دخلت الضربات الروسية ضد مواقع المجموعات المتطرفة فى سوريا يومها الثالث وسط محاولات دولية تقودها فرنسا وألمانيا لتجسير هوة الخلافات بين موسكووواشنطن بشأن الحرب السورية على قاعدة "الحل الأوكراني"، فيما فرض تعقيدات المشهد فى سماء سوريا المزدحمة بالطائرات الحربية تنسيقاً عسكرياً بين أمريكاوروسيا لتفادى اشتباك محتمل يقود إلى تدحرج "كرة ثلج" التوترات السياسية إلى ساحة الحرب. ونفذت المقاتلات الروسية أمس غارات فى محافظة إدلب (شمال غرب سوريا) استهدفت خلالها مقاتلى "جيش الفتح"، بحسب تلفزيون "الميادين" المقرب من النظام السوري. وقال تلفزيون الميادين" إن الضربات أصابت "مراكز قيادية وتجمعات لمسلحى جيش الفتح فى جسر الشغور وجبل الزاوية بريف إدلب". فيما ذكرت مصادر آخرى أن الطائرات الروسية قصفت مواقع يسيطر عليها "تجمع العزة" فى محافظة حماة المجاورة. وأعلنت وزارة الدفاع الروسية أن مقاتلاتها نفذت 18 طلعة جوية ضد 12 موقعاً للإرهابيين فى كل من الرقة وحماة وإدلب وحلب بسوريا، وأوضحت الوزارة أن مقاتلات "سوخوي- 34" دمرت مركز قيادة ومعسكر تدريب ل"داعش" قرب الرقة، ومركز قيادة ومعسكرا له فى حماة. وأعلنت وزارة الدفاع الروسية أن استخدام مقاتلات "سوخوي-34" سيسمح للقوات الجوية الروسية بتوجيه ضربات ضد مواقع تنظيم "داعش" فى كل أنحاء سوريا بدقة مطلقة. وقال إيجور كوناشينكوف المتحدث باسم وزارة الدفاع الروسية أمس: إن "مقاتلات (سوخوي-34) الروسية وجهت ضربات دقيقة من ارتفاع 5 آلاف متر. وتسمح أجهزة الملاحة الجوية وتوجيه الضربات من على متن الطائرات بضرب أهداف على الأرض بدقة مطلقة".وأشار كوناشينكوف إلى أن الطائرات الروسية أثبتت ذلك لدى قيامها بتدمير مركز قيادة تابع ل"داعش" قرب الرقة فى سوريا. وذكر ناشطون سوريون أن الضربات الروسية قرب الرقة أدت إلى مقتل 12 من عناصر "داعش". وأكد المسئول العسكرى الروسى أن الطيران الحربى الروسى يهدف إلى تدمير البنى التحتية لتنظيم "داعش" حصرا، والتى تتمثل فى مراكز القيادة والاتصالات والمراقبة ومخازن الأسلحة والذخائر والوقود ومصانع القنابل والسيارات المفخخة، مشيراً إلى أن القوات السورية هى التى تجرى عمليات برية دون مشاركة قوات روسية فيها. وأشار كوناشينكوف إلى أن "طائرات "سوخوي-25" ضربت معسكرا لمسلحى "داعش" فى منطقة معرة النعمان فى محافظة إدلب ودمرت بالكامل مخابئ تحت الأرض وكذلك مخازن للأسلحة والوقود للإرهابيين"، وأضاف أن الطيران الروسى دمر مركز قيادة لمسلحى "داعش" فى محافظة حماة إضافة إلى عشرات الآليات العسكرية المزودة بأسلحة نارية من عيار كبير. ويقول مسئولون أمريكيون إن روسيا نشرت 32 مقاتلة جوية فى سوريا من بينها قاذفات وطائرات هجوم ارضى ومطاردات متمركزة فى مطار تم تحويله الى قاعدة عسكرية قرب اللاذقية. كما تنشر روسيا ميدانياً أكثر من 500 جندى من مشاة البحرية مهمتهم الرئيسية هى حماية القاعدة.وتنشر روسيا أيضاً حوالى عشرين مروحية وعدداً من الدبابات والمدرعات لنقل الجند. وخلف الأبواب المغلقة وبعيداً عن الخلافات السياسية كان للعسكريين كلمة آخرى، حيث اجرى مسئولون من وزارة الدفاع الأمريكية "البنتاجون" محادثات مع مسئولين عسكريين روس أمس الأول فى محاولة لتفادى حصول تصادم فى المجال الجوى السوري، دون الإعلان عن نتائج هذا الاجتماع. وأعلن بيتر كوك المتحدث باسم "البنتاجون" أن مسئولين عسكريين أمريكيين تباحثوا مع نظرائهم الروس لمدة ساعة فى اتصال عبر الدائرة المغلقة اتسم باجواء "ودية ومهنية"، مضيفاً أن المباحثات شملت مسائل مثل الترددات التى يجب ان يستخدمها الطيارون فى حالات الطوارئ واللغة التى يجب التواصل من خلالها بين مختلف الطواقم الجوية. وأوضح المتحدث العسكرى الأمريكى: «كنا واضحين جداً أن الحد الأدنى من الأولوية يجب أن يكون ضمان سلامة عمليات الطواقم الجوية فوق سوريا». وقال مسئول فى "البنتاجون" إن "المجال الجوى محدود فوق سوريا وهناك العديد من (المقاتلين) علينا القضاء عليهم"، موضحاً أن "تفادى التصادم مهم لأنه يقلص من المخاطر الناجمة عن الاحتكاك غير المقصود والتواجد فى المجال الجوى نفسه فى الوقت نفسه". وجاء هذا الاتصال بين المسئولين العسكريين الأمريكيين والروسى فى الوقت الذى أكدت المخابرات العسكرية الأمريكية أن القوات الجوية الروسية العاملة فى سوريا لم تقصف أى قوى معارضة تدعمها واشنطن. وقال روبيرت أوتو نائب قائد أركان القوات الأمريكية لشئون المخابرات إن القوات الجوية الروسية لم تقصف مثل هذه المجموعات من المعارضة السورية، مضيفاً أن السؤال عن شكل رد الفعل الأمريكى فى حال حصول مثل هذه الحالة يحمل صفة افتراضية. وتصريحات أوتو تناقضت مع تصريحات المتحدث باسم البيت الأبيض جوش إرنست بأن روسيا تستهدف فى سوريا قوى "المعارضة المعتدلة" وليس "داعش" فحسب. وقال إرنست أمس الأول إن "روسيا ترتكب خطأ كبيراً، فهى تسيء التقدير" فى سوريا حيث تشن الغارات "دون تمييز"، مشيراً إلى أن: "روسيا تريد مساعدة الرئيس السورى بشار الأسد وتعتبر جميع القوى التى تواجهه من تنظيم "داعش " والمعارضة المعتدلة "تشكيلاً موحداً". وفى واشنطن، آثارت المحادثات العسكرية انتقادات من قبل معارضى أوباما الذين يتهمونه بعدم التعاطى مع الأزمة فى سوريا بالشكل الملائم مما اوجد فراغاً فى القيادة الدولية استغلته روسيا. وصرح جون ماكين بأن "(تفادى حصول تصادم) هو مجرد تعبير تبرر به إدارة أوباما قبولها لتوسع دور روسيا فى سوريا وبالتالى لاستمرار وحشية الأسد ضد الشعب السوري". وفى موسكو، صرح ألكسى بوشكوف رئيس لجنة الشئون الدولية فى مجلس الدوما الروسى بأن العملية الروسية فى سوريا ستستمر 3 إلى 4 اشهر. قبل أن يتراجع عن التصريحات بقوله: إنها أخرجت من سياقها، حيث قصد أن العملية الروسية ستكون ضمن فترة زمنية محددة ، ومدة العملية سيحددها العسكريون الروس. وعلى المستوى السياسى والدبلوماسى لإيجاد مخرج سريع لتفاقم الصراع الدولى فى سوريا، التقى قادة فرنساوروسيا والمانيا واوكرانيا أمس فى باريس، من اجل دفع عملية السلام قدماً فى اوكرانيا، فى ظل الغاء محتمل للعقوبات المفروضة على روسيا نهاية السنة. وهى القمة التى استغلها الرئيس الفرنسى فرانسوا أولاند من أجل التباحث بشكل منفرد مع الرئيس الروسى فلاديمير بوتين بشأن الصراع فى سوريا كما عقد أولاند لقاءً ثانياً مع المستشارة الألمانية انجيلا ميركل لنفس الغرض. إلى ذلك، أعلن اعضاء من الائتلاف الدولى بقيادة الولاياتالمتحدة أن الغارات الروسية فى سوريا ستؤدى الى تصعيد النزاع ، ودعوا روسيا إلى التوقف فورا ًعن استهداف مقاتلى المعارضة السورية. وجاء فى بيان اصدرته سبع دول من بينها تركيا وقطر والسعودية والولاياتالمتحدة أن "هذه الأعمال العسكرية ستؤدى إلى تصعيد أكبر وستزيد من التطرف والأصولية".
نشر موقع «روسيا اليوم» أمس تحليلاً حول الضربات الروسية فى سوريا بعنوان «موتوا بغيظكم» ، اعتبرت فيه أن موسكو انتزعت زمام المبادرة بشكل نهائى فى سوريا من واشنطن، التى تواجه مأزقاً مستديما أيضا فى العراق، حيث لا تقدم فعلياً فى محاربة الإرهاب ولا نجاح.وأشار تعليق «روسيا اليوم» إلى موافقة الحكومة العراقية (حليفة الولاياتالمتحدة) على مشاركة روسيا فى هذه العملية، وسماحها بعبور الطائرات الروسية أجواءها.
نشب خلاف دبلوماسى بين مسئولين روس وبريطانيين أمس الأول على موقع «تويتر» للتواصل الاجتماعى على خلفية بدء الغارات الروسية على سوريا، بحسب صحيفة «ديلى تليجراف».وذكرت الصحيفة أن وزير الخارجية البريطانى فيليب هاموند كان قد نشر تغريدة تقول: «يتعين على روسيا أن تكون واضحة مع المجتمع الدولى بخصوص استهداف «داعش» أو الميليشيات المرتبطة ب»القاعدة» وليس قوات المعارضة السورية المعتدلة». ولفتت الصحيفة إلى أن السفارة الروسية فى لندن سخرت من هاموند بإرسال صورة له لطائرات حربية روسية تطلق صاروخاً ، مصحوبة بالقول إن «الأعمال التى تقوم بها موسكو فى سوريا شرعية ».