فور أن وافق الرئيس عبد الناصر على عدم المساس بشىء من ممتلكات الملكة فريدة، زارها جمال سالم عضو مجلس قيادة الثورة وكان رئيسا للجنة المصادرة ليخبرها هذا الخبر، ولكنه فى نفس اللحظة طلبها للزواج. ولو كانت الملكة فريدة شخصية عادية لقبلت الأمر أو طلبت مهلة للتفكير، ولكن لأنها الملكة التى عزفت من قبل عن عرش مصر، بل وطلبت الطلاق من الملك فاروق، فإنها غضبت غضبا شديدا وقالت له: «أنا بعد فاروق أتزوجك؟!».. وأكثر من ذلك طردته. هذا ما ترويه الدكتورة لوتس عبد الكريم فى كتابها «فريدة مصر.. أسرار ملكة وسيرة فنانة» والذى يعد وثيقة تاريخية عن الملكة فريدة بعد الصداقة العميقة التى جمعت بينهما. ولكن بعد هذه الواقعة كما تروى المؤلفة، توالت النكبات على الملكة فريدة دون رحمة، فصادروا قصرها ومجوهراتها، حتى اضطرت إلى مغادرة مصر نهائيا وعندما جاء السادات سمح لها بزيارة مصر وأمر بشراء شقة لها على النيل، لكنها ذهبت إلى جيهان السادات فرفضت تسليمها الشقة حسب المؤلفة فاضطرت إلى السفر مرة أخري. وعندما مرضت ساعدها الرئيس مبارك على شراء شقة صغيرة فى المعادى وسيارة لادا ومعاش 200جنيه. وعاشت الملكة فريدة آخر سنوات عمرها فى شارع بسيط من من شوارع سرايات المعادى دون أن يعرف أحد أن ملكة مصر تسكن بشقة صغيرة فى أحد منازله المكون من أربعة أدوار!. وتصف الفنانة لوتس عبد الكريم المكان قائلة: المصعد غير نظيف وليس به نور، والبواب لم يبد أى اهتمام عند سؤالى عن الملكة، الشقة كانت فى الدور الثالث، صغيرة جدا لكنها أنيقة، ألوانها توحى بحزن قاتم وجاءت الملكة هامة عالية، حضورها عجيب ويشع من عينيها الذكاء. كان هذا اللقاء بداية صداقة حقيقية بين الملكة فريدة وصديقتها الفنانة لوتس عبد الكريم، حيث اختارت الملكة جزءا بسيطا من فيلا «الفنانة» لتقيم فيه معرضها الدائم، تهرب فيه من أحزان الدنيا إلى رحابة الفن وسحره، كانت تعتبر لوحاتها صديقاتها، تحاور كل لوحة حوارا خاصا، وتهمس لطمى النيل وخضرة الألوان الزاهية وضوء الشمس فوق مرآة النهر ووجوه الفلاحين البسطاء. حكايات كثيرة ترويها د. لوتس عبد الكريم عن الملكة فريدة الفنانة والإنسانة وكيف عاشت آخر سنواتها فى مصر تقهر المرض والألم النفسى بالفن والإبداع، كما تكشف المؤلفة من خلال كتابها عن أن الملكة فريدة عادت الى الملك فاروق بعقد زواج رسمى قبل وفاته ببضع سنوات، ففريدة الملكة التى تركت المال والعرش بكامل إرادتها، هى نفسها التى عادت إلى الرجل الذى أحبته بعد أن أصبح بلا تاج ولا عرش، فعادت كأى زوجة تساند زوجها فى محنته، تمنحه من روحها القوة والحنان وعندما ماتت فى أكتوبر 1988 لف جثمانها بالعلم المصرى. الكتاب: فريدة مصر.. أسرار ملكة وسيرة فنانة المؤلف د .لوتس عبد الكريم الناشر الدار المصرية اللبنانية 2011