هل تلغى مقاومة الإرهاب الديمقراطية؟ مقاومة بواسطة برامج القتل السرية التى تنفذها طيارات بدون طيارين وشبكة مراقبة تكاد تشمل الجميع، لم يعرف لها العالم مثيلا من قبل. وينبغى أن تفهم هذه البرامج على أنها ليست خاصة بالولاياتالمتحدة، بل على أنها انعكاسات لطريقة تغير العالم على نحو قد يهدد حقوق الإنسان الأساسية فى الحياة والخصوصية وقد تهدد جوهر الديمقراطية نفسها، وذلك يهدد بقدر متزايد الأمم كلها حول العالم. وفى مقال بعدد حديث من مجلة نيويورك ريفيو أوف بوكس عنوانه «هل تلغى مقاومة الإرهاب بالضرورة الديمقراطية» يمدح كاتبه الرئيس أوباما لإصداره أوامر بإلغاء التعذيب وإغلاق السجون السرية للمخابرات الأمريكية التى كشفت تقارير رسمية مقدمة إلى مجلس الشيوخ الأمريكى عن أن المخابرات الأمريكية أخضعت المحتجزين لمعاملة مفرطة فى وحشيتها. وقد حال أوباما دون نجاح إغلاق معتقل جوانتانامو ولكنه بالغ فى تدبير اغتيال مشتبهين فى كونهم إرهابيين. وإن شن بوش 49 عارة بدون طيار فإن أوباما شن ما يزيد على 440 غارة فى اليمن والصومال وباكستان وبلاد ليست أمريكا فى حالة حرب معها. ومن النتائج الجانبية للغارات اغتيال الكثير من الأبرياء. وغالبًا ما لا يعترف بتلك الغارات. ويطرح استهداف القتل أسئلة. ففى باكستان وحدها قتل ما بين 250 و300 مدنيً، وفى أفغانستان واليمن أزهقت أرواح مجموعات من الضيوف فى حفلات زفاف. كما تسجل المخابرات الأمريكية وتجمع آلاف الملايين من المعلومات عن مجموعات هائلة. وتبنى هيئة الأمن القومى شبكة مراقبة عالمية ذات نطاق غير مسبوق، فهى تتجسس على «مشتبه بهم» فى بلاد أخرى. وتجمع هيئة الأمن القومى داخل أمريكا بيانًا افتراضيًا عن كل المكالمات التليفونية، محتواها ومن يطلب من، وما زمن المكالمة. وطوال سنوات جمعت بيانات مماثلة تقديريًا عن كل الاتصالات الأمريكية التى تتم على الشبكة العنكبوتية، وهى تعمل سرًا بالكامل، وليس للشعب أى كلمة عن ضرورة وجود هذه البرامج. وتدل المعلومات التى تجمعها الاستخبارات عن أشياء فى سلوك جميع الأفراد أكثر مما تعرفه عائلاتهم أو يعرفه أصدقاؤهم المقربون. وقد ينسى الفرد نفسه ما كان يفعله أو يفكر فيه من قبل، ولكن تليفونه الذكى وحاسوبه وحساباته على الشبكة العنكبوتية تحتفظ بالمعلومات جميعًا مسجلة فى شكل قابل للاستخراج والدراسة والفحص. وهكذا صار من الممكن الآن الحصول على صورة تفصيلية حميمة لأى فرد دون أساس للشك فيها. ويمكّن العصر الرقمى كذلك من المراقبة الشاملة شديدة الاتساع لجماعات بأكملها تقوم بها جوجول وياهو وشبكات أخرى. وتستطيع هيئات الأمن الحكومية الحصول على هذه المعلومات من القطاع الخاص عندما تريد. وليست المراقبة غير قانونية بذاتها، وحين تنظم بطريقة سليمة تكون وظيفة حكومية مشروعة فى زمن الحرب والسلم تقوم بها كل البلاد ولا يحظرها أى بلد، بدعوى أن الخصوصية حق ولكنه ليس مطلقًا. وتثير التقنيات الحديثة للمراقبة سؤالاً مثل هل يٌسمح للحكومات بجمع مقادير هائلة من المعلومات المتعلقة بأمور خاصة؟ وفى أمريكا ينظم القانون قدرة البوليس على جمع معلومات متعلقة بأمور خاصة، ولكن بمجرد القيام بالبحث لا توجد حدود على كيف تحلل المعلومات أو تستعمل. وفى الستينيات والسبعينيات استغل مكتب المباحث الفيدرالى تهديد «التسلل الشيوعي» للتجسس على قادة الحقوق المدنية مثل مارتن لوثر كنج والتجسس على زوجاتهم وصديقاتهم. والآن يتجسس مكتب المباحث الفيدرالى باسم الإرهاب على قادة الحقوق المدنية المسلمين فى الولاياتالمتحدة دون أى أساس للاشتباه فى أنهم إرهابيون، وعلى زوجاتهم ومعارفهم. والطابع الجديد للتهديد الإرهابى والتكنولوجيا الرقمية المتقدمة قد وسعا كثيرًا من قدرة الحكومات على ممارسة أنشطتها سرًا أو إنكار ما تفعله على نحو جدير بالتصديق ظاهريًا. وقد سمحت اليمن وباكستان للولايات المتحدة بأن تقوم بضربات جوية على أراضيهما بشرط ألا تعترف الولاياتالمتحدة بذلك، فليس هناك حكومة تريد أن تخبر شعبها بأنها سمحت لبلد آخر أن يقتل مواطنيها داخل حدودها، لذلك كان من الضرورى أن تكون العمليات سرية. وفى الوقت نفسه دعت حقيقة أن الإرهاب يعمل سرًا وقد يضرب فى أى وقت ويستعمل الاتصال العالمى عن بعد للتنسيق بين الهجمات الدول إلى توسيع نطاق المراقبة توسيعًا هائلاً وإبقاء عمليات مراقبتها سرية لزيادة مفعولها. ومن المؤكد أن استفحال إجرام الإرهاب واعتداءاته على المدنيين الآمنين ورجال القوات المسلحة والشرطة يجعل من الواجب الرد السريع عليه لإحباط أهدافه الشريرة. ولكن ذلك قد يؤدى إلى سيادة مناخ من الاشتباه والمطاردة والمراقبة وتقليص الحريات مما يقلل من فرص التحول الديمقراطى. لمزيد من مقالات ابراهيم فتحى