بدأ النظام السياسى الإسلامى بإنشاء الرسول المصطفى (صلى الله عليه وسلم) دولة المدينة فى القرن السابع الميلادي، وبعد انتقاله للرفيق الأعلي، بدأ عصر الخلفاء الراشدين، وتحولت الدولة إلى خلافة، ولكن دولة المدينة وبوجود الرسول المصطفى المدعوم بالوحى انطوت صفحتها، وكان على الناس تدبير أمورهم اعتمادا على أنفسهم وقدرتهم على التصرف والاجتهاد فى غيبة الوحى اعتمادا على وجود القرآن والسُنة، ولأن المسلمين الأوائل لم يجدوا فى القرآن ولا فيما قاله نبى الله ورسوله طريقا محددا لاختيار من يخلفه، فقد بدأ الخلاف قبل أن يوارى جثمان الرسول التراب. ففى سقيفة بنى ساعدة، اجتمع الأنصار لاختيار أمير من بينهم، وعرف أبوبكر وعمر وأبوعبيدة بن الجراح بالاجتماع وبالهدف منه، فتوجهوا إلى هناك، وتطايرت الكلمات وهدد الحباب بن المنذر الأنصارى بالحرب، وتوالت الاقتراحات، فقال الأنصار «منا أمير ومنكم أمير»، وجاءهم الرد سريعا من أبى بكر ومن معه حيث قالوا «منا الأمراء ومنكم الوزراء». وهذا الخلاف والصراع تأكيد على عدم وجود نص ولا حتى وصية من الرسول نهج أو أسلوب لاختيار من يخلفه أو من يتولى أمور المسلمين، وجاء اختيار الخلفاء الراشدين ليزيد هذه الحقيقة تأكيدا، فالخليفة أبوبكر تم اختياره من قلب الصراع فى سقيفة بنى ساعدة، واختار أبوبكر عمر بن الخطاب لخلافته، فى حين أوصى عمر باختيار الخليفة من بين ستة من الصحابة حدد أسماءهم، ثم آلت الخلافة لعلى بن أبى طالب بعد مقتل عثمان بن عفان على يد الثوار المسلمين. وتعدد أساليب اختيار الخلفاء الراشدين كان يرسم طريق اختيار من يتولى أمر المسلمين، وأنه متروك للمسلمين وفقا لظروفهم ومتطلباتهم. وخلال فترة خلافة على بن أبى طالب، بدأ مسلمون يقتلون مسلمين، وكانت البداية بمعركة الجمل التى قاد فيها الخليفة فريقا من المسلمين بينهم عدد من المبشرين بالجنة، وكانت عائشة بنت أبى بكر زوجة رسول الله على رأس فريق آخر، يضم أيضا عددا من المبشرين بالجنة. وهنا علينا أن نشير إلى حروب أبى بكر ضد مانعى الزكاة، كانت دفاعا عن الإسلام ضد من يريدون هدم ركن من أركانه.. أما واقعة الجمل وما تلاها، فقد كانت فى إطار الصراع والاختلاف بين طرفى الصراع. وعندما قرر معاوية مناوأة الخليفة، تجدد القتال بين المسلمين، وأثناء معركة صفين، رفع معسكر معاوية المصاحف على أسنة الرماح تعبيرا عن الدعوة لتحكيم القرآن بين المتحاربين، وكان ذلك أول استخدام للدين فى الصراع السياسي، أو فلنقل الصراع على السلطة.. وهكذا تحول الدين إلى أداة بجانب السيف لخدمة الحاكم أو الذين يتطلعون للحكم، هذا التوظيف للدين لأهداف سياسية، بدأه معاوية ولم يتوقف حتى الآن. وبهذا الصراع بين على ومعاوية، انفتح الباب لبدء فتنة لم تنطفئ نيرانها حتى اليوم. ومن يقرأ التاريخ، يعرف أن الشورى لم تكن من المبادئ أو القواعد التى احترمها الخلفاء، ووقعوا جميعا تحت وهم الاقتناع بأنهم اختيار إلهي. وكانت نقطة البداية فى التاريخ الإسلامى لمثل هذا الوهم المضلل، عندما اقترح بعض حكماء المسلمين على الخليفة عثمان بن عفان التخلى عن الخلافة لإطفاء نار الصراع والثورة، فقال رضى الله عنه: «كيف أخلع قميصا ألبسنيه الله؟!». وكانت أوروبا المسيحية قد سبقتنا إلى ذلك، فالملوك لا يحكمون بالنيابة عن الله فقط، بل هم ظله على الأرض. وبعد إلغاء الخلافة العثمانية، تطلع كل من الملك فؤاد الأول ملك مصر والعاهل السعودى الملك عبدالعزيز للفوز بلقب خليفة المسلمين، ولكن القوى الرافضة لفكرة ومنطق الخلافة أحبطت هذا المسعي. وقد وجد الملك فؤاد مساندة من الأزهر والأزهريين، وفى نفس الوقت كانت هناك مجموعة كبيرة من شيوخ الأزهر تؤيد الملك عبدالعزيز. وعندما أصدر الأزهرى الشيخ على عبدالرازق كتابه المهم المعنون «الإسلام وأصول الحكم.. بحث فى الخلافة والحكومة فى الإسلام»، قرر الأزهر فصله وقدم للمحاكمة وتم تكفيره والهجوم عليه من فوق المنابر، كل هذا لأنه ناقش فكرة الخلافة فى الإسلام، وأوضح أن الإسلام رسالة لا حكم ودين لا دولة. وهذا ما غضب الأزهريين فى ذلك الوقت، كان ذلك خلال الربع الأول من القرن العشرين وبداية الربع الثاني.. وهاهو العالم الإسلامى وبعد مرور ما يقرب من قرن من الزمان، يعود إلى نفس النقطة ويطرح بقوة فكرة الخلافة باعتبارها الطريق إلى مجد الدين والدنيا، بل وتتولى قوى إسلامية شديدة التطرف وموغلة فى الإرهاب زعزعة استقرار المنطقة ككل وتملأ أنهارا من دماء المسلمين. لمزيد من مقالات عبده مباشر