عندي مجموعة أسباب موضوعية تجعلني اختار المشير السيسي رئيسا لمصر.. هذه الأسباب التي تجعلني اختار السيسي أبعد ما تكون عن دائرة العواطف.. فليس هذا زمن العواطف.. وهي أبعد ما تكون عن سيرك النفاق فلم يكن طريقي يوما.. وقبل هذا هي أبعد ما تكون عن مواكب الطموحات والأماني الشخصية فقد اسقطت هذا الجانب من حياتي وأنتم شاهدون.. عندي أسباب سوف أضعها أمامكم فإن كانت على حق فاسمعوها، وان وجدتم فيها غير ذلك فالخلاف لا يفسد للود قضية.. أول هذه الأسباب ان هذا الرجل ورفاقه في القوات المسلحة قد التزموا طوال عام كامل بكل أخلاقيات ومسئوليات الجندية المصرية بتاريخها العريق في الوفاء والالتزام واحترام المسئولية.. كانوا الجنود الأمناء الذين تلقوا التعليمات ونفذوها بكل شرف يوم ان زارهم الرئيس السابق في مواقعهم وقدموا له كل مظاهر الولاء كرئيس للدولة، وحين شارك في احتفالات أكتوبر وهي تاجهم الأكبر تجرعوا مرارة مشهد مؤلم وهو يعانق قاتلي صاحب قرار العبور أنور السادات.. وحين دعت القوات المسلحة القوى السياسية في مصر في لقاء لجمع الشمل وتوحيد الكلمة للخروج من هذا المأزق الرهيب كانت الدعوة صادقة وحريصة على تجاوز أسباب الفتنة، وقبل ميعاد اللقاء وفي الدقائق الأخيرة قررت مؤسسة الرئاسة إلغاء اللقاء. بعد ذلك جرت مياه كثيرة في النيل وتراكمت على شواطئه مجموعة من الخطايا والأخطاء في دائرة القرار كان أخطرها اننا أمام رئيس لا يسمع ولا يقدر ولا يحسب نتائج الأشياء، وكانت النتيجة نصائح من السيسي وقادة الجيش انتقلت إلى دائرة التوجيهات ثم التحذيرات ثم ما يمكن ان يجىء بعد ذلك.. هذه المواقف تؤكد ان السيسي الضابط والجندي في جيش مصر كان ملتزما بشرف أمام قيادته ولم يتخل عن مسئولية المقاتل من حيث المصداقية والأمانة. السبب الثاني: لم يكن أحد في مصر يعلم حجم المأساة التي وصلت اليها الأحوال في سيناء.. كانت قوات من الجيش تنتشر هنا أو هناك وكانت عصابات إجرامية تقتل من حين لآخر عددا من جنودنا، وكان الرأي العام يشعر بالغضب أمام ردود أفعال باهتة من المسئولين في الدولة.. بدأت الكارثة بعدد من جنودنا، يقتلون في رمضان ساعة الإفطار ثم باختطاف آخرين وعودتهم دون ان يعلم أحد لماذا اختطفوا وكيف عادوا.. لم يكن أحد على علم بما يحدث في سيناء غير ان قوات الجيش كانت قليلة والمواجهة صعبة وكان السؤال: المواجهة مع من؟!.. كان المشير السيسي بحكم منصبه السابق واللاحق هو الذي يعلم ماذا يجري في سيناء.. وتحركت قوات الجيش بكل معداتها معلنة الحرب على الإرهاب لأن سيناء خلال أقل من عام قد تحولت إلى معقل للإرهابيين الذين أفرج عنهم الرئيس السابق في قرارات عفو غريبة ومريبة لا تتناسب مع قدسية المسئولية وحرمة الوطن.. دخل الجيش المصري معارك حقيقية في سيناء واستطاع ان يستردها مرة أخرى من أيدي الإرهاب بعد ان استردها من قبل من الاحتلال الإسرائيلي.. كل الحقائق تؤكد ان سيناء كانت في خطر واننا كنا أمام مؤامرة كبرى بدأت بحكم الإخوان والإفراج عن زعماء الإرهاب وتوجيههم إلى سيناء حين أعلنوا الحرب على الدولة المصرية، ولولا الجيش المصري ووعي وخبرة السيسي وقيادات الجيش لكانت سيناء الآن تعيش محنة كبرى.. سوف يبقى تحرير سيناء للمرة الثانية وساما على صدر الجيش المصري وموقف قياداته. السبب الثالث: حين خرج الشعب المصري يوم 30 يونية مؤيدا لدعوة المشير السيسي لإسترداد مصر كانت الدولة المصرية قد وصلت إلى منزلق تاريخي يهدد بسقوطها.. كان الشارع قد انقسم ليس بين مؤيدين ومعارضين ولكن بين مؤمنين وكفار، وكانت صيحات الإرهاب على المنابر وشاشات الفضائيات دعوات للقتال والتخلص من كفار مصر والوقوف لدعم سلطة الإيمان ممثلة في رئيس الدولة وحكومته وحزبه ورفضهم الكامل لأي حوار مع القوى السياسية الأخرى لأنها كافرة.. كل هذه الشواهد حركت مخاوف المصريين وشعر كل مصري بأنه مهدد في دينه وبيته وأمنه ورزقه وكانت صور زعماء الإرهاب وهم يتوعدون ويهددون خطيئة كبرى في حق الإسلام والمسلمين وفي حق مصر دار التدين ومهبط التسامح.. كان خوف المصريين شديدا على دينهم الحقيقي.. وكان فزعهم على وطن مهدد بالانقسام ومؤسسات لها تاريخ وجذور يمكن ان تتهاوى أمام قلاع الكراهية العمياء والغباء المطلق.. وكانت الصورة مخيفة للغاية أمام دولة مهددة بالسقوط أمام رئيس سيطرت عليه عصابة تتاجر وتحكم باسم الدين، وكانت الأزمة الحقيقية انه لم يعد يسمع لصوت عاقل أو رأي رشيد وان الغوغائية التي أطاحت بسلطة القرار قد أبعدته تماما عن جميع القوى السياسية في مصر بعد ان تحول المصريون إلى فصائل وكتائب وميليشيات.. لم يكن أمام السيسي المواطن المصري غير ان يطلب من الشعب ان ينتفض رافضا هذا الأسلوب في الحكم لأنه لا يتناسب مع مصر دولة الحضارات والتاريخ والبشر وان الوطن مهدد في كل شئ في مؤسساته وتاريخه ومستقبله وحاضره وان الصورة قد وصلت إلى أسوأ مراحلها. وكان الخروج العظيم.. لم يكن خروج المصريين يوم 30 يونية من أجل التعبير عن رفض أو خوف أو مقاومة لواقع مؤلم ولكنه الكبرياء المصري الذي رفض تقسيم وطن وإسقاط دولة وإهانة شعب وهذا يحسب للسيسي. السبب الرابع: برغم كل ما حدث بعد رحيل الإخوان عن السلطة واستعادة الشعب المصري الكثير من إرادته فإن الموقف مازال خطيرا ويتطلب الحذر بل ويفرض علينا الخوف.. ان المؤكد ان مصر لم تسترد حتى الآن عافيتها بعد ثورتين ورحيل نظامين وسقوط رئيسين كل هذا في ثلاث سنوات.. عمليات جراحية كبرى تعرضت لها مصر.. ومازالت في دور النقاهة.. مازال الاستقرار حلما.. ومازال الأمن صعبا.. والاقتصاد يعاني.. وأخلاق الناس ساءت والانقسام في الشارع يهدد كل شىء.. والإعلام يبيع الوطن ويشتريه كل ليلة والأيادي الخارجية تعبث في كل شىء ابتداء بمياه النيل حياة المصريين وانتهاء بالقتل والإرهاب الذي أسقط الآلاف من أبناء مصر الشرفاء والأبرياء.. ان مصر ليست آمنة.. ومستقبلها محاط بالمخاطر.. وحاضرها يحتاج إلى يد تبني وأخرى تحمي.. ففي ظل سلطة موزعة على فصائل سياسية أو فكرية وفي ظل نخبة تحتاج إلى إعادة بناء وفي ظل أجيال تحتاج إلى ثورة في الفكر والأخلاق والسلوك يجب ان تعود مصر لتجد نفسها في يد قوية قادرة على حمايتها.. إن وراء السيسي تاريخا من المعرفة حول أشياء كثيرة في مصر الوطن.. هو ينتمي لأعرق مؤسسات هذه الدولة وهي الجيش وبقى طوال سنوات عمله في أخطر أجهزة هذه المؤسسة وهي المخابرات العسكرية ولديها كل أسرار هذا الوطن من رغيف الخبز حتى آخر منسوب للنيل في أسوان.. وهو بحكم الرصيد يملك ثلاث معارك لن تنسى: معركته ضد محاولات إسقاط الدولة المصرية في 30 يونيه وقد انقذها، ومعركته ضد الإرهاب في سيناء وقد استعادها.. ومعركته في صموده أمام جرائم الإخوان ومؤامرات الأمريكان والطابور الخامس، وقبل هذا كله معركته الأكبر لجمع شمل المصريين بعد رحلة انقسامات بين أبناء الوطن الواحد أوشكت ان تسقط أركان الدولة المصرية. من حيث المواقف والتاريخ والخبرات فقد قدم السيسي مسوغات كثيرة أمام المصريين تشفع له وهي تكفيه، ولو انه خرج الآن تماما من المشهد المصري لاحتل مكانة بارزة في حياة المصريين إنسانا وفي تاريخ مصر الحديثة دورا وفي كل الحالات هو يمثل لحظة مضيئة في كبرياء وحماية هذا الوطن. السبب الخامس: لا بد ان نعترف بأن الجيش هو آخر ما بقى من المؤسسات الكبرى في مصر بعد ان تهاوت وسقطت مؤسسات ورموز وأدوار.. قد أشعر بالخجل وأنا اعترف بأن عقل مصر في محنة وان نخبتها التاريخية قد تجرفت وتحتاج زمنا طويلا لكي تستعيد دورها وتسترد عنفوانها.. هناك مؤسسات تخربت في الثقافة والإعلام والجامعات والتعليم والإدارة والتخطيط وحتى ما كان لدينا من آثار وحضارات وقيم تشوهت في كثير من روافدها، حتى أخلاق الناس تغيرت وطموحاتهم تشوهت.. ان هذا يعني ان الجيش هو المؤسسة الوحيدة القادرة الآن على حماية مصر، وهنا لا افصل الجيش عن قوات الشرطة.. وفي تقديري ان قضية الأمن ستكون مهمة السيسي الأولى ان يعيد الأمن للشارع المصري وهو بحكم خبرته ورصيده وتجربته يستطيع ذلك والجيش سوف يوفر له كل الإمكانيات حين يبدأ مشواره مع السلطة. إن الجيش لن يترك السيسي يغرق في بحار الأزمات المصرية اليومية وسوف يقدم له من الخبرات والمساعدات والمواقف ما يمهد له طرق النجاح.. وسوف يقوي السيسي بدعم الشارع المصري وتأييده وهذا يعني انه سوف يجمع أهم قوتين معه في سلطة القرار وهما دعم شعبي حقيقي ودعم من القوات المسلحة بحكم الدور والانتماء.. على جانب آخر فإن السيسي قدم تجربة فريدة ناجحة في تجديد شباب الجيش المصري وما أحوج مصر إلى من يجدد شبابها فقد شاخت وترهلت وجاء الوقت لتسترد عافيتها. أمام المشير السيسي ثلاثة محاذير اسأل الله ان يقيه شرها: لا تأمن من باعوا هذا الشعب يوما ونهبوا ثرواته واستباحوا حرياته وشوهوا فكره وثوابت دينه.. أقصد لا تأمن لفلول نظامين خلعهما الشعب بكامل إرادته، وعليك ان تبدأ مشوارا طويلا لبناء مصر فهي ليست فقيرة في الثروات وأغلى ما فيها البشر ولكن السفه والظلم والطغيان جعلها تمد الأيادي، والجهل والفكر المشوه جعلها مرتعا للفوضى والغوغائية.. وما بين غوغائية الفكر والتدين الكاذب واشباح الفساد والنهب والفقر سقط هذا الشعب المسكين فريسة نظم لا ترحم بين الوطني والإخوان وكلاهما لا مستقبل له في هذا الوطن. لا تسمع مواكب النفاق وحاول ان تشاهد شرائط الماضي لتعلم ان هناك أنواعا من البشر أدمنت الرقص على كل الحبال والإتجار بكل الأفكار والمواقف والأكل على كل الموائد وهي لا تجيد إلا لغة الطبول على باب كل سلطان. أعلم انك إنسان تخاف الله، والوطن وديعة وسلطة القرار امانة.. وحين نلقى الله سوف يسألنا.. هل عدلتم بين الناس؟ وعليك ان تهتدي بسيرة الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه حين سأل عنه رسول كسرى ورأه ينام بجانب جدار فقال كلمته الشهيرة: حكمت فعدلت فأمنت فنمت يا عمر. وهذا هو العدل.. وفقك الله من أجل مصر. ..ويبقى الشعر لماذا أراكِ على كلِّ شىء بقايا .. بقايا ؟ إذا جاءنى الليلُ ألقاكِ طيفًا .. وينسابُ عطُركِ بين الحنايا ؟ لماذا أراكِ على كلِّ وجهٍ فأجرى إليكِ .. وتأبى خُطايا ؟ وكم كنتُ أهربُ كى لا أراكِ فألقاكِ نبضًا سرى فى دمايا فكيف النجومُ هوت فى الترابِ وكيف العبير غدا .. كالشظايا ؟ عيونك كانت لعمرى صلاة ً .. فكيف الصلاةُ غدت .. كالخطايا ؟ لماذا أراكِ وملءُ عُيونى دموعُ الوداعْ ؟ لماذا أراكِ وقد صرتِ شيئًا بعيدًا .. بعيدًا .. توارى .. وضاعْ ؟ تطوفين فى العمر مثل الشعاعْ أحسُّك نبضًا وألقاك دفئًا وأشعرُ بعدكِ .. أنى الضياعْ إذا ما بكيتُ أراكِ ابتسامة وإن ضاق دربى أراكِ السلامة وإن لاح فى الأفق ِ ليلٌ طويلٌ تضىء عيونُكِ .. خلف الغمامة لماذا أراكِ على كل شىءٍ كأنكِ فى الأرض ِ كلُّ البشرْ كأنك دربٌ بغير انتهاءٍ وأنى خُلِقْتُ لهذا السفرْ .. إذا كنتُ أهرب منكِ .. إليكِ فقولى بربكِ .. أين المفْر ؟! من قصيدة بقايا بقايا سنة 1983 نقلا عن جريدة الأهرام