«مصر الآن تعوم علي بحيرة من السلع المستوردة».. هذا هو التعبير الذي يجسد حالة الأسواق في مصر الآن بعد أن أصبحت السلع المستوردة تحاصر المستهلك من جانب، وأصبح المنتج المصري إن وجد يظهر علي استحياء مما يهدد الصناعة المصرية ويضربها في مقتل ويجهض أية محاولات لإنقاذها ما لم تجد الدعم والمساندة في وطنها. عن الاستيراد ومشاكله وفوضي السلع الرديئة التي تجتاح الأسواق المصرية، والطريق إلي حماية الصناعة الوطنية، وكيفية التوفيق بين متطلبات هذه الحماية واتفاقية التجارة الحرة «الجات» دار الحوار مع منير فخري عبد النور وزير الصناعة والتجارة الذي تحدث بصراحته المعهودة في كل تلك القضايا وغيرها وإلي نص الحوار:
شاركت ضمن الوفد الرسمي المصري إلي ايطاليا مؤخرا برئاسة رئيس الوزراء المهندس إبراهيم محلب لطرح فرص الاستثمار علي الجانب الايطالي فما أهم الاتفاقيات التي تم توقيعها مع الجانب الايطالي خلال الزيارة؟ هناك الكثير من المشروعات منها مدينة الأثاث التي سيتم تنفيذها بمحافظة دمياط حيث تم تخصيص 631 فدانا بمدخل مدينة دمياط وتم وضع أكثر من تصور هندسي للمدينة من أجل توافر متطلبات العاملين في صناعة الأثاث ومستلزمات هذه الصناعة. ورافقنا خلال زيارة روما محافظ دمياط وتم عقد عدد من اللقاءات مع مصنعي الأثاث بايطاليا. وكان الغرض من هذا توفير المعدات والآلات اللازمة للتصنيع وسيتم تمويلها أيضا بشروط ميسرة من خلال الصندوق الاجتماعي للتنمية. وتم توجيه الدعوة لعدد من مستثمري ايطاليا للاستثمار في مدينة الأثاث وكان رد تجاوبهم مع الدعوة جيدا من أجل الاستفادة من العمالة المصرية ذات الانتاجية العالية وصاحبة السمعة الطيبة في مجال الأثاث. وتم الاتفاق مع «اليونيدو» من أجل ارسال أحد الخبراء لمراجعة المخطط العام للمدينة الذي سيتم تنفيذه بأحدث التقنيات العالمية. هل تنجح مدينة الأثاث الجديدة في استعادة قدرة المنتج المصري علي المنافسة ومواجهة الأثاث الصيني؟ نحن نعمل في اطار اتفاقية منظمة التجارة العالمية وهذا يفرض علينا احترام شروط حرية التجارة. ولكن في الوقت نفسه دون الاضرار بمصالح صناع الأثاث والمنتجين المصريين ونحن في حاجة لحماية الصناعة المصرية من خلال الارتقاء بمستوي المواصفات المصرية وتفعيل هذه المواصفات وأن تتوافر الرقابة المطلوبة في المنافذ الجمركية المختلفة من أجل حماية المستهلك المصري حيث توجد كمية كبيرة من البضائع الرديئة في الأسواق المصرية لا حصر لها. الرقابة علي المنافذ مسئولية الحكومة وأجهزتها المختلفة فما الذي يمنع القيام بدورها في منع دخول السلع والمنتجات الرديئة ومجهولة المصدر؟ الكلام سهل ولكن الواقع مختلف فأي قرار يتم اتخاذه يواجه باعتراض من أصحاب المصالح والمستوردين كما حدث في ملف الحديد والصلب في مصر والتي تواجه أزمات كثيرة ومنافسة شرسة من دول تدعم هذه الصناعة وعلي رأسها تركيا وأوكرانيا والصين. ولمواجهة هذا تم فرض رسم الحماية علي واردات الحديد بعد دراسة طويلة. وتعرضت الحكومة لهجوم كبير بسبب هذا القرار واننا ننحاز لرجال الأعمال علي حساب المستهلك البسيط وهذا أمر غير حقيقي فهذا القرار تم اتخاذه من أجل حماية الصناعة المحلية والحفاظ علي استثمارات بعشرات المليارات وآلاف العمال في المصانع المختلفة. أيضا عندما تم اتخاذ قرار يمنع استيراد الفانوس الصيني تعرضت لهجوم كبير من أصحاب المصالح والغرض من هذا القرار كان من أجل الحفاظ علي الهوية المصرية والصناعات التي نتميز بها وهذا ما دفعنا للاهتمام بقطاع الصناعات الحرفية المصرية التابع للوزارة والاهتمام بالمنافذ التي يتم من خلالها بيع المنتجات الحرفية اليدوية المصرية وعلي رأسها منفذ فرع عمر أفندي بشارع أحمد عرابي بالمهندسين والذي حقق مبيعات تتجاوز 744 ألف جنيه في أقل من شهر وهذا نجاح كبير فالصناعات الحرفية كنز لابد من الاهتمام به فالهند تحقق 20 مليار دولار سنويا من بيع المنتجات اليدوية. المنتج المصري تراجعت جودته بشكل كبير خلال الفترة الماضية وأصبح يتمتع بسمعة سيئة هل توجد نية لدي وزارة الصناعة في فتح هذا الملف؟ خلال إجازة عيد الفطر الماضي سافرت إلي الساحل الشمالي لقضاء الإجازة ودخلت أحد فروع السوبر ماركت الكبري لشراء احتياجات المنزل ووجدت كل المنتجات مستوردة حيث أصبحنا نستورد عصائر من عدد كبير من دول العالم علي رأسها تركيا والسعودية وهذه مصيبة كبيرة كيف أستورد هذه المنتجات وبلدنا له تاريخ طويل في الزراعة؟ أيضا أصبحنا نستورد الشامبو والمنظفات. وهذا عيب كبير. قبل أيام أصدر مجلس الوزراء قرارا بالتراجع عن قرار حظر استيراد القطن من الخارج وهو القرار الذي اتخذه وزير الزراعة وأثار جدلا كبيرا فهل الحفاظ علي منتج مصري مثل القطن أصبح أمرا صعبا؟ هذا الخطاب الاشتراكي الناصري لا يمكن أن يصلح عام 2015 ربما كان مناسبا في ستينيات القرن الماضي وفي تقديري أن هذا الخطاب سبب أزمة اقتصادية كبيرة لمصر حيث توجد امبراطوريات انهارت بسبب هذا التوجه. والقطن المصري طويل التيلة ليس بديلا عن الأقطان قصيرة ومتوسطة التيلة التي لا يتم زراعتها في مصر لأسباب كثيرة منها أسباب تجارية. وكمية الأقطان التي يتم تداولها عالميا 26 مليون طن نصيب مصر منها من القطن طويل التيلة 100 ألف طن بواقع 2 مليون قنطار والجزء الأكبر من مصانع الغزل والنسيج في مصر تم تصميمه علي التعامل مع القطن متوسط وقصير التيلة. كما توجد منافسة كبيرة بين مصر ودول العالم في أسعار الأقطان وفارق السعر بين هذه الأصناف والذي يقترب من 500 جنيه يخرج مصر من المنافسة. وليس من حق وزير الزراعة اصدار قرار بمنع استيراد القطن قصير وطويل التيلة كما أنه لن يحقق أي مردود إيجابي وهذا فيه خراب للصناعة المصرية وواجبي هو الحفاظ علي هذه الصناعة والعمالة المتواجدة داخل هذه المصانع بعيدا عن ارتباطنا كمصريين بالقطن ولكن الدنيا تتغير. وأحد أسباب نكبة القطن المصري مشاكل الزراعة كما أن الاصرار علي انتاج منتج لا يوجد سوق له لن يقدم أي ميزة للاقتصاد المصري. وخلال هذه المرحلة لابد من تحديد المساحات التي تحتاجها المصانع من القطن المصري وعدم زيادتها. كما أن حل أزمة القطن المصري تتمثل في ضرورة زراعة أقطان طويلة ومتوسطة التيلة في توشكي والأراضي التي يتم استصلاحها وليس الأراضي القديمة حتي لا يتم الاستيراد من الخارج. فمنذ توليت مسئولية وزارة التجارة والصناعة وأنا حريص علي أي قرار أتخذه لأنه يؤثر علي مصالح المستهلكين والمنتجين بشكل مباشر فأول اجتماع عقدته بعد تكليفي بحقيبة التجارة والصناعة كان مع أعضاء شعبة الصناعات الهندسية وعرضوا علي تضررهم الكبير من واردات ثلاجات العرض المستعملة التي يتم استيرادها من الخارج وأصدرت قرارا بمنع استيراد هذا المنتج بعدها مباشرة لم أكن أتخيل تأثير هذا القرار علي مصالح عدد كبير من المستوردين والعمال والبيوت التي تأثرت بهذا القرار ومنذ هذه الواقعة وأنا أدرس قراراتي جيدا وأقوم بوزنها بميزان الذهب، وكل سلعة لابد من دراسة سوقها بشكل جيد وهل نسمح باستيرادها أم لا وأنا دائم الاتصال بالمنتج والمستهلك عن طريق التواصل مع اتحاد الصناعات والغرفة التجارية وأستمع جيدا للشكاوي التي تصل إلي الوزارة. هناك فوضي كبيرة في قطاع تصدير الحاصلات الزراعية وعدد كبير من العاملين في هذا المجال يتضررون من هذه الفوضي كيف يمكن التغلب علي هذه المشاكل؟ مصر حققت رقما قياسيا في تصدير الحاصلات الزراعية بمقدار مليون و204 آلاف طن مقارنة بالعام الماضي بمليون و90 ألف طن وأصبحنا ضمن قائمة أكبر خمس دول علي مستوي العالم مصدرة للموالح. وسبب تراجع أسعار الموالح في مصر هي زيادة العرض عن الطلب ففي جميع المحافظات أصبحت الموالح هي الزراعات الأساسية. أيضا البطاطس استشرت زراعتها بشكل كبير مما أثر علي أسعارها بشكل كبير. هناك عدد كبير من المصانع التي تم اغلاقها خلال الفترة الماضية بسبب تعثرها في الاستمرار مما أثر علي استثمارات كثيرة وتعرضت للضياع فما خطة الوزارة لمواجهة أزمات هذا الملف؟ هناك مبالغة كبيرة في عدد المصانع المغلقة وأصبحت شماعة جاهزة لعدد من أصحاب المصانع ومنذ عام 2011 وحتي العام الحالي لم يتقدم لمركز تحديث الصناعة سوي «982» مصنعا متوقفا من بين 40 ألف مصنع وتم حل مشاكل ما يقرب من 100 مصنع من المصانع المتوقفة والنسبة الأخري لديها مشاكل مالية وليس أي قرارات مرتبطة بوزارة الصناعة. هناك تضارب في القرارات بين وزراء المجموعة الاقتصادية مما يؤثر علي السوق بشكل سلبي فهل هذه القرارات لا يتم مراجعتها قبل اصدارها بين وزراء المجموعة الاقتصادية؟ العلاقة بين وزراء المجموعة الاقتصادية جيدة ونجتمع كل يوم اثنين من كل اسبوع ويوجد تنسيق دائم بيننا والقرار الذي أصدره وزير الزراعة بوقف استيراد القطن من الخارج خروج عن القواعد المتبعة داخل الحكومة. منذ أيام قليلة تم افتتاح مشروع قناةالسويس الجديدة وهو المشروع الكبير الذي يحلم الجميع أن يكون بداية انطلاقة حقيقية للاقتصاد المصري فما أبرز المشروعات التي سيتم تنفيذها من خلال هذا المحور؟ الهدف من تنمية محور قناةالسويس أن يكون هذا المكان صناعيا وتجاريا يخدم حركة التجارة العالمية التي تمر من قناةالسويس. ووظيفة وزارة التجارة والصناعة حاليا تهيئة المناخ الجاذب للاستثمار وليس انشاء مشروعات ومصانع كما كان يحدث في مرحلة الستينيات من القرن الماضي. وحل المشاكل والدفاع عن الصناعة. وخلال الفترة الماضية لعبت وزارة الصناعة دورا مهما في تهيئة وجذب الاسثتمارات وداخل محور تنمية القناة سنجد اهتماما كبيرا بملف صناعة السيارات وسيشهد نموا ملحوظا. ومن بين أهم المشروعات التي تسعي وزارة الصناعة لخروجها إلي النور مشروع المثلث الذهبي الذي يقع في منطقة قنا وقفط وساحل البحر الأحمر هذه المنطقة غنية بالموارد الطبيعية والثروات الطبيعية. وهناك شركة حصلت من خلال المناقصة التي طرحتها الوزارة علي وضع تصور للمنطقة والمخطط العام للمشروع من أجل اكتشاف الثروات الطبيعية وتصنيعها. وتضم هذه المنطقة الذهب والفوسفات والمعادن. كما يوجد لدينا اهتمام كبير بملف مكونات صناعة السيارات لأسباب كثيرة منها أن هذا القطاع يستخدم التكنولوجيا الحديثة. كما أنه يحقق قيمة مضافة كبيرة ونحن في حاجة إلي ذلك. وأيضا مثل هذه المشروعات تتميز باعتمادها علي عدد كبير من العمالة. وأيضا هذه المشروعات تكون فرص التصدير بها كبيرة جدا خاصة إلي الأسواق الافريقية التي تعتبر سوقا واعدة لصناعة السيارات. وهناك منافسة كبيرة بين المغرب وجنوب افريقيا ومصر في ملف صناعة السيارات وكل دولة تريد أن تكون في المقدمة في هذا الملف ومصر لديها فرص كبيرة في هذا القطاع. وخلال الشهر المقبل سنتقدم باستراتيجية جديدة لتنمية ملف صناعة السيارات ومكوناتها إلي مجلس الوزراء وأتمني الموافقة عليه ومنح حوافز من أجل جذب مستثمرين في هذا القطاع بهدف زيادة الانتاج وتوافر وحدات انتاجية كبري تنتج 100 ألف سيارة من أجل الاستفادة من موفرات الانتاج. كما سيتم تقديم مزايا لتصدير السيارات ومكوناتها إلي الخارج. كما نهدف من خلال الاستراتيجية الجديدة زيادة المكون المحلي في هذه الصناعة ليصل إلي 60% علي الأقل خلال خمس سنوات. فمصر تعمل في قطاع السيارات منذ بداية الستينيات ولم نتقدم خطوة واحدة إلي الأمام. خلال الفترة الماضية تحدثت كثيرا عن قانون تفضيل المنتج المحلي فمتي يري هذا القانون النور؟ اللائحة التنفيذية للقانون خرجت خلال الاسبوع الماضى وسيترتب علي اقرار هذا القانون تفضيل المنتج المصري علي المنتجات غير المصرية كما أنه سيتيح فرص عمل كثيرة للمصانع المصرية ولكنه للأسف الشديد يجد مقاومة من البعض. وهذا القانون موجود في غالبيةدول العالم وعلي رأسها الولاياتالمتحدةالأمريكية فمن حق كل دولة تفضيل منتجها المحلي.