ضحايا الحروب الأهلية ليسوا فقط القتلى والجرحى والمشردين أواللاجئين وإنما هم أيضاً الفقراء الذين يفقدون ما يملكونه ويُضطرون لعمل أى شيء يُبقيهم على قيد الحياة حتى ولو كان بيع المرأة جسدها لجنود حفظ السلام بمقابل مادى ضئيل.حدث هذا فى دول مثل أفريقيا الوسطىوالصومال وهايتى وكوسوفو وقبرص وقالت مسئولة كبيرة فى منظمة هيومن رايتس ووتش إنها مشكلة قائمة منذ سنوات فى كثير من الدول التى تنتشر فيها قوات تحت راية الأممالمتحدة. 480 حالة استغلال جنسى ارتكبها جنود حفظ السلام ضد نساء بالدول التى انتشروا فيها بين عامى 2008 و2013 ثُلثهن من الأطفال.فبدلاً من أن يحموا المشردات واللاجئات ويقدموا المساعدة لهن كما يقتضى منهم تكليف مجلس الأمن حتى تنتهى الحرب ويتحقق الاستقرار استغل بعضهم حاجتهن للطعام والدواء وراودوهن عن أنفسهن، بل اختطفوا بعضهن واغتصبوهن تحت تهديد السلاح بمن فيهن طفلة لم يتجاوز عمرها 12 عاماً فى إفريقيا الوسطى اغتصبها جندى قسراً خلف شاحنة!. وأوضحت الإحصائيات أن عام 2014 شهد 151 اتهاماً لجنود دوليين بالاغتصاب مقابل 166 فى عام 2013. وبينما أقرّت المتحدثة باسم الأممالمتحدة بتورط 20 جندياً فى عمليات اغتصاب وبأن ثلاث فتيات تعرضن للاغتصاب حتى بعد أن طالب مجلس الأمن بالتحقيق فى اتهامات سابقة، إلاَّ أن ما خفى كان أعظم لأن عادات وتقاليد القبائل تجعل الأغلبية العظمى من الضحايا يلتزمن الصمت خوفاً من أن يجلبن العار للأسرة والقبيلة.فالفقر وذُل الحاجة يدفعان نساء كثيرات للعمل فى خدمة الجنود الدوليين أوطلب المساعدة منهم مما يوقعهن فريسة للذئاب الجائعة.وتُحقق السلطات الفرنسية منذ شهور مع 14 جندياً متهمين باغتصاب قاصرات فى أفريقيا الوسطى بين عامى 2013 و2014. وتتهم جماعات مدافعة عن حقوق الإنسان بعثة الأممالمتحدة فى تلك الدولة الواقعة بغرب أفريقيا الأوسط باستغلال أطفال الشوارع جنسياً. أكثر الاتهامات للجنود الدوليين وردت من الكونغو - كينشاسا وجنوب السودان وليبيريا وهايتي، وذكر تقرير للأمم المتحدة أن الجنود الذئاب عادةً ما يدفعون ثمن المتعة الحرام نقداً أو ملابس وعطوراً وهواتف نقّالة وأحياناً مجوهرات. ولدى سؤال عينة من النساء فى دول مثل هايتى عن الدافع وراء قبول بعضهن ممارسة الجنس مع جنود حفظ السلام أجبن بأنه الفقر والجوع وأحياناً الرغبة فى تحسين مستوى المعيشة. وذكرت وكالة رويترز أن الأدلة المتوافرة من بلدين مختلفين أوضحت أن الظاهرة منتشرة، لكن ما يُذكر عنها قليل. أما وكالة أسوشيتد برس فذكرت أن 231 امرأة فى هايتى أكدن العام الماضى أنهن قدّمن خدمات جنسية لجنود حفظ السلام وأنهن هددن مَن رفض منهم الدفع بفضحه عبر وسائل التواصل الاجتماعى بعد احتجاز بطاقات هويتهم. ذكر تقرير لجهاز الرقابة الداخلية بالأممالمتحدة أن تناقص عدد بلاغات الاغتصاب يعود جزئياً إلى عدم إقدام الضحية على الإبلاغ أو لتعقيد الإجراءات الخاصة بتفعيل القانون وكذلك التأخير المتكرر فى الإعلان عن نتائج التحقيقات. ووصف بان كى مون الأمين العام للمنظمة الدولية اتهامات الاغتصاب بأنها سرطان، وأعرب عن خجله وغضبه قائلاً إنه لن يحتمل أى تصرف يجعل الناس يستبدلون بالثقة الخوف، وأقال قائد البعثة الدولية فى إفريقيا الوسطى بعد أن تكررت الإتهامات لجنوده بالاغتصاب. فهناك 125 ألف عسكرى وشرطى ومدنى ينتمون إلى 128 دولة يعملون فى الدول التى تشهد حروباً أهلية، وليس غريباً أن تكثر تلك التصرفات المشينة مع بقاء معظمها طى الكتمان. فإذا غاب الوازع الدينى أو الأخلاقى لدى الجندى فلن تردعه قوانين ولوائح الأممالمتحدة عن ارتكاب جريمة مثل هذه.فالجنود لديهم حصانة ضد الاحتجاز أو المحاكمة إلاّ فى بلادهم وهناك اتفاق بين المنظمة الدولية والدول المشاركة فى حفظ السلام بأن الأخيرة هى وحدها المسئولة عن محاكمة جنودها. فإذا لم تتخذ إجراءً يمكن عندئذ أن تتدخل المنظمة لترحيل الجنود المتهمين ووقف مستحقاتهم المالية.كما أن عدم الإعلان عن نتائج التحقيقات فى اتهامات سابقة أو التأخر فيه شجَّع بعضهم على الاغتصاب. والشيء بالشيء يُذكر، فالاستغلال الخاطئ لحق الدفاع عن النفس يُغرى بعض جنود الأممالمتحدة بإطلاق النار على أى مدنى أعزل ولو كان صبياً صغيراً أو شيخاً كبيراً. حدث هذا فى الصومال عندما اقتحم ثلاثة جنود أوغنديين البيوت فى بلدة مركة جنوبمقديشيو العاصمة بحثا عمَّن ألقى قنبلة على قافلتهم وقتلوا سبعة رجال من بينهم أب وأربعة من أولاده بإطلاق النار عليهم بعد أن عزلوهم عن النساء خلال حفل زفاف ولم يسمحوا حتى للأسرة بنقل الأب المصاب إلى المستشفى ففاضت روحه إلى بارئها. وبعد أن نفى الاتحاد الإفريقى الذى يعمل الجنود تحت رايته وقوع الحادث عاد واعترف به معتذراً لأسر الضحايا. وسبق أن قتلت قوات حفظ السلام الإفريقية 11 شخصا فى يوليو الماضى فى البلدة نفسها وارتكبت أخطاءً قاتلة منذ انتشارها عام 2007 لحماية المدنيين من أهوال الحرب الأهلية. والسؤال الآن: مَن يحمى المدنيين العُزَّل إذا كانت القوات المكلَّفة بحمايتهم هى التى تقتلهم؟!. لمزيد من مقالات عطيه عيسوى