من رحمة الله تعالى على عباده أنهم مهما أسرفوا في الذنوب والمعاصي فإن الله ينهاهم عن اليأس من رحمته، فمن كرمه وعفوه ورحمته بعباده أنه يغفر لهم جميع الذنوب مهما كان هذا الذنب كبر أو صغر، إلا بالطبع أن يُشرك به . يقول تعالى ( قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا ۚ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ). ( الزمر 53 ) . التفسير اختلف أهل التأويل في الذين عُنُوا بهذه الآية، فقال بعضهم: عني بها قوم من أهل الشرك، قالوا لما دعوا إلى الإيمان بالله: كيف نؤمن وقد أشركنا وزنينا وقتلنا النفس التي حرّم الله، والله يعد فاعل ذلك النار، فما ينفعنا مع ما قد سلف منا الإيمان، فنزلت هذه الآية. وقال ابن عباس في تفسيرها: "وذلك أن أهل مكة قالوا: يزعم محمد أنه من عبد الأوثان ودعا مع الله إلها آخر وقتل النفس التي حرّم الله لم يغفر له، فكيف نهاجر ونسلم، وقد عبدنا الآلهة، وقتلنا النفس التي حرم الله ونحن أهل الشرك؟ فأنزل الله( يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ) يقول: لا تيأسوا من رحمتي، إن الله يغفر الذنوب جميعا وقال: وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ وإنما يعاتب الله أولي الألباب وإنما الحلال والحرام لأهل الإيمان، فإياهم عاتب، وإياهم أمر إن أسرف أحدهم على نفسه أن لا يقنط من رحمة الله وأن ينيب ولا يبطئ بالتوبة من ذلك الإسراف والذنب الذي عمل، وقد ذكر الله في سورة آل عمران المؤمنين حين سألوا الله المغفرة فقالوا: (رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا) فينبغي أن يعلم أنهم قد كانوا يصيبون الإسراف فأمرهم بالتوبة من إسرافهم".