لا شك ان ظهور وسائل الاتصال التكنولوجية الحديثة أحدث طفرة فى المجتمع ونتجت عنه سلوكيات مختلفة، سواء كانت إيجابية أو سلبية، فبعض الناس ترى أن تأثير التكنولوجيا على المجتمع يرجع الى كيفية استخدامها ويرى البعض الآخر انه على الرغم من ايجابيات وسائل الاتصال الحديثة فإن سلبياتها طغت على إيجابياتها . ولفترة طويلة ظلت الاسرة والمدرسة تلعبان دورا أساسيا فى تكوين مدارك الانسان وثقافته وتسهمان فى تشكيل القيم والأخلاق التى يتمسك بها ويتخذها كمقومات للسلوك الاجتماعى بما فيها علاقات الآباء بالأبناء. اما اليوم فقد انتقل جزء كبير من هذا الدور الى شبكات الإنترنت والهواتف المحمولة والالعاب الإلكترونية، الامر الذى حل محل الحوار والمحادثة بين أفراد الاسرة الواحدة ، وأدى الى توسيع الفجوة والصراع بين الآباء والأبناء، وهذه التحولات التكنولوجية افرزت تفاعلات جديدة للعلاقات الاسرية وادت الى تعزيز العزلة والتنافر بين افرادها وتلاشى قيم التواصل الاسرى واستبدل الأبناء الانترنت بابائهم، كمصدر للمعلومات وفقدوا الترابط الأسرى والتصقوا بالحوار مع الغرباء لدرجة الشعور بالغربة على مستوى الاسرة الواحدة، واستخدام بعض التطبيقات التى تتيح للشخص تقمص شخصية وهمية تتيح له التفاعل مع مجتمع وهمى واصدقاء وهميين، ويرجع السبب فى انتشار هذه الظاهرة الى فقدان التفاعل والانسجام مع المجتمع الفعلى الذى يحيط بالفرد ولذلك اصبح اللجوء الى هذا المجتمع الوهمى بديلا عن التفاعل الاجتماعى الصحى مع الأهل والأقارب والأصدقاء وقضاء الساعات الطويلة فى استكشاف مواقع الانترنت المتعددة مما يعنى تغيرا فى منظومة القيم الاجتماعية للافراد وذلك يؤدى الى الاستخدام المفرط للقيم الفردية بدلا من القيم الاجتماعية، ويعزز الرغبة والميل للوحدة ويقلل من فرص التفاعل والنمو الاجتماعي. تقول راندا يحيى أم الثلاتة ابناء ألا يمكن ان ننكر اهمية استخدام التكنولوجيا فى حياتنا اليومية، حيث ان الدول المتقدمة تخصص اكبر ميزانية من دخلها على البحث العلمى والتعليم، وعلينا ألا نغفل اهمية التقريب بين وجهات النظر بين الشباب وبين الجيل القديم، فلكل جيل منهم خصائصه التى ينتج عنها الاختلاف الفكرى والثقافى والعقائدى وكلاهما يعتقد ان الزمن الذى يعيشه هو الافضل ويتمتع بخصوصية فريدة من نوعها وعلى ذلك تتسع الهوة والفجوة بين الاجيال، والحل من وجهة نظرى يكمن فى عقد جلسات نقاشية واسعة خاصة على مستوى الاسرة الواحدة بحيث يستعرض كل طرف مبرراته ومعاييره امام الطرف الاخر والاستماع الى مختلف الافكار والخبرات ويعبر كل فرد بحرية عن رأيه لإيجاد همزة الوصل والتقريب بين وجهات النظر، وبصفتى اما لثلاثة اطفال فى عمر الزهور لا يخلو يومهم من استخدام الكمبيوتر سواء فى الالعاب او الدخول لمواقع التواصل الاجتماعى والتحدث مع زملائهم او احيانا تأدية الواجبات المدرسية عن طريق النت، فإن دخول التكنولوجيا ووسائلها ضرورة فى كل بيت ولكن المهم هو استخدامها بشكل صحيح وتحت اعين الوالدين وفيما يفيد ودون اهدار للوقت . ويوضح اسامة امين الامر، قائلا: لا نستطيع أن ننكر فضل التكنولوجيا حيث انها سهلت كثيرا فى حياتنا اليومية وأصبح يمكن للشخص ان ينجز الكثير من الاعمال فى اوقات قليلة وبسرعة فائقة وفى الوقت نفسه: ولا نستطيع ان نغفل عن اثارها السلبية الكثيرة، فعلى الاباء مساعدة ابنائهم فى التعرف على اهمية التكنولوجيا الحديثة وكيفية استخدامها بشكل ايجابى . وتقول الدكتورة عزة كريم استاذ علم الاجتماع بالمركز القومى للبحوث الاجتماعية والجنائية ان التقدم التكنولوجى مثله مثل أى انجاز علمى له سلبياته وايجابياته والدول المتطورة تدعم الايجابيات وتحاول ان تقلل من السلبيات ولكن فى الدول النامية مثل كثير من الدول العربية، ومنها مصر نجد اننا لم نسيطر الى الآن على سلبيات تكنولوجيا الاتصالات، ومن اهم انواع تكنولوجيا الاتصالات التى لها تأثير واضح النت والفضائيات والموبايل لأن هذه الانواع أصبحت تقوم بدور يتساوى مع دور الانسان ، فيتم الاعتماد عليها كمصدر للمعلومات بل التسليم بمصداقيتها، ووسائل الاتصال الحديثة لها تأثير واضح على العلاقات الاسرية، وأصبح اهتمام معظم الشباب وحتى الاطفال واحيانا الكبار متعلقا بالانترنت والفيس بوك أكثر من اهتمامهم بالعلاقات الانسانية الواقعية، وأصبح معظم وقت الشباب يقضونه فى حجرة مغلقة مع جهاز الكمبيوتر بالانترنت، وتتكون بينهم صداقات قد تكون غير ملائمة بخلاف الاستخدام السيئ للانترنت من الجانب الاخلاقى كالدخول على المواقع الاباحية، ومع مرور الوقت يتم اكتساب معلومات بعيدة كل البعد عن عاداتنا وتقاليدنا وافكارنا بما يؤثر على الروابط الاسرية، ويحدث صراعا بين الاسرة وبين الفكر الذى يتبعه الاطفال والشباب حتى الازواج وتتسع الفجوة بينهم وتتباعد الافكار وتتصارع الاجيال . ومن الناحية الاخلاقية هناك الكثير من الانحرافات بسبب التعليم عبر الانترنت، وتبدأ دائما بعلاقات غير جيدة ، والدخول على مواقع يتعلمون من خلالها ممارسات وسلوكيات غير مشروعة وتصل احيانا الى حد الجريمة، واصبحنا نسمع عن جريمة الانترنت واصبح هناك من يحترفها خاصة تزوير المعلومات وتشويش الحقائق بمعنى انه من الممكن جدا الاساءة لشخص بتركيب الصور ونشر كثير من المعلومات تؤدى الى خراب البيوت وانفصال الازواج الى آخره، وهذا فى منتهى الخطورة لانه يؤدى الى مشكلات اجتماعية وسياسية واخلاقية، وهذا لا يقلل من قيمة تكنولوجيا الاتصالات، ولكننا اصبحنا فى مجتمع مفتوح للعالم فى كل المجالات العلمية والفكرية والاخلاقية واصبحنا مجتمعا يعايش كل المجتمعات ويتطور ويتقدم بشكل كبير جدا. وقد تؤدى التكنولوجيا الى حدوث ثورات منها ثورة 25 يناير حيث كانت ثورة من خلال الفيس بوك والموبايلات، ومن الممكن إيجاد جوانب ايجابية جميلة جدا تجعلنا على اتصال وثيق بالعالم بحيث تقلل من الانعزالية التى تسبب تخلفا للمجتمع والشباب والاسرة، ولكى نتجنب مساوئ التكنولوجيا، يجب على المجتمع قبل دخوله عالمها ان يدرس تأثيرها الايجابى والسلبى ويحاول ان يضع الاسس والمعايير التى تجنبه تلك السلبيات بدلا من الانتظار لحدوث المشكلة وبعد حدوثها نحاول أن نقلل من سلبياتها ، وهذا خطأ جدا لان علاج المشكلة قبل حدوثها يكون اهم لأن الوقاية خير من العلاج ويجب أن نبدأ من الاسرة، وأناشد كل ام واب قبل أن ينغمس أبناؤكم فى العالم التكنولوجى الحديث يجب أن يتعلموا كيف يتعاملون معه وان يكونوا مشاركين لهم فى كل أنشطتهم، ويجب ايضا ألا تترك الاجهزة فى الحجرات المغلقة وأن توضع فى الاماكن المفتوحة او اماكن المعيشة حتى يكون هناك نوع من الرقابة للابناء حتى لا يقوموا بسلوكات سيئة بعيدا عن أعين الام والاب، ويجب على الدولة عمل توعية شاملة بمخاطر التكنولوجيا الحديثة على الشباب والمجتمع وتحرك المؤسسات الاعلامية فى هذا الاتجاه بالطبع سوف يكون اقوى وأكثر تأثيرا. وتوضح الدكتورة هدى زكريا استاذ علم الاجتماع السياسى بكلية الاداب جامعة الزقازيق أن وجود السلبيات مفروض على الانسان ولا هروب منه وقوانين التطور فى الحياة تفرض نفسها ، وعلى الانسان ان يتكيف معها، والتكنولوجيا لها دور فعال داخل الاسرة وتطور العلاقات، واصبحت تحل محل الاتصال المباشر بين افراد الاسرة من خلال اتصال الاب من الخارج بابنائه عن طريق النت وكأنه يعيش معهم ويشاركهم التطورات التى تمر بها الاسرة . ويؤكد الدكتور محسن خضر استاذ ورئيس قسم اصول التربية بجامعة عين شمس ان شبكات التواصل الاجتماعى وثقافة الانفوميديا ازاحت مؤسسات التنشئة التقليدية عن عرشها واصبحنا امام الثقافة الاستهلاكية التى انتجتها العولمة الثقافية وأكسبت الشباب سطحية شديدة ، ولم يعد للكتاب والمؤسسة الورقية مكان يذكر عند شبابنا، والثقافة الالكترونية لها جانب سلبى وجانب ايجابي، السلبى أنها لا تقدم علما متكاملا وراسخا كما انها دمرت الروابط الاسرية التقليدية، وقد احتلت اهتمامات التواصل الاجتماعى مع الاخرين حتى الغرباء منهم مكان العلاقة مع الاب والام والاخ والجار والقريب وطغى العالم الافتراضى للفرد على علاقة التواصل الحميمة التى كانت سائدة للاسرة المصرية، اما الجانب الايجابى فيتمثل فى أن ثورة الاصابع الصغيرة قد ازاحت سلطات شائخة تقدم معرفة معلبة وثقافة تلقين ممزوجة بالسلطة، وبالتالى فان النتائج الاجتماعية بعد عقدين او ثلاثة عقود هى الاستغناء عن دور المدرسة، وللأسف وصلنا الى النتيجة المؤلمة وهى ان شبكات التواصل الاجتماعى أفسدت كل مؤسسات النشأة التقليدية كالاسرة والمدرسة والمسجد والعائلة والحزب والتلفاز والصحيفة، وعلينا أن نعيد ترتيب الاوراق وان ندرسها بالصورة الجديدة والمجتمع الجديد الذى شكلته الثورة الافتراضية وفضاء الانفوميديا.