت حدوده علي الأرض وفي الوجدان منذ آلاف السنين. لقد جرت العادة في كل عام مع بدء الاحتفالات بتحرير سيناء أن تتكرر نفس العبارات والأغنيات عن أرض الفيروز, لكن الاكتفاء بتكرار هذه العبارات الآن و استمرار تجاهل حالة الفراغ السكاني في سيناء وضعف التنمية الاقتصادية وما ينشأ عنه من مشكلات بات يشكل خطورة حقيقية علي أمن مصر. وهنا أتصور أن العودة لقراءة خلاصة فكر كتابنا و باحثينا في تحليل نسيج و ثقافة الأمة, قد يكون بمثابة محاولة أن نوقد شمعة بدلا من أن نلعن الظلام. تشير عدة دراسات( عرضنا لبعض منها من قبل) إلي أن النسيج الثقافي المجتمعي المصري رغم تجانسه يحمل في ثناياه ثقافات متنوعة أو علي الأقل عددا من الموتيفات الثقافية المستمدة من علاقة المصري, ابن الوادي والنيل أو الصحراء, مع البيئة, وأن هذه الموتيفات الثقافية تحدد البناء المعرفي لأبناء تلك المجتمعات, وتشكل أفكارهم وأنماط سلوكياتهم وتقاليدهم. وقد أدي تجاهل طبيعة المجتمع السيناوي وموتيفاته الثقافية والفراغ السكاني في المنطقة والعزلة التي عاشها أبناء سيناء بسبب العوامل الطبيعية والبعد عن الوادي, لإثارة شهوة الطامعين فيها. فلم يقتصر الأمر منذ نكسة67 علي محاولة إسرائيل الاستيلاء علي خيرات سيناء ومواردها الطبيعية وإجراء الحفائر الأثرية في أكثر من منطقة أثناء فترة الاحتلال, بل أيضا والأهم محاولة تزوير تاريخ المنطقة وهوية وانتماء سيناء للمجتمع المصري, عبر النشر والترويج لعدد من الأبحاث في عدد من الدوريات العلمية الإسرائيلية والإصرار علي ادعاءات الهوية اليهودية لسيناء ومحاولات طمس الدلائل والمعالم الكاشفة لطبقات وعصور التاريخ المصري. وهنا تجدر الإشارة إلي أن المخاطر التي تتعرض لها سيناء اليوم قد تنبه إليها عدد من الباحثين والكتاب بدءا من نعوم شقير في كتابه تعمير سيناء الصادر عام1916 مرورا بعباس عمار في منتصف أربعينيات القرن الماضي وجمال حمدان في شخصية مصر وكتاب د. رشدي سعيدتعمير شبه جزيرة سيناء وكتاب محمود المراغي سيناء الحرب والمكان(1967) وموسوعة سيناء وغيرها, ثم إعلان المشروع القومي لتنمية سيناء في ثمانينيات القرن الماضي. وقد استهدف ذلك المشروع نقل3 ملايين نسمة من سكان الواديلسيناء و تطوير مواردها الاقتصادية من أراض زراعية و ثروات معدنية و سياحية و تحويل بلدة نخل إلي واد للتكنولوجيا, بما يتيح800 ألف فرصة عمل, ولكن لم يتحقق منه مع الأسف سوي إقامة نفق الشهيد أحمد حمدي و جسر الفردان وتطوير ميناء العريش!! واستكمالا لجهود أساتذتنا وفي سياق تأكيد هوية سيناء المصرية ومواجهة مشكلة الفراغ السكاني وتأمين بوابة مصر الشرقية تبنت هذه الصفحة علي مدي سنوات قضية تعمير سيناء من خلال توظيف تراثها الثقافي وإحياء الطرق التاريخية واستغلال هذه الطرق سياحيا وفتح المجال لاستثمارات عربية وأجنبية لاستغلال هذه الطرق والدعاية لهذه المشروعات لجذب السائحين والمزيد من الاستثمارات لاستغلال الصناعات السيناوية. واليوم نكرر الدعوة.. فأرض سيناء التي ارتوت حبات رمالها بدماء الشهداء في أكثر من خمسين حربا علي مر العصور و لا تزال دروبها تحكي قصص الحجيج والأنبياء وبطولات أبنائها منذ67 إلي نصر73, ولايزال تراثها الشعبي وصناعاتها التقليدية وآثارها وعيونها ومنحوتاتها الصخرية الطبيعية شاهدا علي انتمائها الأصيل للوطن الأم, تستحق منا أن نحول القول لفعل وخطة عمل تخمد نيران الفتنة و تجمع أبناء الأمة حول مشروع وهدف واحد ربما يكون أول خطوة في كشف الغمة عن الأمة. .. وتهديدات بإخفاء معالمها التاريخية والدينية كتب: محمد هزاع سيناء بما لها من جذور تاريخية ودينية كانت هي المحور الرئيسي في ندوة الصالون الثقافي الذي أداره د. حامد طاهر استاذ الفلسفة الاسلامية وكان من بين الحضور اللواء فؤاد حسين بالمخابرات الحربية سابقا ومؤلف كتاب شبه جزيرة سيناء المقدسة والشيخ عبدالله جهامة, شيخ قبيله الطرابين بوسط سيناء ونخبة من المفكرين. وأشار اللواء فؤاد حسين الي العوامل التي جعلت من سيناء منطقة مقدسة حيث ورد ذكرها في القرآن كما وردت الاشارة الي الجبل المقدس بها والمنطقة التي كلم الله تعالي موسي عندها, وأضاف ان سيناء تواجه تحديات كبيرة منها محاولات اسرائيل المستمرة لسرقة واخفاء الكثير من معالمها الدينية والتاريخية, كما أن هناك دولة حدودية تدعي أن المناطق التي أشار اليها القرآن الكريم توجد عندها وليست في سيناء, ومن ذلك الوادي المقدس( طوي) هذا بالاضافة إلي غياب المصريين عنها وعدم معرفتهم بطبيعة أرضها, وجغرافيتها. وأوضح الشيخ عبدالله جهامة شيخ قبيلة الطرابين المشكلات الحالية التي تواجه المجتمع السيناوي, أن السلوك الأمني قبل ثورة25 يناير في تعامله مع الأهالي كان يتسم بالعنف واقصاء شيوخ القبائل عن مكانتهم المعترف بها لدي الأهالي جميعا مما كان له أثره السيئ علي الشعب السيناوي. وفي مداخلته نبه المفكر الكبير د. عبدالمنعم تليمة الي ضرورة وضع خطة مستقبلية لتنمية سيناء, يتم فيها متابعة المشروعات مع الأخذ في الحسبان أهمية التنمية البشرية, ونشر التعليم ومحو الأمية, وأن هذه العوامل مجتمعة هي التي تعطي للتنمية بعدها الحقيقي, وتقربنا من تحقيق الأهداف المستقبلية. وفي ختام المناقشات برزت بعض الأفكار المهمة بالنسبة لتنمية سيناء منها, تشجيع هجرة أهل بحري والصعيد علي الاستيطان في سيناء واعادة احياء الطرق الدينية التي مر فيها الأنبياء, والأماكن التي ارتبطت بدعواتهم, مع العمل علي تسويق هذه الأماكن سياحيا وعدم التركيز فقط علي الشمال والجنوب فمازالت منطقة الوسط خالية تماما من أي مشاريع للتنمية. وفتح باب التملك لأبناء سيناء, ودفع رجال الأعمال إلي اقامة مشروعات انتاجية تعمل علي استغلال كل الموارد الطبيعة المتاحة في سيناء, مع ضرورة استيعاب شباب سيناء للعمل فيها. ge.gro.marha@ahieless