الذين شقوا قناة السويس الجديدة، على اختلاف فئاتهم العمرية، يشكلون جيلا يمكننا تسميته جيل قناة السويس ، هو جيل تميز بخصائص وسمات نرجو أن تسود المجتمع المصرى طوال الوقت وليس بعض الوقت، جيل تمسك بالثقة فى النفس، وشجاعة اتخاذ القرار، وبالأحلام الكبيرة. وتلك صفات وسجايا ليست ثابتة الجذور بمجتمعنا، فهى موسمية تظهر فى أحيان معينة تتصل فى الغالب بالأزمات والانكسارات، ثم سرعان ما تتوارى وتخبو. فالمصريون ظلوا طويلا لا يحلمون سوى بأقل القليل على المستويين العام والخاص، وتابع على مدى اليوم كم مرة نكرر عبارات وأمثالا شعبية تدور كلها حول فكرة حصر الأحلام فى حدود الإمكانات وألا نزيد سقف توقعاتنا وآمالنا، والمواطن له عذره، فالأجيال التى تجاوزت أعمارها الخمسين والستين تربت وترعرعت فى ظل أنظمة فضلت إعفاء المواطنين من خاصية التفكير والحلم، فذاك حق حصرى للنظام القائم، وعلى المواطن أن يكون ممتنا وشاكرا لتخفيف هذا العبء من على كاهله، وأن يرضى بما يحصل عليه مهما كان ضئيلا وبسيطا، فهمه الأساسى الحصول على قوت يومه، وزوجة صالحة تربى له الأنجال، وصحبة لطيفة يقضى معهم أوقات السمر، فهو لم يكن شريكا فى التفكير ولا يعتد بآرائه عندما يدرس المسئول القرارات المصيرية، الممكن أن تؤثر على حياة الناس، فهو مجرد متلق عليه التجاوب والتنفيذ دون مناقشة ولا اعتراض. بالتالى عرفت السلبية والعزلة الاختيارية طريقها لقلب وعقل المصريين الذين انشغلوا بأمور، مثل التخلص من أكوام القمامة وما تسببه من مشكلات، وأن يتلقى رعاية طبية معقولة وليست فائقة أو ممتازة، وأن يستقل وسيلة مواصلات تشعره بالارتياح والآدمية، وأن يتعلم أولاده فى مدارس تتوافر فيها أبسط شروط وقواعد الجودة والضمير المهني، وأن يفك حصار الدروس الخصوصية المجبر على اللجوء إليها، وأن يوفق الأبناء والبنات للالتحاق بعمل عقب تخرجهم فى الجامعة حتى يستطيعوا الزواج وتكوين أسرة سعيدة تدور فى فلك الآباء والأمهات ذاته. كل هذا وغيره لم يترك مجالا للمصرى لرفع سقف أحلامه وأمنياته، وأظن أن الدولة فى المرحلة المقبلة ومع ما تطرحه من مشروعات قومية كبرى مدعوة إلى العمل على إطلاق العنان للحلم المصري، ولن يتأتى ذلك إلا بحرية الإبداع والفكر وتغيير نظامنا التعليمى المهترئ، وأن تكون المناصب للكفاءات والقادرين على العطاء والعمل والابتكار، وأن نكون من أصحاب النفس الطويل، وبمعنى آخر أن يتم العمل وفقا لنظام مؤسسى غير مرتبط بشخص الجالس على كرسى رئاسة الوزارة والشركات والمصانع .. الخ. وكنت آمل أن تتسع مشاريعنا العملاقة لتشمل مستقبلا تصنيع السلاح، فحاليا تتداول معلومات عن اتجاهنا لشراء حاملة طائرات من فرنسا، فلم لا نحاول ونجتهد لإنتاج معدات ثقيلة كالدبابات والمدرعات والطائرات المقاتلة ولاحقا حاملات الطائرات؟، فمَن يقدر على شق قناة خلال عام لن يشق عليه بناء حاملة طائرات، أو مفاعلات نووية، فعندنا ما يكفينا من الكوادر البشرية المؤهلة والجاهزة لتدريبها للقيام بهذه المهمة التى اعتبرها غير صعبة، فإندونيسيا استطاعت إنتاج طائرتين حربيتين من الألف إلى الياء وتم تسجيلهما باسمها، وماليزيا صنعت سيارة محلية الصنع كاملة، هاتان الدولتان نجحتا رغم تعرضهما لمضايقات وعراقيل من جهة البلدان الكبري، وقبلهما لدينا تجربة الصين. أعلم أن مصانعنا الحربية تقوم بدور بطولى عظيم وتنتج العديد من المعدات والأجهزة للاستخدام العسكرى والمدني، لكن ما أرمى إليه أن نصبح دولة مصدرة للسلاح وبالإمكان تذليل كل العقبات إذا اجتمعت إرادتنا وحلمنا على أن نكون دولة منتجة للسلاح، فلا ينازعنا أحد فى أن هذه الغاية تخلصنا من ضغوط وممارسات الدول الكبرى المنتجة للأسلحة فى العالم، وخطوة تعزز حمايتنا لأمننا القومى ومعه العربى والإقليمي، وتضعنا فى مصاف الكبار، وذاك ما يجب أن نحلم به ونقاتل من أجل بلوغه. هنا يأتى دور الثقة فى النفس، فمازلنا غير واثقين فى أنفسنا لتأثر بعضنا بالدعايات المضادة والشائعات المشككة فى كل إنجاز يتحقق على أرض الواقع، فنحن لم نصل بعد لمرحلة تحدى النفس، نعم جربنا هذا فى قناة السويس وكان عملا رائعا، لكنها تبقى الاستثناء. وأكاد أجزم بأن زيادة جرعة الثقة فى النفس ستجعلنا نقفز فوق كل الحواجز والهموم، وانظر على سبيل المثال إلى أزمة القمامة فالمجتمع غير واثق فى قدرته على حلها، وجرب عشرات الحلول وبقيت المشكلة كما هي، فلو تسلحنا بقدر زائد من الثقة فبالتأكيد سنتغلب عليها فى وقت قياسي. إن الشعب مطالب الآن وليس غدا بتوسيع دائرة أحلامه لأقصى حد يتصوره الواحد منا، وأن يعى أن من يمشى خطوة بثيات على طريق التقدم والرقى بمقدوره صنع المعجزات، فحرروا أحلامكم من حيزها الضيق ودعوها تحلق فى عنان السماء، حينها ستتغير مصرنا وستكون أم الدنيا بالفعل لا بالقول.