كانت النصيحة فى الدين عندهم خير من الدنيا وما فيها ، ولا يَرضَون لغيرهم ما لا يرضونه لأنفسهم ، ومما يروي في هذا الشان أن يونس بن عبيد البصري وهو من حفاظ الحديث الثقات ، كان يبيع القماش والمنسوجات ، وكان عنده حلل مختلفة الأثمان منها ماقيمته أربعمائة ومنها ماقيمته مائتان فذهب مرة إلي الصلاة وترك ابن أخيه في الدُكان ، فجاءه أعرابي وطلب حلة بأربعمائة فعرض عليه من حلل المائتين ، فاستحسنها ورضيها فاشتراها فمضي بها وهي علي يديه ، فاستقبله يونس صاحب الدكان في الطريق ، فقال للأعرابي : بكم اشتريتها، فقال بأربعمائة ، فقال: هي لاتساوي أكثر من مائتين ،فارجع حتي تردها . فقال :أنا ارتضيتها، قال: ارجع ، فإن النصح في الدين خير من الدنيا ومافيها ، ثم رده إلي الدكان ،ورد عليه مائتي درهم ،وخاصم ابن أخيه في ذلك، وقال :أما استحييت، أما اتقيت الله عزوجل، تربح مثل الثمن، فقال: والله ما أخذها إلا وهو راض بها . قال : فهلا رضيت له بما ترضاه لنفسك . كانوا يشجعون المواهب ويقدمونهم بغض النظر عن السن ، قال عمر بن الخطاب رضى الله عنه يوما لأصحاب النبى صلى الله عليه وسلم : فيمن ترون هذه الآية نزلت : (أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ أَن تَكُونَ لَهُ جَنَّةٌ مِّن نَّخِيلٍ وَأَعْنَابٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ لَهُ فِيهَا مِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ وَأَصَابَهُ الْكِبَرُ وَلَهُ ذُرِّيَّةٌ ضُعَفَاءُ فَأَصَابَهَا إِعْصَارٌ فِيهِ نَارٌ فَاحْتَرَقَتْ ۗ كَذَٰلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ )( البقرة : 266) ؟ قالوا الله أعلم فغضب عمر،وقال : قولوا نعلم أولا نعلم . فقال ابن عباس رضى الله عنهما ( وكان صغيرا فى السن ) فى نفسى منها شىء ،فقال عمر: يا ابن أخى ، قل ولا تحقر نفسك ، قال ابن عباس ( وفى رواية أنه كان خلفه ، فقال له عمر : تحول ها هنا، لما تحقر نفسك ؟) قال : ضُربت مثلا لعمل ،قال: أى عمل ، قال لرجل غنى عمل بطاعة الله طوال عمره ، حتى إذا اقترب أجله بعث الله له الشيطان فعمل بالمعاصى حتى أحرق أعماله فعمل بعمل أهل الشقاء . فرضى عمر بقوله . كانوا يعدون من يغتاب الناس فى المجلس ممن لا يجوز الجلوس معه أومعرفته ،ونظروا إلى المُغتاب وتعاملوا معه بشكل عجيب . جاء رجل إلى الحسن البصرى يقول له : يا أبا سعيد ، إن فلانا اغتابك ، فأرسل الحسن إلى الرجل الذى اغتابه هدية ، فجاءه الرجل متعجبا فقال له الحسن : أولا أُحسِن إلى من مَّلَكنى حسناته أفعل فيها ما أشاء يوم القيامة . كان الوفاء بالوعد دِين لا يحتاج إلى كتابة أوراق ولا شهادة شهود ولا شهر عقارى، لما حضرتْ عبدَ الله بن عمررضى الله عنهما الوفاةُ قال : إنه كان قد خطب إليَّ ابنتي رجلٌ من قريش ، وكان مني إليه شِبهُ الوعد ، فوالله لا ألقى اللهَ بثُلُث النفاق ، أُشهدكم أني زوَّجته ابنتي - و قد قال عليه الصلاة و السلام :(مِنْ عَلَامَاتِ الْمُنَافِقِ ثَلَاثَةٌ إِذَا حَدَّثَ كَذَبَ ، وَإِذَا وَعَدَ أَخْلَفَ ، وَإِذَا اؤْتُمِنَ خَانَ)[ رواه مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ]. كم من شخص فى أمتنا غير مجرى التاريخ بإيمانه واتصاله بمن يقول للشىء (كن فيكون) ، صلاح الدين الأيوبي واجه سبعاً وعشرين دولة أوربية، وغيّر مجرى التاريخ، بعدما كانت سوريا محتلة تسعين عاماً حررها، و دخل بيت المقدس، فالإنسان حينما يتصل بالله تصبح عنده قدرات مذهلة، والمسلمون الأوائل كانوا قلة قليلة، لكن خلال ربع قرن فتحوا العالم. [email protected] لمزيد من مقالات عبدالفتاح البطة