عندى شعور بأن الدولة المصرية لا تعطى الانتخابات البرلمانية القادمة بعد اسابيع ما تستحق من الاهتمام والدراسة والتوقعات .. تبدو الأحداث امامنا وكأن هذا البرلمان شىء عادى او مجرد عاصفة سياسية عابرة رغم انه فى تقديرى حدث ضخم سوف تترتب عليه آثار واسعة فى تكوينه ومواقفه ووسائل الوصول اليه .. يبدو عدم الاهتمام فى هذا الفراغ الرهيب الذى يجتاح الساحة إلا إذا كانت هناك جهات تتابع ما يحدث دون ان تعلن ذلك .. ان هذا البرلمان يحمل مخاطر كثيرة .. انه آخر محطات خارطة الطريق امام العالم ومن خلاله سوف تتأكد نوايا الدولة المصرية تجاه قضايا الحريات والحديث عن الديمقراطية وهذا البرلمان سوف يضيف الكثير من المصداقية للنظام السياسى وهو يحاول تأكيد قناعاته والتزامه بكل ما جاء فى خارطة الطريق بعد ثورة 30 يونيه وخلع الإخوان المسلمين من السلطة بإرادة شعبية جارفة . ان هذا البرلمان سوف يعيد تشكيل خريطة مصر السياسية على ضوء توازنات وقوى جديدة يمكن ان تظهر او قوى اخرى ظن البعض انها تلاشت وقد تفاجئ الجميع بظهور غير متوقع .. ان هذا البرلمان يمثل اختبارا حقيقيا لتجربة الأحزاب المصرية والقوى المدنية وهل حققت اى انجازات خلال الفترة الماضية ام انها مازالت فى المربع رقم 1 ولم تصل الى شىء على الإطلاق. ان هذا البرلمان سوف يحدد ما تبقى من تيارات الإسلام السياسى فى الشارع المصرى وهل مازال يتمتع برصيده القديم ام ان الحسابات تغيرت امام واقع جديد لا احد يعلم جوانب القوة او التراجع فيه .. ان الأرجح ان يجىء هذا البرلمان بلا رموز او اسماء كبيرة لأن الساحة بالفعل خالية امام احجام اسماء كثيرة من الحرس القديم وتفضيلها الإنسحاب وربما وجدنا امامنا خلطة غريبة من الأسماء فى ثقلها السياسى والفكرى والجماهيرى .. هنا ينبغى ان نتساءل عن اهم القوى السياسية وما هى حدود المواجهة بينها فى الانتخابات القادمة .. لا اعتقد ان (الإخوان المسلمين) قد استسلموا تماما وقد تكون هذه الانتخابات الفرصة الأخيرة امامهم للظهور مرة اخرى حتى ولو كان ظهورا شاحبا وهزيلا .. لقد تراجعت حشودهم امام قانون التظاهر ثم قانون الإرهاب والضربات الأمنية الناجحة واختفاء رؤوس الجماعة سواء من دخلوا السجون او هربوا الى الخارج, كما ان العمليات الإرهابية التى تورطت فيها عناصرهم تركت حالة من الرفض الشديد والكراهية فى الشارع المصرى .. ورغم هذا التراجع إلا ان ما بقى من شباب الإخوان خاصة الأجيال المتوسطة والشابه قد يجدون فى هذا البرلمان فرصة لوضع اقدامهم من جديد فى الشارع السياسى .. يخطئ من يتصور ان ينسحب الإخوان تماما فى هذه الانتخابات والأرجح ان يجمعوا فلولهم لتصفية الحسابات اولا وبناء جسور جديدة من الثقة قد تدفع بهم مرة اخرى الى ساحة المعارضة .. لن يكون من السهل ان يكشف الإخوان ما بقى من رموزهم الشابة وقد يتخفى البعض منهم فى قوى اخرى فى إطار صفقة او حسابات جديدة . هناك ايضا ما بقى من فلول الحزب الوطنى المنحل وقد يكون من اهم القوى التى ستحقق انجازات واضحة فى هذه الإنتخابات وذلك لأسباب كثيرة اهمها ان ما لحق بالحزب الوطنى من الخسائر اقل كثيرا مما لحق بالتيارات الإسلامية, وان الحزب الوطنى حافظ على رموزه وامواله ومكاسبه فهو يتمتع بظروف افضل كثيرا من كل القوى الأخرى لقد خرج رموز الوطنى من السجون ولم يلحق بهم اذى سواء ماليا او إنسانيا كما انهم مازالوا يتمتعون بجسور قوية مع اعداد كبيرة من اصحاب المصالح داخل السلطة وخارجها. نأتى بعد ذلك الى القوى المدنية ممثلة فى الأحزاب السياسية الليبرالية او العلمانية وهذه القوى مازالت تفتقد الكثير فى علاقتها مع الشارع المصرى لأنها غابت عنه كثيرا ورغم مرور سنوات على حالة الفراغ السياسى منذ ثورة يناير وحتى الأن إلا انها عجزت عن ان تملأ هذا الفراغ وان كان السؤال الذى يدور: أين شباب ثورة يناير فيما يجرى الآن. هنا ينبغى ان نتوقف عند القوى السياسية الإسلامية خاصة جماعة السلفيين وهى اكثر من فكر واكثر من تيار وبرغم ان اعدادها محدودة وفى مناطق معينة فإنها تمتلك قدرة عجيبة على الحشد والتأثير .. ان السلفيين يريدون ان يكونوا ورثة (الإخوان المسلمين) فى الساحة السياسية او البديل المعترف به من الدولة .. انهم من حيث العدد يدركون انهم ليسوا فى قوة الإخوان ولكنهم يعتقدون انهم قادرون على ان يرثوا هذا الدور فى البرلمان حتى لو كانت اعدادهم اقل .. سوف يستغل السلفيون جماعات وفئات اجتماعية كثيرة من الشباب العاطل المحبط او من شباب الإخوان رغم ما يبدو بينهم من خلافات او فئات اخرى تفتقد الثقافة والوعى ويمكن ان تؤثر فيها المظاهر والأفكار حيث لا يوجد امامهم بدائل اخرى. هذه فى تقديرى اهم الحسابات فى موازين القوى السياسية فى الشارع المصرى وان كان هناك عنصر لا احد يدرك مدى نجاحه او إخفاقه وهم فئة رجال الأعمال المصريين الذين يخوضون المعركة الإنتخابية بأموالهم قبل اشخاصهم ومن خلال وجوه غريبة وغامضة ربما ظهرت على الساحة لأول مرة . ان رجال الأعمال لم يكشفوا عن نواياهم الحقيقية تجاه نظام ما بعد ثورة يونيه, ربما اضيروا من ثورة يناير وكانوا يتوقعون الجزاء من ثورة يونيه ولكن ذلك لم يحدث, وهناك اعتقاد لديهم بأن ما لم يتحقق بالمفاوضات يمكن ان يتحقق بالضغوط ولا توجد وسيلة للضغط على النظام افضل من البرلمان .. ان الكثيرين من هؤلاء اعدوا العدة للانتخابات ليس ايمانا بالديمقراطية او وصولا الى الحريات ولكن بهدف مواجهة النظام والحصول على المزيد من المكاسب وربما العودة الى ما كانت عليه لغة المصالح فى العهود السابقة. ان هؤلاء لديهم الآن استعداد لإنفاق عشرات الملايين التى بخلوا بها على صندوق تحيا مصر لدعم الاقتصاد المصرى .. وهؤلاء لديهم بجانب الملايين قوة إعلامية ضاربة وضارية يمكن ان تلعب دورا كبيرا سواء فى الانتخابات او البرلمان القادم .. إذا كان هناك زواج باطل بين رأس المال والسلطة فى عهود سبقت فهناك الأن زواج آخر باطل ايضا بين رأس المال والإعلام .. ان كتيبة رأس المال التى تسعى لتطويع كل شيء من اجل مصالحها تستخدم اموالها فى معركة غامضة حول البرلمان القادم لأنه بكل المقاييس والظواهر سيكون ساحة المواجهة ولا شىء غيره. لاشك ان اصرار رجال الأعمال على دخول الساحة السياسية لا يختلف كثيرا عن هؤلاء الذين خلطوا الدين بالسياسة وخسروا الاثنين معا .. كان ينبغى فى هذه الظروف الصعبة التى تعيشها مصر ان يكون هدف رجال الأعمال المصريين هو النهوض بالاقتصاد المصرى ومواجهة الأعباء والأزمات التى يتعرض لها فقراء هذا الوطن. كنت اتمنى ان توجه اموالهم لدعم الاستثمارات ووسائل الإنتاج بدلا من هذا الزواج الباطل والمشبوه مع الإعلام .. ان هذا الزواج حرم الإعلام من نبل رسالته وحرم رجال الأعمال من شفافية مواقفهم .. قد تكون المعركة الانتخابية القادمة هى اخطر مواجهة فى الشارع المصرى الذى انقسم على نفسه ما بين فئات وجماعات وفرق تدافع عن مصالحها .. ان الإسلام السياسى مازال يحارب من اجل مكتسباته حتى ولو سقط الإخوان المسلمون .. ورجال الأعمال لديهم اطماع ومصالح لن يتنازلوا عنها وهم يتربصون بالجميع, وخلفهم فلول الحزب الوطنى المنحل.. والقوى المدنية فى الشارع تدرك حجم خسائرها فى الماضى وتريد تعويض ما فات .. وهناك حشود الشباب تقف بعيدا تشاهد هذه الصراعات وهى ابعد ما تكون عن احلام الشباب وطموحاتهم . رغم صعوبة المعركة إلا ان المعركة الأكبر ستكون تحت جدران القبة بعد مجىء البرلمان الجديد .. ان هذا البرلمان يبحث من الآن عن رئيس يمكن ان يكون حاسما وقادرا على قيادة السفينة بكل ما فيها من صراعات .. وهذا البرلمان طبقا للدستور يملك صلاحيات يستطيع بها ان يهز كل اركان الدولة ابتداء بتشكيل الحكومة واختيار رئيسها وانتهاء بحقوق رئيس الدولة فى تغييرها او الإبقاء عليها. نحن امام مجلس نيابى يملك صلاحيات غير محدودة يمنحها الدستور وهو قادر فى اي لحظة ان يغير المسار فى اى اتجاه يريد .. هناك مئات القوانين التى تنتظره وهناك عشرات القوانين التى صدرت بقرارات جمهورية وتنتظر موافقته .. وهناك حكومة سيتم تشكيلها من حزب الأغلبية ولا احد يعلم من اين ستكون هذه الأغلبية ومن اى القوى والعناصر ومن اى الاتجاهات ستكون المعارضة فى البرلمان القادم. رغم كل هذه الحسابات والتحفظات والتوقعات حول البرلمان لا اجد الدولة المصرية فى حالة استعداد لذلك كله .. اين إعلام الدولة فى مواجهة إعلام رجال الأعمال والزواج الباطل الذى سيطر على عقل الشعب .. أين القوى المدنية التى وصلت الصراعات بينها الى درجة تهدد وجودها .. أين الرموز التى يمكن ان تكون واجهة مشرفة للبرلمان المصرى امام الشعب وامام العالم .. أين الأبحاث والدراسات حول صورة هذا المجلس فى مراكز الأبحاث التابعة للدولة ومؤسساتها .. وقبل هذا كله أين الالتحام بين الدولة والشعب فى هذه اللحظة الفارقة خاصة اننا امام مواجهات فئوية يمكن ان تترتب عليها نتائج غير مطمئنة فى الانتخابات .. وامام قوانين اغضبت البعض و امام شباب لم يخرج بعد من محنته وظروفه النفسية امام الإحباط والإنكسار. إذا كانت ثورة يونيه قد جمعت حولها الملايين فهناك اسباب كثيرة تجعل هذه الملايين تتساءل عن مصيرها ومستقبلها امام مجتمع لم يكن جادا حتى الآن فى محاربة الفساد واسترداد اموال الشعب وتحقيق المساواة بين ابناء الوطن الواحد, اين كل هذه الأشياء ونحن نشاهد كل يوم اجراءات وقرارات فى التعليم والصحة والضرائب والحوافز والكسب غير المشروع وكلها تؤكد ان القول غير الفعل وان الشعارات لم تجد طريقها الى الواقع .. ان الشئ المؤكد ان هذه الأشياء سوف تترك آثارها على المعركة الإنتخابية وتوابعها خاصة بعد ان يأتى البرلمان الجديد وتبدأ رحلة الصراع بين القوى السياسية والدينية واصحاب المصالح خاصة ان هناك اطرافا دولية وإقليمية تبحث عن دور فى الشارع المصرى الذى لم تلتئم جراحه بعد.
..ويبقى الشعر
لماذا أراكِ على كلِّ شىء بقايا .. بقايا ؟ إذا جاءنى الليلُ ألقاكِ طيفًا .. وينسابُ عطُركِ بين الحنايا ؟ لماذا أراكِ على كلِّ وجهٍ فأجرى إليكِ .. وتأبى خُطايا ؟ وكم كنتُ أهربُ كى لا أراكِ فألقاكِ نبضًا سرى فى دمايا فكيف النجومُ هوت فى الترابِ وكيف العبير غدا .. كالشظايا ؟ عيونك كانت لعمرى صلاة ً .. فكيف الصلاةُ غدت .. كالخطايا ؟ لماذا أراكِ وملءُ عُيونى دموعُ الوداعْ ؟ لماذا أراكِ وقد صرتِ شيئًا بعيدًا .. بعيدًا .. توارى .. وضاعْ ؟ تطوفين فى العمر مثل الشعاعْ أحسُّك نبضًا وألقاك دفئًا وأشعرُ بعدكِ .. أنى الضياعْ إذا ما بكيتُ أراكِ ابتسامهْ وإن ضاق دربى أراكِ السلامهْ وإن لاح فى الأفق ِ ليلٌ طويلٌ تضىء عيونُكِ .. خلف الغمامهْ لماذا أراكِ على كل شىءٍ كأنكِ فى الأرض ِ كلُّ البشرْ كأنك دربٌ بغير انتهاءٍ وأنى خُلِقْتُ لهذا السفرْ .. إذا كنتُ أهرب منكِ .. إليكِ فقولى بربكِ .. أين المفْر ؟