"التفريط" في أعمال اليوم والليلة.. دنيوية، أو أخروية، أو هما معا؛ آفة قلَّما يخلو منها إنسان، بدرجات متفاوتة. ويعني: التقصير أو الأهمال أو التضييع للوظائف أو الواجبات أو الفرائض التي ينبغي للمرء أن يحافظ عليها إلى أن يفوت وقتها، ولا يصلح لاسترجاعها ندم، ولا أسف. هذا "التفريط" في أعمال اليوم والليلة - الذي هو آفة تستلزم علاجها - يجعل المرء يتحسر يوم القيامة، ويتمنى أن لو أن الله هداه لكان من المتقين، أو لو أن له "كرَّة" (رجعة إلى الدنيا) فيكون من المحسنين. في ذلك ورد قول الحق سبحانه وتعالى؛ في الآيات من 53 حتى 59 من سورة "الزمر"، وأولها قوله: "قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ". (الزمر: 53). والتفريط - المذكور في الآيات - لغة - : هو: "التقصير في الأمر، وتضييعه حتى يفوت".. جاء في لسان العرب: "فرط في الأمر يفرط فرطا، أي: قصَّر فيه، وضيعه حتى فات، وكذلك التفريط". وفرطه: ضيعه، وقدم العجز فيه". وقال ابن كثير في تفسيره: "هذه الآيات الكريمة دعوة لجميع العصاة من الكفرة وغيرهم إلى التوبة، والإنابة، وإخبار بأن الله تبارك وتعالى يغفر الذنوب جميعا لمن تاب منها، ورجع عنها، وإن كثرت، وكانت مثل زيد البحر، ولا يصح عمل هذه على غير توبة؛ لأن الشرك لا يغفر لمن لم يتب عنه". سبب النزول روى البخاري ومسلم في صحيحيهما عن ابن عباس رضي الله عنهما: أن ناسا من أهل الشرك كانوا قد قتلوا فأكثروا. وزنوا فأكثروا. فأتوا محمدا صلى الله عليه وسلم فقالوا: "إن الذي تقول وتدعو إليه لحسن لو تخبرنا أن لما عملنا كفارة. فنزل "وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَٰهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ . وَمَن يَفْعَلْ ذَٰلِكَ يَلْقَ أَثَامًا".(الفرقان:68). ونزل قوله تعالى: "قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ". مكانة الآية قال على بن أبي طلحة عن ابن عباس، رضي الله عنهما، في هذه الآيات: "قد دعا الله تعالى إلى مغفرته من زعم أن المسيح هو الله، ومن زعم أن المسيح هو ابن الله، ومن زعم أن عُزيرا ابن الله، ومن زعم أن الله فقير، ومن زعم أن يد الله مغلولة، ومن زعم أن الله ثالث ثلاثة. يقول الله تعالى لهؤلاء: "أَفَلَا يَتُوبُونَ إِلَى اللَّهِ وَيَسْتَغْفِرُونَهُ . وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ". (المائدة: 74).. ثم دعا إلى التوبة من هو أعظم قولا من هؤلاء؛ من قال: "أنا ربكم الأعلى". وقال: "ما علمت لكم من إله غيري". قال ابن عباس: "من آيس عباد الله من التوبة بعد هذا. فقد جحد كتاب الله عزوجل". أما "التوبة" التي دعانا الله إليها، فهي "ليست عن المعاصي فقط، وإنما التوبة الأهم هي عن عدم فعل الحسنات، وتضييع الطاعات"، حسبما قال ابن تيمية. فهل نعرض أنفسنا، وأحوالنا على الآيات الكريمة؟ [email protected] لمزيد من مقالات عبدالرحمن سعد