حان وقت دفع ثمن الفاتورة .. هذا هو لسان حال الصحافة العبرية تعقيبا على موجة الإرهاب اليهودى الجديدة. فبينما لم يستفق الإسرائيليون من صدمة مقتل فتاة صغيرة على يد متطرف يهودى فى مسيرة للمثليين جنسيا، هبطت صاعقة قيام متطرف آخر بحرق منزل أسرة فلسطينية لينهى حياة طفل وأبيه حرقا. إنه الثمن الباهظ لحكومة اليمين المتطرف التى يقودها بنيامين نيتانياهو، فحكومة تضم بين جنباتها أشد عتاة التطرف اليمينى والدينى وتدافع عن حقوق المستوطنين فى اغتصاب الأراضى الفلسطينية من الطبيعى أن يسعى أبناؤها الشرعيون من المتطرفين اليهود إلى فرض قوانينهم «المقدسة»! وهم الوريث الشرعى لحكومة جاء نوابها بالتحريض ضد العرب، بل واليهود الليبراليين، ورفض الآخر، من الطبيعى أن يكون شاب بلحية طويلة يحمل سكينا ومولوتوفا ليقتل ويحرق الفلسطينيين والرافضين للشريعة اليهودية. فعقب الانتخابات الإسرائيلية الأخيرة فى مارس 2015، شكل نيتانياهو حكومته بضم كافة أطياف التشدد، من نفتالى بينيت المدافع الشرس عن المستوطنين، وأرض إسرائيل بدون عرب، وأرييه درعى زعيم الحريديم الذى نزع أساور السجن ليمسك بيده قلم إلغاء القوانين التى تعرقل تمدد اليهود المتشددين وينهى أزمة الانخراط فى الجيش لصالح أصحاب القلنسوات السوداء. هذه الحكومة شجعت خروج الجنى من القمقم، فعقب تشكيلها نشطت جماعات التطرف اليهودى خاصة جماعة "لهافا" المتشددة التى تدعو لرفض وجود عرب يعيشون مع اليهود بحثا عن النقاء اليهودى الذى يمنح الرب راحة لعدم الاختلاط بالأغراب. وكان أول الأهداف كنيسة الخبز والسمكة التى هاجمها المتشددون بدعوة أن وجود الكفار والمجدفين من المسيحيين بين اليهود الأنقياء يغضب يهوه. ومع رد فعل لا يتجاوز التنديد اللفظى من حكومة نيتانياهو، انفتح هويس نار التطرف اليهودى ضد الجميع، فكانت الطعنة ضد الفتاة المثلية، ثم الجريمة التى هزت العالم بحرق الطفل الفلسطيني. فى منتصف التسعينيات، جاءت صدمة اغتيال رئيس الوزراء الإسرائيلى الأسبق إسحاق رابين فى ميدان السلام على يد يهودى متشدد لتجبر الأحزاب الإسرائيلية على مراجعة خطاب المعاداة للسلام ورفض الآخر، ولكن النتيجة فى واقع السياسة كانت مغايرة، فبفضل قتل أحد المتشددين لرابين انتهى حكم اليسار الصهيوني، وتم وأد معسكر السلام، لتبدأ حقبة ممتدة من حكم اليمين إلى اليوم تخللها عامان فاشلان لإيهود باراك العمالي. وهكذا، وبدلا من أن يتعرض الإسرائيليون المتشددون للعقاب لاغتيالهم رئيس الوزراء، قدموا لهم السلطة ليحكموا بأنفسهم وبدون إزعاج من أحد. وبهذا، انقلبت عبارة "الجريمة لا تفيد" على أرض السياسة العبرية إلى "الجريمة تمنحك السلطة"، وبدلا من معاقبة الجانى تم سجن المجنى عليه فى سجن المعارضة. وبعيدا عن الإدانات والرفض العام للتطرف اليهودي، فان الوضع العام ساهم فى زيادة شعبية المجموعات المتطرفة من المستوطنين التى تجد دعما سياسيا وإعلاميا لقيامها بقتل الفلسطينيين من أصحاب الأرض فى الضفة الغربية، وبينما يتوحش هذا الورم السرطانى كانت حكومة نيتانياهو تواصل تغذيته بمنح المزيد من التراخيص للمستوطنات فى الضفة وتعطى وزارات مهمة لزعماء من المستوطنين المتشددين من داخل حزب الليكود أو حزب البيت اليهودي. هكذا منح نيتانياهو الشرعية للتطرف اليهودي، وكانت الصاعقة للبعض أن تتحول شوارع القدسالمحتلة إلى ساحة لتأييد الإرهاب اليهودى بلافتات على الحوائط ترحب بقتل الفتاة اليهودية وحرق الطفل الفلسطيني، فيما رفضت مدرسة حريدية استقبال الرئيس الإسرائيلى رؤوفين ريفلين بزعم أنه تضامن مع الضحية المثلية. هكذا انقلب السحر على الساحر، فحكومة المتشددين أصبحت تأخذ الطعنات من مؤيديها، وفى المقابل اضطرت الحكومة مجبرة لإقرار الاعتقال الإدارى بحق المتطرفين اليهود من المستوطنين لتخوض حربا على أهم داعميها. ربما يدفع نيتانياهو الثمن قريبا بانتخابات مبكرة، ولكن فى النهاية، سرطان الإرهاب اليهودى دخل طورا جديدا من التوحش قد يجعله قرينا لداعش، فيبدو أن اللافتة فى المنطقة اليوم هى : "مرحبا بالدواعش هنا"!