بدأت الأجهزة المعنية والاحزاب السياسية الاستعداد لخوض المعركة الانتخابية القادمة على مقاعد مجلس النواب لاستكمال الاستحقاق الثالث من خريطة المستقبل ، وسط تخوفات من تشكيل البرلمان القادم ، وخوفا من تسلل عناصر تمثل التطرف أو الإرهاب الى مقاعد المجلس ، اوافتقاد الرئيس المنتخب " السيسى " لقاعدة نيابية تدعمه فى مسيرة الوطن ، ودخول قاعدة نيابية قد تعوقه عن ادء مهامه الجسيمة وخططه للعبور بسفينة الوطن الى بر الأمان، مما دعى البعض للمطالبة بتغيير الدستور، فهل هذا حديث مناسب فى هذا التوقيت أم أن هذه رغبة مؤجلة. المستشار الدكتور مدحت سعد الدين نائب رئيس محكمة النقض يقول: قد يظن البعض أن المطالبة بتعديل الدستور فى الوقت الراهن أمر سابق لأوانه وأن الوقت ليس ملائما لهذا الحديث، بعد استشراء الجرائم الارهابية الأخيرة، خاصة اغتيال النائب العام ومحاولات الارهابيين توسيع دائرة جرائمهم فى سيناء، غير أنه إذا كانت تلك الجرائم الارهابية من شأنها بعث الشعور بالقلق وعدم الاستقرار، فإنه مما يزيد من سريان هذا الشعور تجاهل الحديث عن العيوب الجسيمة فى النصوص الدستورية الحالية، والتى لاتحقق التوازن بين سلطات الدولة الثلاث التى ترسى دعائم الدولة القانونية، ذلك أنه إذا أردت أن تهدم مجتمعا أو تقوض أركانه فإن الطريق إلى ذلك يكون ممهدا إذا تم اختراق نظامه السياسى والقضائى والاقتصادى بنصوص دستورية معيبة، وخير مثال على ذلك النصوص التى تقيد من سلطات رئيس الجمهورية بوصفه رئيس السلطة التنفيذية فى مواجهة البرلمان (السلطة التشريعية)، إذ تضمن نص المادة 146 من دستور 2014 الجديد مما يفيد تقييد سلطة رئيس الجمهورية فى اختيار رئيس الوزراء والوزراء بضرورة موافقة البرلمان على هذا الاختيار، وإذا لم يوافق البرلمان على ذلك يتم اختيار رئيس الوزراء من حزب الأكثرية، فإذا لم يحظ برنامجه الحكومى بموافقة البرلمان عليه، يتم حل البرلمان وانتخاب برلمان جديد، ولم تحدد تلك المادة كيفية اختيار رئيس مجلس الوزراء أو الوزراء بعد تشكيل البرلمان الجديد، وإنما جاء النص متسما بركاكة الألفاظ والغموض فى الصياغة والعموم، متضمنا اشتراك رئيس الجمهورية مع رئيس الوزراء فى وضع برنامج الحكومة، بما يعنيه ذلك من تبديد للوقت والنفقات وإهدار الجهد والطاقة فى مجرد اختيار رئيس الوزراء قبل أن يثبت نجاح الحكومة أو فشلها فى إدارة شئون الدولة، فضلا عما يعنيه ذلك من مخالفة مبدأ الفصل بين السلطات، الذى يعنى استقلال كل سلطة من سلطات الدولة الثلاث فى مواجهة الأخرى. مخالفة مبدأ الفصل بين السلطات إذ تجعل المادة المشار إليها البرلمان صاحب اليد العليا على رئيس الجمهورية بوصفه رئيس السلطة التنفيذية، ورغم أن البرلمان القادم ينشئ نظاما وليدا خليطا بين الانتخاب الفردى والقائمة نتيجة إحدى هذه النصوص المعيبة أيضا، ولاينبئ انتخاب برلمان بهذا التشكيل عن تفاؤل فى مسألة اختيار رئيس الحكومة، مع تقييد سلطة رئيس الجمهورية على النحو المشار إليه، وإذا كان هذا الخلاف قد ينشأ فى اختيار رئيس الوزراء وبرنامجه والوزراء فقط، فكيف يمكن الاطمئنان إلى ممارسة البرلمان دوره فى رقابة الحكومة بعد ذلك، فضلا عن معارضة نصوص الدستور بعضها بعضا إذ تنص إحداها على سلطة رئيس الجمهورية فى اعفاء الوزراء من مناصبهم ثم تشترط موافقة البرلمان على ذلك فى المادة 147 من الدستور، علما بأن هذه النصوص لامثيل لها فى الدساتير العالمية، إذ ينفرد رئيس الجمهورية فى المادة الثامنة من الدستور الفرنسى بسلطة اختيار رئيس الوزراء والوزراء وإعفائهم من مناصبهم، كذلك من المواد التى تشكل خطرا كبيرا على السلطة القضائية المادة 241 من الأحكام الانتقالية التى نصت على التزام مجلس النواب بإصدار قانون العدالة الانتقالية الذى يكفل كشف الحقيقة والمحاسبة واقتراح أطر المصالحة الوطنية وتعويض الضحايا وفقا للمعايير الدولية، وهو نص عقيم لامعنى له ويتضمن افتئاتا على السلطة القضائية، إذ تم تداول مشروع لنصوص هذا القانون تنشأ بمقتضاه مفوضية للعدالة الانتقالية وتتشكل من أعضاء ليسوا قضاة ويمنحون حصانة القضاة وصلاحياتهم فى اتخاذ إجراءات التحقيق والحبس الاحتياطى بعيدا عن سلطات النيابة العامة، بما يتضمن مخالفة أخرى لمبدأ الفصل بين السلطات، وطغيان سلطة مفوضية العدالة الانتقالية "غير المعروف حتى الآن السلطة التى تتبعها من سلطات الدولة الثلاث " على صلاحيات السلطة القضائية واختصاصاتها ، والمثال الأخير هو تضمن نص المادة 38 من الدستور القائم نظام ضريبى بعينه هو الضريبة التصاعدية على الدخول بحسب المقدرة التكليفية للممول، رغم أن نصوص الدساتير السابقة فى مصر لم تتضمن النص على نظام ضريبى بعينه كالمنصوص عليه فى الدستور الحالي، واكتفت تلك الدساتير بالنص على مبدأ الضريبة على الدخل مع ترك أمر تحديد أحكامها للقانون الذى ينظم ذلك، حتى إذا فشل نظام بعينه نص عليه قانون الضرائب أمكن تطبيق نظام آخر بتعديل هذا القانون بدلا من تعديل النص الدستورى الذى يتم بإجراءات معقدة، ولقد نبهنا فى حينه لخطر هذه المقترحات التى صارت نصوصا دستورية ملزمة بعد استفتاء الشعب عليها رغم ما بها من عوار ولاسميع أو مجيب. هل يمكن تعديل الدستور قبل انتخابات البرلمان ؟ والسؤال الذى يطرح نفسه هو أنه إذا كانت نصوص الدستور قد تضمنت الطريقة التى يتم تعديل بعض نصوصه عقب تشكيل مجلس النواب المنتخب، وخلت تلك النصوص من طريقة للتعديل فى حالة عدم وجود برلمان، فهل يمكن إجراء هذا التعديل قبل انتخاب البرلمان تفاديا للمخاطر التى قد تترتب على هذه العيوب الجسيمة فى بعض نصوص الدستور؟!! والجواب بقدر اجتهادى أنه يمكن ذلك إذ أن الثورة كرد فعل انسانى على الظلم والطغيان إذا نجحت تعتبر عملا مشروعا وتكتسب شرعيتها من نجاحها فى إسقاط النظام والدستور الذى استند إليه النظام الساقط وهو ما سارت عليه سائر الثورات العالمية، وما حدث فى إصدار هذا الدستور القائم عقب ثورة الشعب على النظام البائد فى 30/6/2013، وإذ لم يتم انتخاب البرلمان فيمكن اختيار لجنة أخرى من الفقهاء الدستوريين المتخصصين من غير من شاركوا فى وضع نصوص الدستور القائم.