بمناسبة اقتراب موسم الحج، تذكرت مقالا كتبته قبل سنوات، بعنوان: "كيف تحج وأنت في مكانك؟.. فإذا كنتَ ممن لم يظفروا بنعمة الحج هذا العام، يمكنك أن تعمل أعمالا، تحصل بسببها على أجر، يعوضك عن "التطوع" بالحج، وحج "النافلة"، بخلاف "حج الفريضة"، الذي لا يعدله شيء في مثوبته، إذ يعود المرء منه "كيوم ولدته أمه"، كما أخبر رسول الله. قال العلماء: "كم من واصل ببدنه إلى البيت، وقلبه منقطع عن رب البيت. وكم من بيت داخل نفسك، لو طهر لأشرق بنور ربه، فليس الاعتبار بعمل الجوارح، وإنما بتقوى القلوب.
قال أحدهم: "ابدأ بنفسك فاغزها، وابدأ بنفسك فجاهدها". وأشار آخر إلى من يسهل عليه التنفل بالحج والصدقة، ولا يسهل عليه أداء حقوق الناس، والتنزه عن الكسب الحرام!
لذلك قال السلف: "ترك دانق (سدس درهم)، مما يكر هه الله تعالى، أحب إلي من خمسمائة حجة".
وقال الفضيل بن عياض: "ما حج، ولا رباط، ولا جهاد أشد من حبس اللسان، ولو أصبحت يهمك لسانك أصبحت في هم شديد".
وقال الحسن: "مشيك في حاجة أخيك خير لك من حجة بعد حجة".
ومما لا شك فيه أن الجهاد أفضل من "حج التطوع". فقد قال تعالى: "أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ وَعِمَارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآَخِرِ وَجَاهَدَ فِي سَبِيلِ اللهِ لاَ يَسْتَوُونَ عِنْدَ اللهِ وَاللهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ أَعْظَمُ دَرَجَة عِنْدَ اللهِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ" (التوبة: 19-20).
وتدل الآيتان على أن الجهاد مع الإيمان أفضل من التطوع بسقاية الحاج، وعمارة المسجد الحرام.
وفي الصحيحين عن أبي هريرة عن النبي قال: "أفضل الأعمال الإيمان بالله ورسوله، ثم جهاد في سبيل الله، ثم حج مبرور". (البخاري ومسلم).
وورد في صحيح مسلم عن أبي ذر أن أُناسا من أصحاب رسول الله قالوا: يا رسول الله: ذهب أهل الدُثور بالأجور، يصلون كما نصلي، ويصومون كما نصوم، ويتصدقون بفضول أموالهم، فقال النبي: "أو ليس قد جعل الله لكم ما تصدقون به؟ إن بكل تسبيحة صدقة، وكل تكبيرة صدقة، وكل تحميدة صدقة، وكل تهليلة صدقة، وأمر بمعروف صدقة، ونهي عن المنكر صدقة، وفي بُضع أحدكم صدقة".
وفي الترمذي عن النبي قال: "من صلى الصبح في جماعة، ثم جلس في مصلاه يذكر الله حتى تطلع الشمس، ثم صلى ركعتين، كان له مثل أجر حجة، وعمرة: تامة.. تامة.. تامة".
كما أن بكور المرء إلى الجمعة كذبحه للهدي، حتى وصف سعيد بن المسيب شهود "الجمعة" فقال: "هو أحب من حجة النافلة، وقد جعل النبي البكور إليها كالمُهدي هديا إلى بيت الله الحرام".
أخيرا قالوا: "من عجز عن حج البيت، فليقصد رب البيت". وقال عمر بن عبد العزيز - عند دفع الناس من عرفة -: "ليس السابق اليوم من سبق به بعيره، إنما السابق من غُفر له". [email protected] لمزيد من مقالات عبدالرحمن سعد